خبر الانتخابات المحلية.. ملاحظات مبدئية..د. احمد الشقاقي*

الساعة 09:04 ص|11 أغسطس 2016

ترتفع حرارة العملية الانتخابية... ونشهد مداولات للبحث فى فرص انعقاد الانتخابات المحلية، وسبل الاستفادة من هذا المشهد فى تعبيد طريق المصالحة الوطنية، واستثمار العودة للجمهور فى تحقيق الاستقرار والذهاب نحو الوحدة الوطنية، لدى الصالونات النخبوية والقطاعات الثقافية، وهو ما يقابله تشكيك من تشكيلات واسعة من الشارع، وان كان هناك حماس كبير في الذهاب نحو صندوق الاقتراع لتحقيق فتح فى جدار الانقسام الداخلي.

وفى استعراض سريع للمشهد الفلسطيني لآخر انتخابات جرت فى قطاع غزة والضفة الغربية والقدس المحتلة عام 2005، والانتخابات المحلية التى نحن بصددها فى 2016، نجد أن الأجواء الداخلية التى سبقت الأولى كانت أفضل بكثير من الأجواء التى نشهدها حاليا، من حيث الجسم السياسي الموحد، والتركيبة الاجتماعية الداخلية بين المكونات الحزبية للمشهد الفلسطيني. كذلك فإن الفصائل التى شاركت فى الانتخابات هي ذات التى تشارك، وبعد مرور احد عشر عاما عانينا فيها من ويلات الانقسام التى وصلت لكافة تفاصيل الحياة لتلحق ضررا بليغا بالمواطن البسيط بالدرجة الأولى. نجد أنفسنا اليوم مجددا أمام استحقاق الانتخابات بطابعها المحلي، نرى شحذا للهمم لدى فتح وحماس فى التنافس الانتخابي وهو ما يدفعنا للترحيب بها على أن يبقي هذا التنافس فى إطار ميثاق الشرف الذي وقعته الفصائل المشاركة.

غير أن ملاحظات أساسية- من المهم الوقوف أمامها- ترسم المشهد الانتخابي، بواقع المتابعة الإعلامية لمجريات العملية الديمقراطية التى خلقت حراكا من جديد داخل الساحة الفلسطينية، وأعادت الحضور إلى تمنيات أبناء شعبنا بتحقيق التوافق الداخلي.

أولاً: لازالت تختفي البرامج، وحتى ملامح البرامج الانتخابية، أمام ارتفاع وتيرة البحث من قبل القوائم الحزبية على كشف حسابها عند الجمهور الداخلي. ويستند الترويج الفصائلي للقوائم الانتخابية على منطق الانقسام السائد، والتعويل على اسطوانات سأمها الشارع، وأصبحت القاعدة الحزبية لكل فصيل تنطلق من عرض فشل الآخر، وتناسي الأدوات والحلول مقترنة مع البرامج الانتخابية فى مواجهة الحصار والاحتلال.

ثانيا: حالة التشكيك الغير مسبوقة فى الساحة الداخلية وهو ما يتنافى مع ابسط الأجواء الصحية للدخول فى أجواء الدعاية الانتخابية والاقتراع، وانحصار الأصوات فى البحث عن ضمانات الالتزام بمعايير الانتخابات الشفافة، وتأكيدات الالتزام بالنتائج وهى على أهميتها، لكنها مسالة يفترض كونها من المسلمات، التى يحب تجاوزها سريعا لتوسيع النقاش المجتمعي من اجل الوصول إلى اكبر نسبة مشاركة من الجمهور، وحتى تأتي النتائج بما يعبر عن حالة المجتمع الفلسطيني.

ثالثا: نشهد حراكا سياسيا كبيرا من قبل الفصائل على المستوى الداخلي، فمثلا: نسمع عن أجواء ايجابية فى آليات البحث الداخلي بين احد الفصائل فى اتخاذ قرار المشاركة من عدمه، من خلال استطلاع رأي لعينة من أبناء الفصيل، ومن ثم الذهاب لأخذ رأي أبناء الحزب فى كافة مناطق تواجد الفلسطينيين، سواء بالضفة وغزة أو الخارج. أو ما نراه من فصائل أخرى فى الذهاب نحو استطلاع رأي داخلي بين أبنائها لاختيار أعضاء القائمة التى ستدفع بها فى المنافسة الانتخابية. أو فى الطريقة الفنية التي تتبعها بعض الفصائل فى الوصول إلى جمهورها فى المحافظات الفلسطينية بشكل دقيق وبنظام « بيت بيت » وتوزيع فئات الجمهور بين مؤيد ومتضامن.

رابعا: تمكنت قوي اليسار من تشكيل قائمة مشتركة وهو يسجل نجاحا وخطوة متقدمة لتلك الفصائل فى ظل ارتفاع نسبة الحسم البالغة 8% ،وهو ما يمكنها من المنافسة بشكل أفضل، وهذه التجربة ستنعكس فى الأداء الفصائلي، وفى اقرب فرصة وعلى إثر نتائج الانتخابات المحلية لنشهد توافقات بين الكتل الفائزة ، فى ظل نظام انتخابي نسبي يسمح بالمشاركة للجميع في المجالس المحلية وبعيدا عن سيطرة اللون الواحد.

خامسا: ذكرت مصادر فصائلية أن الدعوة للانتخابات المحلية، جاءت فى إطار ضغوط خارجية على القيادة السياسية لإجراء الانتخابات، وأن هناك من تلقف الدعوة لاستغلال الحالة الغير مستعدة لصالحه، وهذا مؤشر خطير يستدعي من الجميع تحمل مسئولياته، فالانتخابات استحقاق وطني أولا، ويشكل بارقة أمل عملية لدى البعض فى الوصول إلى التوافق بعد فشل اتفاقات المصالحة الموقعة. علينا أن نبنى علي ما وصلنا إليه والبحث سريعاً فى الأطر القيادية للتوافق على مواعيد الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس للوطني لنتجاوز هذه المسألة لاحقا.

سادسا: ظهر حرصا كبيراً لدى الفصائل فى البحث عن قوائم تكنوقراط ومهنية، وإعلانا واضحا وصريحا فى هذا التوجه، وهو ما يطرح تساؤلات مهمة عن دوافع هذا التوجه، إن كان افتقار الفصائل لهذه الكوادر، أم فشل الوجوه الحزبية بعد تجربة الانقسام الكارثية.

وأخيراً يبقى المواطن والشارع هو الحكم، بعيدا عن منطق الأرقام ولعبة الاقتراع والانتخاب، فجميعنا بحاجة لتحقيق المصلحة الوطنية وتجاوز واقع الانقسام والذهاب بقوة نحو خدمة الجمهور وتعزيز صموده فى ظل معاناة الحصار والاحتلال.

*صحفي وأكاديمي إعلامي

كلمات دلالية