خبر مبادرة السيسي: ما هي فرص النجاح؟.. هاني المصري

الساعة 12:39 م|24 مايو 2016

فجأة، ومن دون مقدمات، طرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مبادرة تبدأ بتحقيق مصالحة فلسطينية حقيقية تمهيدًا لتحقيق اتفاق سلام فلسطيني ـ إسرائيلي، يفتح الطريق لتغييرات عميقة في المنطقة، ويحوّل السلام المصري ـ الإسرائيلي البارد إلى سلام دافئ.
لم يوضح السيسي مضمون مبادرته، علماً أنها ترافقت مع حديث عن الوضع في إسرائيل التي طالبها بالاستجابة لمتطلبات السلام، في إشارة فُهِمت وفُسِّرت بأنها تعكس أملاً في حدوث تغيير في الائتلاف الحاكم، يسمح بإطلاق هذه المبادرة.
بعد خطاب السيسي، كشفت مصادر إسرائيلية متعددة ومتطابقة بأن ما جاء به لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة جهد بمشاركة أطراف عدة، منها طوني بلير الذي زار مصر وإسرائيل عدداً من المرات لهذا الغرض، ومنها زيارات قام بها إسحاق مولخو، مستشار بنيامين نتنياهو، إلى القاهرة، حيث كان العمل جاريًا على إدخال المعسكر الصهيوني بزعامة إسحاق هرتسوغ إلى الحكومة. الهدف من ذلك كان التخفيف من تطرف الحكومة وتمكينها من المشاركة في تحقيق المبادرة الفرنسية، التي سبق لنتنياهو أن أعلن رفضها، مقابل الاتفاق على شروط ومرجعية عملية التسوية، الجاري العمل بشكل حثيث على إحيائها.
بدلًا من إشراك المعسكر الصهيوني وهرتسوغ في الحكومة، دخل المتطرف أفيغدور ليبرمان صاحب مقولة «تدمير السد العالي في مصر» و»تحويل قطاع غزة إلى ملعب لكرة القدم»، بعدما دُفِع موشيه يعلون، وزير الحرب الإسرائيلي، دفعًا للاستقالة ـ برغم أن صاحب مقولة «كي الوعي «الفلسطيني» رافض عنيد لإقامة دولة فلسطينية ـ وذلك عقابًا له على بعض المواقف المهنية والأخلاقية التي عبر عنها مباشرة أو دافع عنها، كدفاعه عن تشبيه نائب رئيس أركان جيش الاحتلال ما يجري في إسرائيل بما جرى في ألمانيا النازية قبيل صعود هتلر.
لقد أضاع نتنياهو فرصة تاريخية كما صرح هرتسوغ الذي وصف تصرفه بالجنون. وبالفعل، لقد وجه، بإضافة ليبرمان إلى حكومته، صفعة لكل الوسطاء والساعين لإنقاذ ما تبقى من حل الدولتين، بمن فيهم السيسي، ووضعهم في موقف حرج. فكيف سيواصل الرئيس المصري مبادرته بعدما تغلّبت العناصر اليمينية والدينية الأكثر تطرفًا في إسرائيل؟
نخشى من اندفاعة نحو تقديم مبادرات عربية «معتدلة» برغم ضم ليبرمان إلى الحكومة الإسرائيلية، بحجة أنها تكشف وتحرج حكومة نتنياهو، وتساعد على إقناع الأطراف المؤثرة على القرار الدولي بممارسة الضغط على إسرائيل. وهذا الاحتمال، برغم أنه يستحق النقاش، إلا أنه لا يمكن التعويل عليه. فمن جهة، يخشى العالم كله من عواقب التطرّف المستشري في إسرائيل، ومن تراجع، إن لم نقل موت، ما يسمى «حل الدولتين»، لكنه، من جهة أخرى، يجب أن يأخذ ما يلي في الحسبان:
أولًا: إن الوضع العربي في أسوأ أحواله في ظل الحروب الأهلية والطائفية والمذهبية التي قسّمت واقعيًا بلداناً عربية عدة، أبرزها العراق وسوريا، وتهدد بتقسيم بلدان أخرى، ما ينذر بمزيد من التنازلات العربية، بدليل تكاثر اللقاءات الإسرائيلية ـ السعودية وإن على مستوى غير رسمي، وتزايد الحديث عن التقاء عربي «سني» إسرائيلي في مواجهة ما يسمى الخطر الإيراني. يضاف إلى ذلك (إن صدقت الأنباء) ما أعلنته القناة «العاشرة» في التلفزيون الإسرائيلي عن إبداء السعودية استعدادًا لتعديل المبادرة العربية في بندين (الجولان و «حق العودة»)، فضلاً عن إدخال مبدأ «تبادل الأراضي» الذي يشرعن الاستيطان إلى المبادرة والجهود الأميركية الهادفة إلى عدم اشتراط التطبيع العربي مع إسرائيل بقبولها المبادرة العربية، وهذا ما طالبت به فرنسا مؤخرًا لإنجاح مبادرتها. إن الطرف العربي هو الضعيف الذي يغري بالضغط عليه، وهو قابل للاستجابة أكثر بكثير من إسرائيل.
