خبر الحرب الباردة بين غزة « المقاومة » ودولة الكيان

الساعة 11:52 ص|20 يوليو 2016

فلسطين اليوم

أطلس للدراسات

إنه الصراع المستمر والذي لن يتوقف بين كيان احتلالي بني على باطل، مدجج بكل أشكال القوة الغاشمة، في مواجهة قوى مقاومة فلسطينية لا تملك طائرات ولا دبابات، لكنها تسلحت بالعزيمة والإصرار وقوة الحق ونذرت نفسها لقضيتها العادلة، رغم كل الضربات والحروب التي شنها الاحتلال لكي وعي المقاومة أو ردعها فإن قدرة المقاومة المدهشة على البقاء والاستمرار وتحدى العدو فاقت كل تخيل.

الكيس فيشمان، المحلل العسكري والسياسي لصحيفة « يديعوت »، يرصد مظاهر السباق لجولة القتال القادمة بين قوى المقاومة التي تقودها حماس وبين الكيان الباطل، وفي السياق ذاته يسعى الكاتب الصهيوني القريب من دوائر الاستخبارات الصهيونية إلى تشويه صورة المقاومة الفلسطينية وحركة حماس، وتأليب النظام المصري ضدها بادعاء صلتها وتحالفها مع « داعش » سيناء.

 بعد مرور سنتين على عملية « الجرف الصامد »، تدخل إسرائيل وحماس إلى الجولة الأخيرة الحاسمة من الركض إلى مسافات طويلة - سباق الأنفاق. على مدى سنوات طويلة كانت إسرائيل المتأخرة، أما حماس فقد حفرت إلى الأمام، والآن يركض الخصمان كتفًا إلى كتف وهما ينظران إلى الجانب لرؤية من يصل إلى خط النهاية أولًا. فهل ستنجح إسرائيل في إنتاج العقبة المرجوة قبل أن تكون حماس مستعدة مع سلاح يوم القيامة الخاص بها - عشرات الأنفاق مع ثغرات داخل الأراضي الإسرائيلية.

الزمن هنا هو عامل حاسم، المجتمعين الإسرائيلي والغزي يستثمران في هذا السباق مليارات الشواقل، هذه هي الحرب الباردة الحقيقية التي تختفي وراء الهدوء المزيف في حدود القطاع، إلا أنه خلافًا لتلك الحرب الباردة، إسرائيل لا يمكنها الاكتفاء بتوازن الرعب، يجب عليها الوصول إلى الحل الأفضل الذي يقضي على التهديد.

في هذه السنة استثمرت حماس (250 - 300) مليون شيكل في مشروع الأنفاق، 20% من ميزانيتها السنوية تخصص الآن للتسلح العسكري، والجزء الأكبر من هذا المبلغ يذهب للأنفاق. الحديث يدور عن مبالغ غير مسبوقة، الأمر الذي يفسر حقيقة أن إعمار غزة يتم ببطء، لأن قسمًا كبيرًا من الأموال التي تصل إلى حكومة حماس كتبرعات من جهات خارجية (يشمل ذلك الاتحاد الأوروبي) ومن جباية الضرائب ومن السلطة الفلسطينية في رام الله.

الحديث يدور عن مبلغ يفوق 500 مليون دولار سنويًا، يذهب لحفر الأنفاق، أغلبية مواد البناء التي تستخدمها الذراع العسكرية لحماس لتقوية الأنفاق تصل من مصر عن طريق 10 - 15 نفقًا ما زالت توجد في محور فيلادلفيا أو عن طريق معبر رفح مرة كل بضعة أشهر وبموافقة مصرية، ولكن ما يدخل إلى القطاع من إسرائيل أيضًا عن طريق معبر كرم أبو سالم لا يتم استخدامه بالضرورة في بناء المدارس. الصراع الشديد الذي تخوضه إسرائيل ضد تهريب المواد ووسائل الحفر مثل الكوابل الكهربائية يثمر كثيرًا، لكن معبر كرم أبو سالم غير مغلق بالكامل.

في السنة الأخيرة اكتشفت إسرائيل البعد الحميمي للحفر، بين 50 - 60 شخصًا من سكان غزة ممن كانت لهم صلة بالحفر تم اعتقالهم في إسرائيل بظروف مختلفة، ليس هناك المزيد من متابعة ما يحدث على الجانب الآخر من الحدود، بل سياسة أكثر فعالية لإفشال مشروع الأنفاق، وقد تم وضع هذه السياسة منذ عهد موشيه يعلون كوزير للجيش، وزير الدفاع الحالي أفيغدور ليبرمان لم يتبنّ هذه السياسة فقط، بل دفعها قدمًا. عدد كبير من الحفارين والمطلعين على الأسرار لم يسبق لهم أن وقعوا في أيدي إسرائيل، وهم الآن يتحدثون - كل واحد حسب رأيه - عن أين حفروا ومتى حفروا ومن المسؤول عنهم وكم ربحوا وما هي ظروف العمل في داخل الأنفاق؛ وهكذا تتشكل الصورة التي تُبين أن حفر الأنفاق هو مشروع وطني في غزة. ليست هناك أي معارضة أو دعوات تطلب وقف الاستثمار في الجيش والحرب التي لا فائدة منها ضد إسرائيل، والاستثمار في إعمار القطاع. حماس تحظى بالإجماع في أوساط السكان، وعندما يتعلق الأمر بالأنفاق فإن السكان في غزة يكونون مستعدين لتحمل المعاناة.

