خبر خطوة شجاعة وصحيحة -هآرتس

الساعة 10:15 ص|28 يونيو 2016

فلسطين اليوم

بقلم: براك ربيد

          (المضمون: المعارضة حطمت رقما قياسيا في التلون عندما هاجمت الاتفاق مع تركيا والذي كانت تطالب به على مدى ست سنوات - المصدر).

          فندق « فولدورف استوريا » يجلس على تلة في النقطة الاعلى في روما. في الطابق التاسع من الفندق الذي تمتد من ورائه المدينة الرائعة في جمالها، أعلن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو عن تحقيق اتفاق المصالحة مع تركيا. بعد سنة حطم فيها ارقام قياسية من الانجراء وراء رغبة الشعب، تحدث نتنياهو بصورة واعية. لاول مرة منذ زمن طويل تحدث برسمية واعتدال ودون الهجوم على منتقديه.

          يمكن انتقاد سلوك نتنياهو في الموضوع التركي في السنوات الاخيرة. فهو لم يفهم خطورة التوتر الذي نشأ بين الدولتين في اعقاب عملية « الرصاص المصبوب » في غزة في نهاية 2008. عندما دخل الى مكتب رئيس الحكومة بعد ذلك ببضعة اشهر لم يعط أهمية كافية لتركيا ولم يعمل من اجل منع استمرار التدهور. اضافة الى ذلك، في كثير من المرات زاد نتنياهو من خطورة الوضع بتصريحاته العلنية واقوال صحيفته « اسرائيل اليوم » واعضاء حكومته وعلى رأسهم وزير الخارجية في حينه، افيغدور ليبرمان، ضد تركيا وزعمائها.

          لم يفهم نتنياهو ايضا خطورة القافلة التركية الى غزة والتورط السياسي الذي قد ينشأ من وقفها بالقوة من خلال ارسال مقاتلي شييتت للسيطرة على سفينة « مرمرة ». مراقب الدولة ولجنة تيركل التي أقيمت لفحص القضية، وجهوا انتقادات شديدة لسلوك المستوى السياسي في الايام التي سبقت قدوم القافلة. والنقاش المتسرع في الكابنت في الدقيقة تسعين، والذي تم في الاساس للدعاية، والانغلاق أمام تحذيرات وزراء بدون وزارة ممن لهم الكثير من العقل المباشر مثل دان مريدور وبني بيغن اللذان توقعا ما سيحدث.

          في السنوات التي تلت ازمة السفينة، قام نتنياهو بعدد لا يحصى من الاخطاء في موضوع تركيا، حيث قام بتعيين موشيه يعلون لادارة المفاوضات مع الاتراك، رغم حقيقة أن يعلون كان يمثل خطا صقريا ورفض الحل الوسط حتى لو كان صغيرا جدا. واستمر بالسماح لليبرمان بالهجوم على الاتراك في كل مناسبة. وتسلق مرة تلو الاخرى الاشجار حينما أعلن أنه لن ينتنازل ولن يعتذر، بل وتراجع في عدة فرص عن توقيع الاتفاق في اللحظة الاخيرة، حيث كانت المسودة أمامه.

          الانتقاد الاساسي الذي يمكن توجيهه لنتنياهو يكمن في سؤال لماذا وقع الآن وليس قبل سنة، أو سنتين أو اربع سنوات. اذا كان الحديث يدور عن اتفاق استراتيجي بالنسبة لاسرائيل فلماذا لا يتم السعي الى انهائه في أسرع وقت. كلما مرت السنين تزداد الازمة خطورة ويصبح التوصل الى اتفاق أمرا أصعب – سواء في الجانب التركي أو بسبب الضغط السياسي في الجانب الاسرائيلي.

          نتنياهو لا يرفض تماما هذا الانتقاد، لكنه يزعم أن الظروف نضجت الآن فقط من اجل توقيع الاتفاق بشكل كامل – الاتراك تنازلوا عن قسم من مطالبهم واسرائيل حصلت على استجابة عالية لمطالبها. يمكن أن يكون نتنياهو على حق، لكن بالتأكيد أنه مع قدر أقل من « الأنا » وقدر أكبر من التفكير، كان يمكن التوصل الى نفس الاتفاق بعد بضعة اشهر من حادثة « مرمرة ».

          يمكن فهم مصوتي اليمين الذين سمعوا رئيس الحكومة في السنوات الاخيرة وهو يتحدث ضد تركيا وقيادتها بشدة، والآن هم غاضبون عليه. واليساريون الذين يزعمون أن نتنياهو متلون وأنه لو كانت الحكومة برئاسة حزب العمل، فانها كانت ستتوصل الى نفس الاتفاق، هم على حق ايضا. وايضا بوقه السياسي « اسرائيل اليوم » كانت ستمطر النار والكبريت في محاولة لافشاله.

