بقلم: عودة بشارات
في استطلاع « نظرة » الذي نشر مؤخرا تبين أن 68 في المئة من الجمهور الاسرائيلي لا يقتنعون أن بنيامين نتنياهو جدي في تصريحاته عن حل الدولتين. كما هو معروف، أعلن نتنياهو في خطاب بار ايلان عن تبني هذا المبدأ. ومنذ ذلك الحين فان كل محلل اسرائيلي يتحدث بتفاخر عن هذا التصريح لرئيس الحكومة كبرهان على التزامه بالسلام. في الوقت الحالي يعرفون هنا ايضا أن هذا كذب، والامر المحزن هو أن الجمهور يقبل هذا الكذب كظاهرة طبيعية يجب التعايش معها.
هذا هو ملخص المشكلة التي تغرق فيها الدولة. يقولون شيئا لا يؤمنون به ويلتزمون بتنفيذ ما لا ينوون تنفيذه أبدا. ويتساءل الشعب: ما الضرر في ذلك؟ البرهان على ذلك هو حقيقة أن نتيجة الاستطلاع الدراماتيكية لم تنشيء أي جدل أو أي تساؤل.
هذا هو وضع الأمة الآن: الحياة تُدار داخل فقاعة الكذب. وبين الكذب والحقيقة يتشكل واقعا كفكائيا: القائد القادر على كل شيء والأقوى في المنطقة يكذب. وهناك جهود كبيرة لملاءمة الواقع مع الكذب. وأصابع الاتهام موجهة للطرف الضعيف في اللعبة، محمود عباس. كل ولد في اسرائيل يقول لك بحزن، إن عباس لا يقدر على توقيع اتفاق سلام. والجمهور الاسرائيلي يعيش بسعادة على هذا الكذب، ويبدو أن هناك ايضا المزيد من الاكاذيب.
نتنياهو اكتشف بسرعة أن التصريح الذي فرض عليه كان في صالحه. عناق الدب لحل الدولتين جعل الكثيرين، ومن بينهم اشخاص جيدين، يعلنون بعد الندب والبكاء أن حل الدولتين عاد الى الحياة. ودون تردد، باسم التوازن الحقير يتهمون الطرفين: هذا الذي يمارس روتين الاحتلال. وهذا الذي يعيش تحت الاحتلال. هذه هي الصرعة التي أحضرها نتنياهو، يتم تبني ولد من اجل خنقه مع إبقاء قلبه يتفطر.
المشكلة هنا هي مشكلة مزدوجة. فالائتلاف ايضا تبنى الكذب، ومعظم الاحزاب في اسرائيل تبنت وجهة النظر الاساسية في نظرية نتنياهو – لا توجد امكانية لحل الصراع الآن. المعسكر الصهيوني ويوجد مستقبل هي احزاب تعارض نتنياهو، وهي توجد في معظم الحالات على يمين الخارطة ولا ترفض الافتراض الاساسي وهو أن الظروف غير ناضجة لاتفاق السلام.
بذور هذا الكذب آخذة في النمو. حركة « ضباط من اجل أمن اسرائيل »، التي أنشئت قبل سنتين، رفعت شعار « الأمن أولا والسلام فيما بعد »، وكأن هؤلاء الضباط كانوا مشغولين طوال حياتهم باطلاق الحمام الى السماء وفجأة استيقظوا وهم يريدون التركيز على الأمن فقط. فهم بعد 67 سنة من العمل الامني المتشعب يقولون لك « الأمن أولا »، الامر الذي يعني أن هذا المشروع الامني فشل فشلا ذريعا. الامر يشبه المقامر المدمن الذي يريد بعد أن خسر أمواله، القيام بضربة رهان واحدة.
اشارات الكذب لم تقفز عن جمهور الكُتاب. فالكاتب أ.ب. يهوشع الذي يعتبر رجل سلام، يطالب عباس بالاستجابة لطلب نتنياهو الدخول في المفاوضات دون شروط مسبقة. (« واجب معسكر السلام »، « هآرتس »، 23/6). وحسب اقواله ليست لدى نتنياهو أي نية من اجل التوصل الى نتائج في المفاوضات. ولكن من اجل الحصول على بعض نقاط الماء للفلسطينيين يجب الموافقة على هذا الطلب.
الكاتب أ.ب.يهوشع لم يفهم شيئا بسيطا: الديمقراطي الحقيقي يطلب أولا من قادته العمل حسب معايير العدالة. وفي المقابل، ولكونه إبن الطرف المحتل، فان الامر الاخير الذي يستطيع فعله هو الحديث عن الاخلاق للضحية.
الآن جاء محلل صحيفة « هآرتس »، ألوف بن، يكشف عن الخطاب الحقيقي لنتنياهو (« خطاب بار ايلان الحقيقي »، « هآرتس »، 1/7). ولكن من الذي طلب من ألوف بن أن يعكس في عيوننا هذه الحقيقة الصعبة حول الفرضيات الاساسية لنتنياهو؟ كم من الجميل البقاء في الكذب.