منذ عملية « الجرف الصامد » زاد عدد الحفارين، عدد كبير من بين كتائب الذراع العسكرية لحماس من بين الـ 25 كتيبة ينتشرون أمام حدود إسرائيل، وكل واحدة منها تسيطر على منطقة، وبعضها يوجد فيها من يهتم بحفر الأنفاق؛ « مقاولون » يركزون العمل كل واحد في منطقته، بما في ذلك الحوافز. « كل مقاول » كهذا مسؤول عن عشرات الأشخاص، والمغزى: غزة تحفر الأنفاق 24 ساعة في اليوم بواسطة الاشخاص الذين يعملون في نفس الوقت، وفي الحاصل هناك آلاف الأشخاص الذين يرتزقون من ذلك. هذه السرعة القاتلة لم تكن قبل « الجرف الصامد »، بسبب ضغط الوقت ونوعية المواد التي ليست صالحة قتل هذا العام 20 شخصًا في حوادث عمل أثناء الحفر، وكان آخرها في بداية الأسبوع أثناء حفر نفق في شمال القطاع.

زعماء الكتائب في حماس يعرفون الآن أن التمويه والخداع في موضوع الأنفاق باتا واضحيْن، رجالهم قالوا كل شيء، ليس فقط عما يفعلونه الآن؛ بل أيضًا ما فعلوه قبل سنة، حماس من جهتها تبذل جهدًا كبيرًا من أجل معرفة أين تقف إسرائيل في موضوع حرب الأنفاق، والنقاشات التي جرت في حماس قبل بضعة أشهر - بعد اكتشاف إسرائيل لنفقين بواسطة الوسائل التكنولوجية المتطورة - لم تؤدّ إلى الاستنتاج بأنه يوجد حل لدى إسرائيل وأنه من الأفضل وقف الحفر؛ بل العكس، حماس تتصرف انطلاقًا من نظرية أنه اذا كان لدى إسرائيل أداة لكشف موقع النفق، فلا يجب لهذا أن يمنع استخدامه. لكل نفق يتم حفره من القطاع يوجد أكثر من فتحة وتفرع، الأمر الذي سيصعب على إسرائيل منع الهجوم منها. وكأحد دروس « الجرف الصامد » ضاعفت حماس مرتين وثلاثة قواتها الخاصة « النخبة » التي من المفروض أن تخرج من الأنفاق في اليوم الموعود، وعدد هذه القوات يبلغ الآن خمسة آلاف شخص.

إسرائيل من ناحيتها تطلق في هذه الأثناء مشروعًا قوميًا طموحًا لا يقل أهمية عن العقبة المادية، خطة إقامة جدار تحت أرضي حول قطاع غزة. الحديث يدور عن مشروع تصل تكلفته إلى 2.2 مليار شيكل وسينتهي العمل فيه خلال عامين، لكن أجزاء مركزية منه ستكون جاهزة في السنة القريبة. وعندما يبدأ الاسمنت بالتدفق إلى باطن الأرض فمن المفروض أن يقوم بإغلاق الأنفاق التي حفرت باتجاه إسرائيل، أي أنه لا يجب الانتظار حتى انتهاء المشروع. في المقابل، تستثمر إسرائيل مئات ملايين الدولات، وبمساعدة أمريكية، من أجل استكمال المشروع التكنولوجي للكشف عن الأنفاق وعن مساراتها، نظرية العمل في إسرائيل هي أن حماس ستبدأ برؤية ظهرنا في هذا السباق حتى نهاية العام.

وفي إطار محاولة الكاتب الصهيوني لتشويه الكفاح الفلسطيني وتأليب النظام المصري على حماس؛ يدعي ان حماس العسكرية ترفض التنازل عن صلتها مع « داعش » في سيناء، فهي أنبوب الأكسجين الأساسي بالنسبة لها، وهي على استعداد لدفع ثمن باهظ مقابل ذلك بعلاقتها مع مصر. كما يدعي أن سليمان سوالكة الذي أسس « أنصار بيت المقدس » وقدم ولاءه فيما بعد لـ « داعش » وخطط في 2004 لعملية في فندق « هلتون » في طابا ورأس الشطن التي قتل فيها 14 شخصًا منهم 12 إسرائيليًا، صحيح أنه تم اعتقاله من قبل مصر وقبع في السجن، لكنه هرب أثناء الانقلاب على مبارك وعاد إلى سيناء وواصل العمليات « الإرهابية »؛ في الأسابيع الأخيرة أثناء الهجوم المصري الناجح على جبل الهلال في سيناء، هرب إلى القطاع، والمصريون يطالبون الآن بتسليمه، لكن حماس لم تستجب لذلك.

