خبر القانون بين مماحكات الدم والسياسة في فلسطين

الساعة 08:38 م|31 مايو 2016

فلسطين اليوم

بقلم / وزير العدل سابقا فريح ابو مدين

اذكر حينما التحقت بكلية الحقوق في جامعة الاسكندرية أواخر ستينات القرن الماضي، أن اول مقولة أو درس رسخ في ذهني كان من أحد الاساتذة الكبار، حينما قال أنتم هنا لنعلمكم التفكير القانوني السليم وتنمية الملكة القانونية . أما القانون فيولد ويموت تبعاً لحاجات المجتمع والناس، فلا قدسية له إن لم يستجب لتغيير الأحوال بين الناس وتنظيم العلاقة بينهم وبين ولاة الأمر من الجانب الثاني فنحن لا نعيش واقع افتراضي بل نتعايش مع واقع حقيقي .

كم كانت هذه العبارات عظيمة تذكرتها بعد إقامة بازار الفتاوي والآراء في سوق عكاظ الذي أقيم بعد الاعلان عن النية في اعدام بعض المجرمين القتلة في قطاع غزة، ومع علمي أن الإعدام هو أقسى وأقصى عقوبة يمكن فرضها، وما تحتاجه من ضمانات قانونية وقضائية .

ويذكر أهالي قطاع غزة أن جريمة سلب وقتل وقعت في القطاع في منتصف الستينيات، وضبطاً للأمور والأمن، قامت الادارة المصرية بإعدام الجناة الثلاثة، مما كان له الاثر الكبير بطمأنة الناس على أرواحهم وأموالهم بالاقتصاص لدماء المغدورين .

وقياساً ان معظم الجرائم الحالية التي تمس أمن المجتمع الغزي في مقتل هي قضايا مشابهة وبغض النظر عن الجدل القانوني الا ان المزعج هو تسييس الأمر، وللأسف التخفي خلف مؤسسات حقوق الانسان بل والذهاب إلى مواثيق الامم المتحدة ومدارس القانون في الدول الاسكندنافية التي انعدمت فيها الجريمة منذ زمن ليس زماننا ولا مجتمع كمجتمعنا. والقياس على ذلك تصبح قضية الاعدام، قضية عبثية يتحكم فيها القائمون على انقسام الوطن.

وهنا أذكر أن الدول المانحة بعد قيام السلطة والمجلس التشريعي حضر وفد من دول الاوروبية المانحة لمكتبي بصفتي وزيراً للعدل حين بدأ المجلس التشريعي في تحديث القوانين ومنها قانون العقوبات وكان الطلب منهم الغاء عقوبة الاعدام أو انهم سيوقفون المساعدات المتعلقة بالمساعدة القانونية والنظام العام .

والحقيقة كانت معظم تلك المساعدات تذهب لمؤسسات حقوق الانسان ولقد قمت برفض الطلب لسببين أولهما أن لا يمكن إلغاء الشريعة الاسلامية كمصدر من مصادر التشريع وهي واضحة في موضوع القصاص .

وثانياً، نحن مجتمع شرقي ننتمي للعالم الثالث وإلغاء العقوبة في هذه الحالة يصرف العقوبة من المجرم لعائلته وذويه أو من يربطهم بهم الاسم فقط احياناً وشرحت بوضوح موضوع قضايا الثأر التي تحبل ولا تلد الا دماً وشراً في مجتمع لم يرتقي بعد للخروج من هذه الدائرة .

عرجت على ما سبق لأن هناك خلط بين الواقع القانوني والاجتماعي ورغبات البعض السياسية انعكاساً لانشطار الوطن مع العلم، وازيد بان اذكر عند بداية قيام السلطة مباشرة بإعدام من قتلوا بدم بارد اخويين من عائلة الخالدي و لم نسمع ما نسمعه اليوم مع تماثل الجرائم و بشاعتها و اوضح ان الجريمة والمحاكمة والاعدام تم خلال أسبوع فقط حقناً للدماء بتوقيع الشهيد ياسر عرفات .

وهنا أشير إلى أن بعض رجال العرف والعادة، وأقصد الشرفاء منهم قاموا ويقومون بالدور الكبير بإطفاء حرائق لا تستطيع السلطة أي ما كانت القيام بها، وهم يدركون ما لا يدركه اساطين و دهاقنة الآراء المسيسة. ويا ليت كانت هذه الاصوات العالية بهذا الوضوح و القوة حول اعدامات شباب الانتفاضة في الضفة وما تفكر به اسرائيل حالياً من فرض الاعدام بواسطة محاكمها على ابناء فلسطين .

أما حكاية الرئيس و حقه أن يوقع أو لا يوقع للأسباب التي اوردها البعض فالكلام كثيراً حولها ولكنني اعتقد ان هناك خطأ دستوري ارجو من مجالسنا التشريعية القادمة اذا قيض لها ان تقوم بإلغاء المادة 109 من القانون الاساسي التي تمنح الرئيس (شرعي أم غير شرعي) هذا الحق؛ لأن فيه اهدار لمبدأ استقلال القضاء بدرجاته المتعددة وتعدد قضاته في كل مرحلة من مراحل التقاضي حيث تكون قراراته عنواناً للحقيقة، إما أن يعلق كل هذا الجهد للقضاء والنيابة والشرطة والمحاماة على رغبة الرئيس وما يمثله من خضوع لمعادلات سياسية وخارجية وغيرها، فهذا خلل يجب تصويبه خاصة ان حكام العالم العربي ونحن منهم كالمطرقة لا ترى الشعب إلا مسامير يجب طرقها اذا اقتربوا من ذواتهم. واختم، كفى للغة الهجينة التي يسمعها شعبنا في الضفة وغزة والشتات، وقليلاً من الانتباه لوطن وشعب ضائع بين الحكام والتنظيمات، وهي عناوين مؤقتة حتى ينهض الشعب. #الاعدام

كلمات دلالية