خبر مرتزقة المذهبية واستهداف المقاومة الفلسطينية..بقلم: عز الدين إبراهيم

الساعة 07:06 ص|21 مايو 2016

لا يكفي العالم العربي نزيف التشظي باسم المذهبية التي تمر بها بعض أقطاره؛ حتى تطالعنا أقلام تسعى جاهدة لإقحام الجسد الفلسطيني عنوة في هذه الحالة المأساوية وتفجير قلب الأمة من قدسها؛ المقدس الوحيد الذي مازال يحظى بقدر لا بأس به من الإجماع بين المتناحرين على مذبح الدين، وما زالت قضية يمكنها أن تشكل بؤرة الجذب ضد عدو الأمة الحقيقي.

آخر هذه الأقلام المسمومة كان مقالًا للكاتب عبد المنعم الرملاوي بعنوان « حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية .. تاريخ أسود من الخذلان »، يريد أن يقحم ذلك الشر المستطير إلى فلسطين عندما يتهم الجهاد الإسلامي- الحركة الوحيدة التي ظلت على الحياد ولم تتلوث عند سفك الدم المسلم والعربي-  بأنها توالي إيران وتعبد لها الطريق لنشر التشيع العقدي وبسط النفوذ في المنطقة، وعلى طريقة « رمتني بدائها وانسلت »، بعلم الكاتب أو بجهله، يوظف الدين لمزيد من تشظي الأمة، ولا يهمني الرد على ترهات الرملاوي بقدر ما يهمني توضيح على بعض الحقائق التاريخية.

الدين « مطية » الحكام والأنظمة

عندما نشأت الدول العربية بأنظمتها الحاكمة على أساس مرحلة انهيار الخلافة أو الامبراطورية العثمانية - كما يحلو للبعض أن يسميها - وعلى أساس حقبة الاستعمار الغربي الذي تقاسم في العام 1916 ميراث الرجل المريض (العثمانيين)؛ كان هؤلاء جميعًا يعلمون بوجود السنة والشيعة وغيرهم من المذاهب والطوائف والأعراق في الوطن العربي، وعندما كان الحكام العرب يختلفون على تنصيب حاكم ما لدولة عربية ما لم يكن الخلاف حينها يقوم على أساس مذهبه، بل على أساس ولائه للدولة التي تريد له أن يحكم الدولة المجاورة لها، فقد كانت المملكة العربية السعودية تدافع عن ملك اليمن محمد البدر حميد الدين آخر ملوك الشيعة الزيديين في اليمن في مواجهة الثوار بقيادة المشير عبد الله السلال المدعوم من قبل عبد الناصر، والذي انتهت المعركة لصالحه بسقوط المملكة المتوكلية اليمنية (لاحظوا هنا مساندة السعودية للملك الشيعي لمجرد كونه نظامًا ملكيًا تخشى أن ينعكس سقوطه على بقائها كنظام ملكي)، وفيما بعد وعندما مارس النظام السوري - حافظ الأسد  المذابح بحق (الاخوان المسلمين - السنة) في حماة ودكها بالطيران وأسقط الآلاف من قاطنيها من الشيوخ والنساء والولدان ما بين قتيل وجريح ؛ لم تتخذ دول العالم السني أي موقف، ولم نسمع فتاوى الفقهاء السلفيون السائرون في فلك الأنظمة دفاعًا عن السنة هناك في سوريا،  ووصولًا إلى أحداث « الربيع العربي »، فقد دافعت السعودية عن نظام علي عبد الله صالح في بداية الأحداث وظلت تسانده (وإن انتقدته على استحياء في بعض الأحيان)، حتى إذا ما أصيب احتضنته ووفرت له العناية والعلاج، وتركته يعود ضمن اتفاقية يمنية داخلية بتولي نائبه رئاسة الجمهورية، ومعروف ان صالح أيضًا شيعي المذهب، وإذا أردنا ان نتتبع السرد التاريخي السابق لهذا كله فإننا لن نجد ذكرًا للمذهبية على انها سبب للخصومة السياسية بين الحكام العرب، وكيف لذلك أن يحدث وقد قامت هذه الدول على أساس قومي متجاوز أصلا للدين والمذهب والعرقية والطائفية ليجتمع شمل قاطنيها على قومية اللغة ووحدتها كمبرر لقيامها وبقائها واستمرارها وقمعها لكل مخالف ينادي بغير ذلك مهما يكن هذا الغير.

من هذا المنطلق، يمكننا الجزم بأن الأنظمة العربية في مواقفها مما يجري اليوم في بعض الدول العربية - والتي تصادف ان الشيعة والسنة وغيرهم من الأعراق والأديان والطوائف أجزاء لا تتجزأ منها - إنما تستغل هذه المسميات لتبرير مواقفها المبنية أساسًا على الدفاع عن وجودها كأنظمة حاكمة ودرء خطر انتقال عدوى « الربيع العربي » إلى أراضيها، وتماشيًا مع مواقف الحلفاء في الغرب وأصدقائه وربائبه مثل إسرائيل التي باتت أو أوشكت على الوقوف في نفس المربع ومقبولة في المنطقة لأنها تناصر طائفة إسلامية ضد أخرى، وما كان يجري من وراء الكواليس أضحى دليلًا كالشمس في وضح النهار على مدى اتساع الاتصالات وعمق العلاقات مع الكيان الصهيوني، والتي يبدو ان مهرها هو فلسطين.