          لكن من لا يمكن فهم انتقاداتهم هم المعارضة. بدء من اسحق هرتسوغ ومرورا بـ اريئيل مرغليت وانتهاء بـ زهافا غلئون. الاخيران اللذان هاجما نتنياهو قبل بضعة اشهر على اعتبار أنه حطم العلاقة مع تركيا، نجحا في كسب ارقام قياسية من التلون ودحرجة العيون عندما هاجما اتفاق المصالحة الذي يطلبان التوقيع عليه منذ ست سنوات. من اذا لم يكن هرتسوغ كان سيوقع على نفس الاتفاق بالضبط، لو كان فاز في الانتخابات. أو على الأقل كان سيسوقه في العالم، لو كان حزبه جزء من الائتلاف قبل شهر وكان هو وزير الخارجية لدى نتنياهو. لقد كانت تسيبي لفني هي الوحيدة تقريبا المستقيمة، حيث قالت إنها كانت ستصوت في الكابنت مع الاتفاق.

          نتنياهو من خلال مبعوثه الخاص، يوسف شحنوبر، ومستشار الامن القومي السابق يوسي كوهين والقائم بأعماله يعقوب نيغل، نجحوا في تحقيق انجازات كبيرة في المفاوضات مع تركيا. الانجاز الاستراتيجي الاهم لنتنياهو هو أنه نجح في جعل تركيا تتراجع عن طلبها رفع الحصار البحري عن القطاع بشكل كامل. كان طلب تركيا هو السبب في خروج القافلة البحرية الى غزة. اتفاق المصالحة كما هو الآن يشكل عمليا اعترافا تركيا بأنها اخطأت عندما سمحت للقافلة بالخروج، واعترافها باحتياجات اسرائيل الامنية فيما يتعلق بغزة، وطلب اسرائيل بأن كل بضاعة تذهب الى غزة يجب أن تمر عن طريق ميناء أسدود.

          يضاف الى ذلك أن نشاط حماس في تركيا وموضوع المفقودين الاسرائيليين والقتلى في غزة لم تكونا جزءً من الاتفاق الاصلي وغير مرتبطتان بالازمة بين اسرائيل وتركيا. بل استطاعت اسرائيل ادخالهما الى المفاوضات في محاولة لتحقيق شيء ما. ولم تحصل اسرائيل على كل ما طلبته في هذين الموضوعين، لكنها حصلت من تركيا على المقابل الذي لم يكن من المفروض أن تحصل عليه. حتى لو كان جزءً من هذا المقابل، مثل تعهد تركيا الضغط على حماس لانهاء قضية المفقودين واعادة جثث الجنود، هي مجرد اعلان نوايا فقط، ومن الافضل وجودها في الاتفاق.

          قسم كبير من الانتقادات، سواء من اليمين أو من اليسار، يتعلق بدفع اسرائيل 20 مليون دولار كتعويض لعائلات المواطنين الاتراك الذين قتلوا فوق سفينة « مرمرة ». مبلغ التعويضات الذي تنازلت فيه ايضا تركيا، وضع قبل أكثر من عامين. ليس واضحا أين كان كل اولئك المنتقدين حتى الآن. من كان يعتقد أنه بالامكان انهاء الازمة بدون دفع التعويضات، فاما أنه ساذج أو أنه ببساطة لا يريد التوصل الى اتفاق المصالحة مع تركيا.

          كثير من الاشخاص الذين لهم صلة بالعلاقة مع تركيا يعتقدون أن اردوغان ونتنياهو يذكران بعضهما بالسلوك السياسي أكثر مما أرادا التفكير فيه. وقد احتاج الاثنان ست سنوات من اجل عمل جولة لافتة والعودة الى نقطة البداية واستئناف العلاقة بين الدولتين. اتفاق المصالحة لن يعيد العلاقات بين اسرائيل وتركيا الى شهر العسل الذي كانت فيه الى ما قبل ثماني سنوات. الدولتان لم تكسبا أي شيء من الازمة المتواصلة بينهما، بل خسرتا اشياء معينة. اصلاح العلاقة سيحتاج وقت واعادة بناء الثقة ستكون بطيئة، لكن هناك فرصة كبيرة لقطف الكثير من الثمار السياسية والامنية والاقتصادية من قبل اسرائيل وتركيا.

          اتفاق المصالحة مع تركيا هو أحد القرارات السياسية الاكثر اهمية لنتنياهو منذ دخوله مكتب رئيس الحكومة في 2009. كان يجب اتخاذ هذا القرار منذ زمن، لكن هذا لا يجعله أقل شجاعة أو أقل صحة. يتحمل نتنياهو على الاقل نصف المسؤولية عن تدهور العلاقة مع تركيا، والنصف الآخر يتحمل مسؤوليته اردوغان. ولكن بنفس القدر هو يستحق الكثير من الثناء بسبب الاصلاح وانهاء الازمة. كل ما بقي لنتنياهو الآن هو المصادقة على الاتفاق في الكابنت وفي اوساط الجمهور، الامر الذي لن يكون سهلا.

كلمات دلالية