ثانيًا: إن مصر في وضع سيئ جراء الأوضاع الاقتصادية والحرب على الاٍرهاب، والسيسي ليس مثل السادات الذي كان مسلحًا بانتصار أكتوبر عندما بادر لزيارة إسرائيل. ومع ذلك كانت النتيجة كما غنى الشيخ إمام: «أخذنا سينا وضاعت مصر». بالتالي يصبح السؤال: ماذا يملك السيسي للضغط على إسرائيل؟ إذ حتى لو حقق المصالحة، فهي ستكون مرهونة بالعودة إلى المفاوضات العبثية، إذ ليس لعاقل أن يتخيل موافقة حكومة نتنياهو على الدخول في مفاوضات برعاية ومرجعية دولية. وهناك أنباء بأن إسرائيل يمكن أن تغير موقفها من المبادرة الفرنسية بعد وعد فرنسي بأن المؤتمر الدولي ليس بديلًا من المفاوضات الثنائية، إنما منصة لإطلاقها.
لقد رحب بعض الفلسطينيين ورفض بعضهم الآخر المبادرة الفرنسية قبل معرفة مضمونها، برغم الدلائل على تبلورها بشكل يقترب أكثر من المواقف والشروط الإسرائيلية. يدلّ على ذلك أن فرنسا غيّرت موقفها من طرح مشروع قرار في مجلس الأمن (كما كان موقفها قبل عامين) وقررت عوضاً عن ذلك أن يشكل الأمر خطوة نهائية بعد الاتفاق الإقليمي والدولي على مشروع القرار أولًا، حتى لا يواجه بـ «الفيتو» الأميركي والرفض الإسرائيلي.
كما تراجعت فرنسا عن مطالبتها بوضع جدول زمني لإنهاء المفاوضات، وعن وعدها بالاعتراف بالدولة الفلسطينية إذا فشلت مبادرتها. ورأينا أن مشروع القرار الفرنسي كان يتضمن اعترافًا بيهودية إسرائيل. وشاهدنا التراجع الفرنسي عن التصويت في «اليونيسكو» والوعد بتصحيح هذا الخطأ في التصويت القادم. وكل ما سبق هو رد فرنسي على الرفض الإسرائيلي للمبادرة الفرنسية، ما ينذر بمطالبة فرنسية بتضمين «مبادرة الإليزيه» نصًا يعترف بصلة اليهود في القدس من خلال ما يسمى «جبل الهيكل».
من هنا، وجُب علينا أن نشكر نتنياهو، وأن نأمل بأن يستمر في الحكم لأطول فترة ممكنة، لأنه يجعل حياة المعتدلين العرب في منتهى الصعوبة. هناك فرصة للعرب لأن إسرائيل أصبحت في وضع لا يتحمله بعض قادتها التاريخيين، وهذه الفرصة لا يمكن الاستفادة منها بالمزيد من الخضوع العربي للشروط الإسرائيلية، لأن هذا يشجعها على مزيد من التطرّف، بل من خلال بلورة مشروع عربي وتسليحه بأسباب القوة، لكي تدرك إسرائيل أن هناك ثمنًا باهظًا ستدفعه إذا لم تُلَبِّ الحد الأدنى من الحقوق والمصالح العربية. فبدلًا من البحث عن السلام في أسوأ وقت، يجب الاستعداد للمجابهة التي هي أقصر طريق لتحقيق السلام.
وحتى لا يكون الموقف العربي متطرفًا أو مستسلمًا، عليه أن يصرّ على أن مرجعية أي تحرك منذ بدايته ينبغي أن يكون الاعتراف بالقرار الدولي الذي يتضمن إنهاء الاحتلال وإقامة دولة. أما التحرك السياسي (كالتحرك الفرنسي الحالي)، فإذا كانت مرجعيته غامضة أو ناقصة، لا يؤدي سوى لشيء واحد، وهو أن الطرف القوي يفرض رؤيته وتفسيره على الطرف الضعيف.
إن التحرك من دون مرجعية واضحة وملزمة سيجعل الوسطاء «العرب» وغير العرب، إما راغبين بالإبقاء على الوضع الراهن الذي يتدهور باستمرار، أو بالتوسط بين الموقفين الفلسطيني والإسرائيلي الحاليين، حيث تقف إسرائيل في أقصى التطرّف، بينما الفلسطينيون والعرب في موقع «الاعتدال»، ما يجعل أي حل وسط غير قائم إلا على فرض المزيد من الشروط والإملاءات على الفلسطينيين.
بعد فشل ما سمي «مسيرة السلام»، وبعدما تراجعت إسرائيل حتى عن «اتفاق أوسلو» وعادت إلى مواقفها السابقة، على الفلسطينيين العودة إلى نقطة البدء وسحب التنازلات الفادحة التي قدموها من الاعتراف بحق إسرائيل في الوجود على 78 في المئة من أرض فلسطين، إلى التبعية الاقتصادية والأمنية، وتطبيع العلاقات، ورفض المقاومة ونبذها، وقبول مبدأ «تبادل الأراضي»، وحل متفق عليه لقضية اللاجئين.

كلمات دلالية