خبر يوجد شريك ويوجد حل- هآرتس

الساعة 09:56 ص|31 مايو 2016

فلسطين اليوم

بقلم: دمتري شومسكي

          (المضمون: يمكن لدولة اسرائيل ودولة فلسطين العيش بشراكة وانفتاح، حيث تكون حرية في الحركة والسكن لمواطني الدولتين - المصدر).

          غادي طاوب مصمم على اعتبار توجه يوسي بيلين لمحمود عباس، تأكيدا على النظرة القديمة المتحجرة القائلة « لا يوجد شريك » في الطرف الفلسطيني لاتفاق سلام. مقال غادي طاوب في« هآرتس » في 18 من هذا الشهر كان استعراضا محافظا، رغم حقيقة أن مقال بيلين الذي نشر في « هآرتس » باللغة الانجليزية في 3 من هذا الشهر، كان فيه تغيير في المواقف، الامر الذي يستحق الاهتمام والتشجيع.

          بيلين الذي كان حتى وقت قريب من المؤيدين البارزين لحل الدولتين بصيغة تشبه « نحن هنا وهم هناك »، كتب أن الحل السياسي الافضل بالنسبة له يجب أن يشمل « كونفيدرالية بين دولتين مستقلتين وسياديتين ». ويعتقد بيلين أن ذلك سيُسهل على الدولة الفلسطينية استيعاب مواطنين اسرائيليين في داخلها في مناطق الضفة الغربية، الذين يرغبون في البقاء هناك. وفي المقابل، سيُسهل ذلك على اسرائيل استيعاب عدد معين من السكان الفلسطينيين.

          أقوال بيلين – التي سبق له أن تحدث عنها في مقال له قبل عام في « نيويورك تايمز » وقبل شهر في استعراض كتاب نير برعام « البلاد التي وراء الجبال »، الذي نشر في صحيفة « اسرائيل اليوم » – هذه الاقوال توجد صدى للمبادرة الاسرائيلية – الفلسطينية المسماة « دولتين، وطن واحد ». وقريبا ستكون مرت ثلاث سنوات على هذه المبادرة، التي سيُعقد المؤتمر الثاني بخصوصها في هذا الاسبوع. على خلفية هذه المبادرة تنشأ الآن حركة جماهيرية تشمل فلسطينيين واسرائيليين، علمانيين ومتدينين، نشطاء سلام قدامى ومستوطنين.

          هذه الحركة تتحدث بشكل حاسم حول ضرورة تقسيم السيادة في ارض اسرائيل/ فلسطين بين دولتين مستقلتين، تُعبران عن حق تقرير المصير القومي اليهودي الاسرائيلي من جهة، والعربي الفلسطيني من جهة اخرى. وفي الوقت نفسه يعترف مؤيدو المبادرة بأن نظرية حل الدولتين بصيغتها الجافة، التي تخلى عنها بيلين مؤخرا وعن حق، لا تستجيب بشكل كامل للاعتبارات القومية لليهود أو للفلسطينيين.

          في الوقت الذي لا يجب فيه تأييد وتبرير الاحتلال والاستيطان، لا يجب الانكار أنه في نظر كثير من اليهود في اسرائيل وفي خارجها، تعتبر مناطق يهودا والسامرة جزءً من الوطني القومي المحبب الذي يسمونه « ارض اسرائيل »، حتى بعد تقسيمه الى دولتين. والامر نفسه بالنسبة لكثير من الفلسطينيين الذين بسبب حبهم للوطن يرفضون التمييز بين عكا وجنين، وبين الطيبة ونابلس، وبين القدس ورام الله.

          ومن أجل أن يبقى الاسرائيليون والفلسطينيون في اماكنهم القومية والتاريخية، حتى لو كانت توجد وراء الحدود السياسية، تطالب المبادرة بالحفاظ على صيغة « الدولتين » قريبا من صيغة « وطن واحد ». فـ « وطن واحد » ليس أمرا عرضيا، بل هو مصطلح يحمل في طياته معانٍ سياسية معينة على رأسها فكرة الكونفيدرالية، المشتركة والمفتوحة والتي سيتم تأسيسها على السريان التدريجي لمبدأ حرية الحركة والسكن لمواطني الدولتين بين النهر والبحر.

          في اطار الدولتين هذا، يميز المبادرون (وأنا منهم) بين مستويين من الانتماء القانوني السياسي: المواطنة الاسرائيلية والفلسطينية، التي تعكس السيادة القومية السياسية للشعبين، والسكن (الذي ذكره بيلين في مقاله)، الامر الذي يسمح لعدد معين من مواطني اسرائيل وفلسطين بتحقيق احتياجاتهم الدينية والثقافية والقومية في أجزاء الكونفيدرالية الغير موجودة في اطار دولتهم السيادية.

          الحركة تسعى، بهذه الطريقة، الى حل موضوع المستوطنين الاسرائيليين واللاجئين الفلسطينيين (الذين سيصبحون مواطنين في دولة فلسطين فقط). عدد معين ومتفق عليه من المستوطنين الاسرائيليين يمكنهم الاستمرار في العيش في المستوطنات كسكان دائمين تحت السيادة الفلسطينية. وعدد معين ومتفق عليه من المواطنين الفلسطينيين يمكنهم السكن في اسرائيل تحت نفس التعريف.

          المكان الذي سيشكل تعبيرا مضاعفا عن مواقع الدولتين هو القدس. فالقدس كما تقول الوثيقة الاساسية للحركة « ستشكل عاصمة للدولتين وستكون مدينة موحدة، مشتركة ومفتوحة لمواطني الدولتين... وسيكون فيها نظام بلدي خاص وادارة مشتركة ومتساوية للشعبين، مع التعاون بين ممثلي الديانات الثلاث والمجتمع الدولي ».

          أحد التحفظات البارزة التي يتحدث عنها المنتقدون يتلخص بسؤال « أين رأيتم شيئا كهذا؟ ». وهذا التشكك ينقصه المنطق السياسي وهو يعكس قصر النظر التاريخي. اليكم عدد من التساؤلات في وجه هذا التشكك: أين يوجد وضع تنجح فيه أمة مقسمة ومشتتة في الجلوس في وطنها التاريخي، مع استخدام وسائل كولونيالية؟ أين يوجد وضع تكون فيه الضحايا أبناء الأمة المولودة الحالية – المقتلعون والموجودون معا – لم ييأسوا فقط، بل هم مستمرون في حلمهم أن يكونوا شعبا حرا في نفس قطعة الارض، التي هي وطن غالٍ عليهم ايضا؟ أين يوجد وضع يستمر فيه أبناء الشعبين في العيش معا على نفس الارض مع الحفاظ على الاحترام المبادل رغم الصراع القومي المتواصل على هذه الارض؟.

          ألا يشكل كل ذلك أساسا للأمل بتعاون حقيقي بين الشعبين وبين الدولتين كوطن واحد؟ إن الصراع الغير مسبوق يحتاج الى حل غير مسبوق من الناحية التاريخية. وهذا الحل تقترحه الحركة.

كلمات دلالية