خبر نتنياهو يواجه تحدياً داخلياً كبيراً

الساعة 08:46 ص|20 يونيو 2016

فلسطين اليوم

حلمي موسى

كثيرون في إسرائيل يشعرون بأن ما جرى في الشهر الأخير لن يكون استمراراً لما كان عليه الحال في السنوات الأخيرة وإنما مقدّمة لتغيير كبير. وينبع هذا الشعور من واقع أنه تراكمت تجاه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو داخل الحكومة والائتلاف واليمين والحلبة السياسية الإسرائيلية عموماً مشاعر ضجر وتأفف. فهو صار رئيس الحكومة الأطول في تاريخ الدولة العبرية وهو مؤهل لأن يكسب الانتخابات المقبلة فيغدو رئيس حكومة لحوالي ربع عمر هذه الدولة. وعدا ذلك فإن نتنياهو يثير ضده النخبة السابقة والنخبة الجديدة على حد سواء باعتماده أساليب شعبوية تقود إسرائيل بوضوح نحو الفاشية.

ويلخّص معلقون حالة نتنياهو بأنها أقرب إلى «انتهاء مفعول السحر»، حيث تزداد أعداد المشككين بقدراته والمتخوّفين من زعامته. ولم تعُد المخاوف مقتصرة على ميل أو حدث بعينه بقدر ما صارت تحيط بمستقبل الدولة العبرية بمجمله، وهو ما دعا كلاً من وزيري الدفاع السابقين، موشي يعلون وإيهود باراك إلى إشهار التحدي له. وخلافاً لجزئيات الخلاف سابقاً، الذي كان يظهر من هذا وذاك ضد نتنياهو فإن ما يظهر حالياً خلاف على النهج بأكمله. وعدا ذلك فإن مَن يتصدّى لإظهار الخلاف أناس يعتبرون في نظر الإسرائيليين من الوزن الثقيل. ولا ريب في أن جانباً من قيمة هؤلاء يعود إلى مكانتهم العسكرية والأمنية في المجتمع الإسرائيلي.

وليس صدفة أن الحديث يدور عن اثنين بشكل بارز خدما في منصب وزير الدفاع تحت إمرة بنيامين نتنياهو وكانا أيضاً رئيسين للأركان في الجيش الإسرائيلي وهما إيهود باراك وموشي يعلون. ولاحظ مراقبون أنه إضافة إلى الخطابين بارزي الشدة على الصعيدين الداخلي والخارجي ضد نتنياهو من وزيري الدفاع السابقين في مؤتمر هرتسليا ظهر أيضاً التحالف الجديد بين رئيسَي أركان سابقين آخرين هما الجنرالان غابي أشكنازي وبني غانتس. ورغم أنه حتى الآن ليس هناك ما يربط بين باراك من ناحية ويعلون من ناحية أخرى وبين أشكنازي وغانتس من ناحية ثالثة إلا أن القاسم المشترك هو وقوفهم جميعاً ضد نتنياهو.

وقادت هذه الحركة إلى محاولة بعض المعلقين الربط بينها وبين «حملة الجنرالات» التي سبقت إسقاط نتنياهو في العام 1999 عن رئاسة الحكومة في الانتخابات. ولكن حتى لو لم يكن ثمة ما يجمع بين كل هذه الخطوات من جانب هؤلاء، فإن احتمالات تبلور تيار وسط سياسي في إسرائيل لمجابهة ما بات يُعرَف باليمين المتطرف ليس مستبعَداً. فليس هناك اليوم في إسرائيل أي جهة أو شخص منفرد بوسعه التصدي لمواجهة نتنياهو. ولكن اجتماع كل المعادين لنتنياهو ولليمين المتطرف في تيار واحد يمكن أن يشكل كتلة حرجة تعيد توجيه دفة إسرائيل نحو آفاق أخرى.

فاليمين المتطرف الذي أفلح في البداية في الاستيلاء على الليكود ثم على زعامة اليمين ثم على الحكومة وبعدها على الحلبة السياسية يحاول أن يفرض نفسه على المجتمع الإسرائيلي عموماً وعلى مؤسساته التوحيدية خصوصاً. ويتجلى هذا في جملة من الإجراءات للمس بمكانة قيادة الجيش والقضاء والتعليم وعلى قاعدة أن مَن يملك الأغلبية يمكنه فرض وجهة نظره في مؤسسات الدولة. ولكن ازدياد الفوارق الاجتماعية وتنامي مظاهر الفاشية ووقوف العالم بأسره، تقريباً، ضد السياسة الإسرائيلية أرهب الكثير من العقلانيين في إسرائيل الذين يخشون من تكرار العزلة الدولية التي فرضت على دولة التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا.

وتتزايد الدعوات في الحلبة السياسية الإسرائيلية لضرورة التخلي عن الذاتية الشخصية والحزبية والاتحاد من أجل «إنقاذ الدولة» أو «الرسمية» ومنع تدهور المجتمع نحو الفاشية. وواضح أن في خطابَي إيهود باراك وموشي يعلون ما يوفر أرضية لبرنامج سياسي واجتماعي واقتصادي يشكل نقيضا للبرنامج الذي عمل نتنياهو على مر السنين الماضية على تكريسه.

وقد كان إيهود باراك شديد الوضوح في دعوته الجمهور الإسرائيلي للإطاحة بحكم نتنياهو. فقد أعلن أنه «يقودنا منذ أكثر من عام رئيس حكومة وحكومة، ضعيفة، مترددة وصارخة، حتى وفق كبار بين أعضائها، مضللة ومتطرفة، تفشل مرة تلو المرة، في ضمان الأمن، وتقوّض نسيج الديمقراطية في إسرائيل، وهي فاشلة في إدارة العلاقات مع أميركا وفي ترسيخ مكانة إسرائيل في العالم، وتضيع مرة تلو أخرى فرصاً سياسية، وهي مشلولة في إدارة ناجعة للنزاع حتى في غياب الشريك». وفي نظره ليس أمن إسرائيل والحفاظ على ديمقراطيتها ووحدتها على رأس أولويات نتنياهو وحكومته وإنما «الحث الزاحف والماكر، من دون الإقرار بذلك، لأجندة «الدولة الواحدة» من البحر إلى النهر، وهي أجندة تشكل خطراً مباشراً على هوية ومستقبل إسرائيل والمشروع الصهيوني بأسره». وخلص باراك إلى أن «نتنياهو وحكومته ضعفان، ويجب إسقاطهما باحتجاجات شعبية وفي صناديق الاقتراع».

من المؤكد أن إسرائيل ليست قريبة من انتخابات مبكرة، ولكن هذا لا يعني أن الحكومة الأشد يمينية ستبقى مستقرة. فالخلافات داخلها قائمة وهي في تزايد. وإن أفلح نتنياهو في إسكات معارضة أفيغدور ليبرمان بتعيينه وزيراً للدفاع فإن ذلك زاد في غضب زعيم «البيت اليهودي»، نفتالي بينت. وواضح أن جانباً من قوة نتنياهو يتمثل في واقع عدم توفر بديل مقبول له. ولكن هذا الوضع قابل للتغيير في كل لحظة إذا ما أفلحت جهات وازنة، خصوصا من عسكريين ذوي قيمة، في توحيد قواها وخوض الانتخابات ضد نتنياهو. كل واحد من خصوم نتنياهو ينهشه في جهة وفي النهاية ليس مستبعداً أن ينفضّ من حوله مَن كانوا يرون فيه ساحراً.

كلمات دلالية