خبر عاصفة ليبرمان تجتاح « إسرائيل » ولا تغيّر كثيراً

الساعة 06:36 ص|23 مايو 2016

فلسطين اليوم

أثارت التطورات السياسية الأخيرة في « إسرائيل » السجال الداخلي بشأن الوجهة التي تتخذها الدولة العبرية. ومن قائل بأن هذه التطورات أمر طبيعي تعبر عما يدور في عمق المجتمع « الإسرائيلي » من نزوع نحو اليمين والتطرف، إلى آخر يرى بأن ما يحدث هو ثمرة سطوة عصابة واختطافها للمشروع الصهيوني. ولا ريب في أن ما حدث من استقالة وزير الجيش موشي يعلون وعرض الحقيبة على زعيم «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان سيبقى موضع نقاش غير محسوم لفترة طويلة رغم أن بعض أبعاده واضحة جداً. ولا بد، عند قراءة المشهد الحالي، العودة قليلاً إلى الوراء إلى زمن دخول بنيامين نتنياهو الحلبة السياسية « الإسرائيلية » بسيطرته على الليكود قبل أكثر من عشرين عاماً.

في وقتها كان يُقال إن نتنياهو طفا على سطح زعامة الليكود وفاز برئاسة الحكومة، ضد شمعون بيريز، بعد أن وصل في «غواصة». وكان في الغواصة طاقم أساسي يرأسه أفيغدور ليبرمان الذي لم يخفِ يوماً تعامله مع الجميع بطريقة «حارس البارات».

ويعيش ليبرمان، تجاه نتنياهو، شعوراً بأنه الرجل الذي صنعه وأوصله إلى رئاسة الحكومة وأنه لم يختلف معه إلا عندما غدا مديراً عاماً لرئاسة الحكومة فسعى فعلياً لأن يكون مديراً عاماً للدولة العبرية. والغريب أن نتنياهو لم يفلح على مر السنين في التحرر من أسر ليبرمان. فالخلاف، على ما يبدو كان أقرب إلى سيناريو فيلم «الراقصة والطبال»، حيث آمن الطبال، وهو هنا ليبرمان، أنه هو مَن صنع الراقصة. والصحيح أن نتنياهو لم يفلح في التحرر من الاعتقاد بأنه من دون إيقاع ليبرمان يصعب عليه الرقص ونيل الإعجاب.

ولكن فضلاً عن ذلك بدا أن ليبرمان لا يكتفي بالابتعاد عن نتنياهو بل إنه يتعمّد تحقيره وإهانته، كلما سنحت الفرصة عندما يكون بعيداً عنه. وكثيراً ما سبب ليبرمان المشكلات لنتنياهو، خصوصاً بعد أن يصفه بأقذع الأوصاف. ولأسباب مختلفة، أجبرت توازنات الحلبة السياسية الإسرائيلية، نتنياهو على اللجوء في الملمات إلى ليبرمان. وقد حدث ذلك تقريباً في كل الائتلافات الحكومية التي أنشأها والتي كان فيها ليبرمان يتعمد ابتزاز نتنياهو إلى أقصى درجة.

حدث هذا عندما عيّنه وزيراً للشؤون الاستراتيجية ثم وزيراً للخارجية وهذه المرة وزيراً للدفاع. وفي كل مرة كان ليبرمان يخرج على نتنياهو مظهراً أنه مخادع ومنافق وأنه شخصياً وحزبه يمثلان اليمين المبدئي. وكان أشد ما يغيظ نتنياهو هو تطلع ليبرمان الفعلي لزعامة اليمين واستعداده لتحدي نتنياهو علناً. ولذلك كثيراً ما بدا تسامح نتنياهو مع ليبرمان نوعاً من الخوف من الرجل الذي يلقب بـ «إيفيت» لكن كان ينظر إليه في أوساط كثيرة على أنه «إيفان الرهيب». وهذا ربما ما دفع المعلق السياسي للقناة الثانية، أودي سيغال لإبداء الاستغراب من خطوة نتنياهو بترفيع مكانة الرجل الذي لا يخفي رغبته في إزاحته عن كرسيه والجلوس مكانه.

ولكن، رغم كل ما سبق فإن تعيين ليبرمان وزيراً للدفاع، هو ثمرة نزوع اليمين عموماً إلى إحكام سيطرته على كل مناحي الحياة في إسرائيل. ونظراً للتوتر حول ما صار يُعرَف بـ «القيم» الديمقراطية والخشية من الفاشية، فإن اليمين، عموماً ونتنياهو خصوصاً، بحاجة إلى مَن يحمل الهراوة في وجه من يتجرأون على التصدّي لليمين حالياً. ومن يبدون في الآونة الأخيرة تحدياً لليمين لم يعودوا ساسة في أحزاب وسط أو يسار وإنما رجالات من الجيش. وهذا ما خلق المشكلة الحالية التي تعاني منها الحلبة السياسية الإسرائيلية.

فالصراع الحقيقي هو ما يدور في وسط اليمين وما يحاول اليمين حسمه في المجتمع الإسرائيلي بما في ذلك الجيش نفسه. إذ لم يرتَح نتنياهو لأقوال رئيس الأركان ضد إفراغ خزنة رشاش في طفلة فلسطينية تحمل مقصاً ولا تقديم الجندي معدم الجريح الفلسطيني في الخليل للمحاكمة. كما لم يرتَح نتنياهو واليمين عموماً لتحذير نائب رئيس الأركان يائير جولان من خطر المظاهر النازية والعنصرية في المجتمع الإسرائيلي. فهؤلاء هم مَن دعوا الإسرائيليين لحمل السلاح وقتل كل مَن يُشهر سكيناً في وجههم. وهؤلاء أيضاً مَن يثيرون النزعات العنصرية والفاشية ضد العرب في إسرائيل.

وليس صدفة أن ليبرمان يُعتبر أبرز مَن يُحرّض على العرب ونوابهم في الكنيست، عندما يتعلّق الأمر برغبته في زيادة شعبية حزبه أو عندما يقترب موعد الانتخابات. ولذلك كان ترحيب الجمهور اليميني كبيراً بعودة ليبرمان إلى الائتلاف الحكومي وحتى بتوليه وزارة الدفاع. بل إن حزب البيت اليهودي، بزعامة نفتالي بينت خرج عن طوره للترحيب بعودة ليبرمان رغم المنافسة القائمة بين المكوّنات الثلاثة لليمين الإسرائيلي: الليكود، البيت اليهودي وإسرائيل بيتنا.

في كل حال ينتظر كثيرون أن تقود التطورات الأخيرة في إسرائيل إلى تعميق الانقسام الداخلي وإلى زيادة الضغوط الدولية على الدولة العبرية. لكن، وكما برهنت التجارب، فإن إسرائيل لا ترتدع من الضغوط الدولية طالما أنها في هامش الاحتمال، خصوصاً في ظل الانقسام الداخلي الأميركي. ويمكن الاعتقاد بأن وصول ليبرمان إلى وزارة الدفاع لن يغير جوهرياً من السياسة الأمنية الإسرائيلية في وقت قريب. فتغيير هذه السياسة يقتضي العمل على تغيير الرموز الأمنيين الحاليين وتغيير منهجية تفكيرهم. وهذا لن يتم خلال أسابيع أو شهور. قد يكون تعيين ليبرمان هو البداية لكن النتائج لن تكون قريبة.

كلمات دلالية