إن جميع الحكام والسلاطين - الذين حكموا بلاد المسلمين وإلى اليوم - استخدموا الدين في قمعهم لمعارضيهم، كما ان المعارضين بدورهم ايضا اتخذوا الدين مطية للوصول للحكم، ويكاد لا يبرأ من هذا المنوال نظام حكم تقلد الحكم في المنطقة، لا قديمًا ولا حديثًا: ممالك وأحزاب بعثية، ماركسية، شاه شاهية، قومية، علمانية، ناصرية، اشتراكية، وحتى إسلامية؛ فلقد كان الدم بساطًا للداخلين إلى القصر ولحافًا للخارجين منه، وليس للدين علاقة من قريب أو بعيد  بهذه الصراعات، وهذا يسرى على الصراع الدائر في سوريا واليمن وغيرهما.

مشروع إيران

ليس لدى أي متابع منصف شك أن لكل الأطراف، بما فيها إيران، مشاريعهم الخاصة بهم وبمصالحهم في المنطقة، ليس لديّ اعتراض على من يقول انه لا علاقة لهذه المشاريع بالإسلام من قريب أو بعيد، وليس الإسلام وفلسطين إلا وسيلة لكل هؤلاء للوصول إلى غاياتهم السياسية واستراتيجياتهم الإقليمية. وهذه هي السياسة، وجاهل من يرى السياسة غير ذلك، ومتورط من يقحم الدين في كل هذا. ولا يمكن للفلسطينيين ان يحققوا أهدافهم وأن يواجهوا عدوهم ويحرروا أرضهم إذا ارتضوا لأنفسهم المشاركة في لعبة التحالفات التي تتبدل بتغير المصالح والاستراتيجيات. كما وان عدم إدراك السوريين لهذا الفهم هو ما سيؤدى إلى تقسيم سوريا بعد الولوغ في شلال الدم.

واعتقد أن الموقف الأخلاقي في سوريا يحتم على الجميع من إيران الى السعودية، مرورًا بقطر وحتى تركيا، إيقاف هذه اللعبة القذرة والمسارعة في إيجاد حل للمعضلة السورية، وأن يوقفوا فورًا شلال الدماء المتدفق هناك، بغض النظر عن نظرية الرابح والخاسر، فالأولوية هناك يجب ان تكون لحقن دماء النساء والأطفال والشيوخ الأبرياء، والمسؤولية هناك يتحملها جميع المتناحرين بغض النظر عن الأعراق والطوائف أو المذاهب والديانات، وأيًا كانت المصالح والمبررات.

الشيعة والسنة والقضية الفلسطينية

وفي تقديري ان الجهاد الإسلامي حذر جدًا من لعبة الاصطفافات والتحالفات التي تتبدل بتقلب المصالح والاستراتيجيات بين الدول العربية والإسلامية بعضها مع بعض، والأمثلة زاخرة على انقلاب التحالفات: فالسعودية يومًا فتحت حضنها للإخوان المسلمين إزاء صراعهم مع عبد الناصر، ثم عادت وناصبتهم العداء عندما وصلوا للسلطة في مصر - محمد مرسي، وقطر ظلت حليفة لإيران حتى العام 2011، فيما حافظت عمان على حلفها مع إيران، كما ان قطر وتركيا ظلوا يدعمون نظام الأسد حتى العام 2011.

والقارئ المنصف لموقف حركة الجهاد الاسلامي الذي تعرض له صاحب السم عبد المنعم الرملاوي، وهو الموقف المعلن قبل نشوب الازمة السورية بعقود، منذ سقوط الشاه واعلان الخميني موقفه الداعم للحق الفلسطيني على كامل التراب المغتصب، والذي يمكن تلخيصه في بضع كلمات: ان الشيعة بشقيها الأكبرين الجعفرية أو الاثني عشرية (إيران والعراق ولبنان غيرها) والزيدية (اليمن) هم من المسلمين، وإن كان لنا نحن أهل السنة معهم خلافات في فهم النصوص الشرعية، الفقهية منها وغير الفقهية، والتي تصل إلى حد بعض العقائد، ونحن حسب اعتقادنا في هذه الخلافات على حق، وهم فيها على غير ذلك، ولكن الأمور التي نتفق فيها معهم أكثر بكثير من تلك التي نختلف فيها معهم، وإن بيت القصيد هو ان نعمل معهم فيما اتفقنا عليه وأن يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه.