وفي حملته لتشويه المقاومة الفلسطينية؛ يدعي الكاتب انه يوجد بين حماس و« داعش » في سيناء تحالف مصالح يسمح لهما بتهديد مصر وإسرائيل، ولهذا التحالف هناك بعد عملياتي، فبنية الصناعات العسكرية لحماس في غزة أصيبت في السنة الأخيرة بشكل كبير نتيجة عمليات الجيش الإسرائيلي، ولا سيما سلاح الجو؛ لهذا قامت المنظمة بنقل جزء من أجهزة الإنتاج إلى جبل الهلال في سيناء الذي يوجد تحت سيطرة « داعش »، وهناك تستمر في تصنيع القذائف التي تحولت إلى السلاح الأكثر فتكًا لغلاف غزة، والعبوات المتطورة بأنواع مختلفة. في حزيران هذا العام، عندما دخل الجيش المصري إلى منطقة الهلال تم العثور هناك على عشرات العبوات التي تم تحضيرها من قبل حماس أو بناءً على خبرة حماس، وفي أوساط « داعش » في سيناء يعمل حوالي 20 مختصًا من حماس يقومون بإرشاد « داعش » في مواضيع إصابة الدبابات والحرب الصغيرة. صحيح أن حماس الرسمية تتنصل من ذلك خوفًا من رد مصر الشديد، لكن الحديث يدور عن أشخاص معروفين من غزة وماضيهم في ذراع حماس العسكرية معروف، هذه المجموعة التي انضمت لـ « داعش » في سيناء في السنوات الأخيرة حولت « داعش » من جماعة حفاة مع الكلاشينكوف إلى منظمة لحرب العصابات تتسبب في الخسائر الكبيرة لقوات الأمن المصرية، حوالي 10 قتلى كل شهر.

شمال سيناء الذي يوجد تحت سيطرة « داعش » هو منطقة استراتيجية بالنسبة لحماس، لأن منطقة التهريب للأشخاص وللوسائل القتالية تتركز هناك، و« داعش » تستغل هذا المحور جيدًا، « عشرات نشطاء »داعش« المصابين جراء المعارك مع المصريين يجتازون إلى المستشفيات في القطاع.

يوجد لدى »داعش« في سيناء مواقع عسكرية قريبة من الحدود الإسرائيلية، موقع أمام كرم أبو سالم، والآخر في بلدة جنوب رفح المصرية، وتعتبر هذه نقاط تهديد دائمة لحدود إسرائيل، وبيقين فإنه لحظة بدء الحرب مع حماس سيتم فتح جبهة ثانية من سيناء، مثلا ايلات ستكون هدفًا، ومن أجل الوصول إليها فإن حماس بحاجة إلى »داعش« .

قرر المصريون في الأشهر الأخيرة التوقف عن إغراق الأنفاق في محور فيلادلفيا، وهم يعرفون جيدًا أن حماس لا زالت تهرب عن طريقها إلى سيناء، و »داعش« تستخدمها أيضًا، ولم تفهم إسرائيل ذلك، لكن بالنسبة لمصر هذا جزء من اللعبة المفضلة لديهم - ترويض حماس، أي الإظهار لحماس أهمية العودة إلى حضن مصر، وليس فقط أن المصريين أوقفوا إغلاق الأنفاق في شهر رمضان، بل إن الطاقة الكهربائية التي خصصت لإغراق الأنفاق انتقلت لصالح رفح، أي »انظروا كم نحن جيدون، سيكون لكم المزيد من الكهرباء أثناء رمضان، والأنفاق التي لم يتم إغراقها يمكنكم تهريب البضائع خلالها، وإذا لم تفهم حماس ذلك فسيتم استئناف إغراق الأنفاق".

في معبر رفح يتصرفون بهذا الشكل، بين (40 - 50) ألف مواطن غزي قدموا في السنة الأخيرة طلب خروج إلى مصر، لكن المصريون يقومون بتعذيبهم؛ حيث أنه مرة كل بضعة أسابيع يسمحون بالخروج، ويتم إغلاق البوابة حتى إشعار آخر، معاملة انسانية لسكان القطاع؟ هذا ما يطلبه المجتمع الدولي من إسرائيل. بعد أن قامت تركيا بترتيب أوضاع القطاع مع حماس دون الرجوع للسلطة الفلسطينية، طلبت السلطة الفلسطينية في رام الله الرد على هذه الاهانة، وقامت بمنع الشاحنات التي تحمل البضائع التركية من الدخول إلى غزة، وكان المبرر الرسمي هو عطلة عيد الفطر، السلطة الفلسطينية تعاقب تركيا، وليعاني السكان في غزة.

 

كلمات دلالية