حركة الجهاد والموقف من سوريا

يبدو ان الحرب الأهلية في سوريا خلطت الحابل بالنابل، ويبدو ان شلال الدماء المتدفق المهول أذهل - أو إن شئت قل أذهب - عقول الجميع، وبات لحلكة سواد ليلنا الحليم حيرانًا، وعمومًا يمكن القول ان حركة الجهاد الاسلامي الى حد  ما لم تفقد توازنها تحت هول الضغوطات والألغام المفخخة من اصدقائها  قبل اعدائها، والمتابع لأعلام الحركة ومواقفها الرسمية يجد ان الحركة وقفت محايدة في الموضوع السوري، ويحق لها ذلك فهي وصية الرسول « ص » اذا اشتدت الفتن، واصبح الحليم حيرانا، خاصة انه يتضح مما يرد من هناك ان المعارضة ليست أقل سفكًا للدماء من النظام، ولم تكن أقل اجراما بحق الشعب السوري من النظام، ولا يمكن تحت أي ذريعة أخلاقية أن تقف الحركة مع النظام أو أن تسمح لنفسها بالدعم الأخلاقي لمعارضة متوحشة ومصاصة دماء.

في موضوع اليمن

كل وسائل الإعلام وأقلام كثيرة كتبت عما تعرضت له حركة الجهاد الاسلامي من أزمة مالية نتيجة توقف الدعم المالي الإيراني، استمرت حوالي عام على إثر موقفها المحايد في موضوع اليمن، ولم نسمع منذ ذلك الحين وإلى اليوم أن الجهاد قد غير موقفه من هذه القضية.

لسنا هنا نبرر ولا نبرأ حركة الجهاد الاسلامي إن أخطأت في تقدير موقف سياسي أو سلوك بدر من أحد كوادرها أو كتابات لا تمثل موقف الحركة الرسمي، فهي في المحصلة مجهود بشري طالما أخطأ ويخطئ وسوف يخطئ، ولسنا هنا بالتالي ننعق خلف إعلام  أو أقلام محسوبة على إيران وغيرها فيما نسمع، بل اننا هنا نعي حجم المؤامرة التي تتعرض لها الأمة العربية والإسلامية، وإن أقدس ما نزعم اننا نملكه أرواح البشر من المسلمين السنة والشيعة وغيرهم، ورغم حلكة سواد ليل الأمة وتداعي الأكلة من شتى الأمم على قصعتها؛ إلا ان من حقنا أن ندافع عن جميع أصناف الدماء المهراقة في جميع بلداننا العربية، ونعلنها صراحة وعلى مسامع الجميع ان فلسطين أولى بهذه الدماء، ولو ان معشارها بذل في فلسطين لكان لنا مع العدو الصهيوني شأن آخر.

الجهاد الإسلامي والتشيع

في الحقيقة ان ظاهرة التشيع ليست حكرًا على بعض أبعاض من كانوا ينتسبون إلى الجهاد الإسلامي ونبذهم التنظيم وفصلهم من صفوفه، مما تسبب بأزمة مع إيران وحزب الله في حينها، فهناك سنة يتشيعون في كل مكان من الوطن العربي والإسلامي، لدرجة ان الشيخ القرضاوي نفسه اشتكى هذه الظاهرة واتخذ موقفًا مغايرًا من إيران إثر ذلك، ولكن إذا كان الجهاد الإسلامي ينشر التشيع كما يزعم صاحب مقال « حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية .. تاريخ من الخذلان) المسموم بالكثير من تزييف الحقائق ولي أعناق النصوص الشرعية كما هي عادة هؤلاء في تبرير جميع مواقف أسيادهم، وإذا كان الجهاد لم يدافع عن المذبوحين في سوريا؛ فلماذا لم تدافع عنهم السعودية مثلًا بنفس الطريقة التي تدخلت فيها في اليمن؟

ونتساءل أيضًا: لماذا لم تتحمل الدول التي صنعت وأججت لهيب النار في سوريا لحساباتها الخاصة (إيران والسعودية وغيرها) مسؤولياتها؟ ولماذا لم تفتح أبوابها لاستقبال اللاجئين المتنصرين على أبواب كنائس الغرب المسيحي الذي احتضنهم أو أن ترسل إحدى بوارج النفط لحمايتهم من الغرق وأسماك قرش المتوسط؟

عبد المنعم الرملاوي: عن أي فكر تدافع؟

أي فكر هذا الذي يدفع جبهة النصرة و »داعش" إلى ذبح أحدهما الآخر هناك، ناهيك عن قتلهم النساء والاطفال والشيوخ والأبرياء بأفظع طرق القتل وبكل برود دم وباسم الله والدين وبعيدًا عن جرائم النظام السوري؟

أي نوع من الفكر هذا الذي مزق الصومال بعد دحر الأمريكان؟

وأي فكر هو الذي حول أفغانستان إلى أثر بعد عين عقب تحررها من النظام الشيوعي واندحار الروس؟ وكذلك أحدث في الشيشان بعد استقلالها عن روسيا، وهل هذا الفكر الذي أسهم في تمزيق العالم السني - إن صح التعبير - قادر على توحيد الأمة؟

كلمات دلالية