خبر تفاصيل قصة مردخاي وإيلاف - أطلس للدراسات الإسرائيلية

الساعة 09:53 ص|17 مايو 2016

فلسطين اليوم

بقلم: إسماعيل مهرة

يعتبر الإعلام الموجه من بين الأسلحة الأكثر مضاءً وفتكًا بالمجتمعات، لا سيما في مراحل تلتبس فيها الرؤية وتغيب فيها المصداقية والشفافية، ووصلت قدرة الإعلام إلى أن يسبق الحدث، بل ويصنعه على طريقة « الفنكوش »، ويعرف الفلسطينيون - ربما أكثر من غيرهم - قدرة الإعلام الإسرائيلي في قلب الحقائق وصناعة الأحداث والشخصيات، ويعرف قادتنا ونخبنا كم نحن مكشوفون ومخترقون أمامه، وحجم استهلاكنا اليومي له إلى درجة وكأنه بات يحتلنا. أمامنا اليوم قصة نموذجية تصلح لتدريسها لمحرري الصحف وطلاب الإعلام، تلخص ضعفنا وسرعة فقداننا لتوازننا أمام خبر صغير مختلق.

نشرت صحيفة « إيلاف » السعودية، يوم الجمعة المنصرم، خبرًا تحت عنوان « هل من علاقة بين حماس وداعش في سيناء؟ »، الخبر كان عبارة عن تقرير أكثر من مائة وخمسين كلمة، كتبه مراسلها في إسرائيل مجدي الحلبي. التقرير كتب بصيغة توحي للقارئ أن كل ما تضمنه التقرير جاء على لسان يوآف مردخاي، منسق شؤون حكومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، أثناء لقاء حديث جرى معه، التقرير يتناول ما يفترض انه حقائق عمّا يدعيه من علاقة حماس بـ « داعش » سيناء على المستوى الأمني والمالي والتجاري والصحي والتسليحي.

وفي ذات اليوم قام المراسل العسكري للقناة الثانية نير دبوري بترجمة التقرير إلى العبرية مع إضافات، ونسبه أيضًا لـ « إيلاف » ونشره على موقع القناة الثانية، ثم قام موقع إذاعة إسرائيل باللغة العربية بنشر تقرير دبوري باللغة العربية ونسبه لـ « إيلاف »، ومن هنا وجد التقرير طريقه بشكل سريع ومذهل إلى غالبية المواقع الإخبارية الفلسطينية، حتى ان بعضها أجرى لقاءات مع بعض الناطقين باسم حماس للحصول على ردهم، واضطرت حماس وناطقيها إلى إصدار بيان صحفي ينفي صحة ما جاء في التقرير.

الملفت للنظر أن أيًا من محرري الأخبار لم يبذل جهدًا في تقصي حقيقة التقرير، واكتفي بنسخ التقرير ولصقه على موقعه، وبعضهم أجرى عليه إضافات بالتذكير بأخبار مشابهة سابقة، رغم ان هذا التقرير من النوع الذي يقتضي تدقيقًا وتحقيقًا وتروٍ والكثير من الفلترة والغربلة قبل النشر، لعلاقته بقضية هامة وحساسة وتمس أعصابًا حيوية. وبتدقيق سريع وبسيط أجريناه في مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية تبين لنا التالي:

أولًا: بالنسبة للتقرير

- تقرير مجدي الحلبي لصحيفة « إيلاف » يبدأ بتحليل شخصي للمراسل، يؤكد فيه تقديره وموقفه الخاص به، وليس جملة خبرية منقولة من فحوى المقابلة بالقول « يبدو أن حركة حماس تحاول أن تغرر بالجميع، ففي حين تسعى للتقرب من القاهرة؛ تعود للعمل مع تنظيم داعش وحركة الاخوان المسلمين المحظورة في القاهرة »، ثم ينقل فقرة وحيدة يتيمة على لسان مردخاي « القدس: أكد الجنرال مردخاي منسق شؤون حكومة إسرائيل في الضفة الغربية لإيلاف أن ناشطًا (لاحظوا ناشطًا واحدًا وليس نشطاء) من تنظيم داعش دخل إلى قطاع غزة عبر الأنفاق آتيا من القاهرة (من القاهرة وليس من سيناء) قبل أيام من أجل إجراء تمارين عسكرية في القطاع، وذلك بتنسيق مع أحد المقربين من حماس في رفح المدعو سعيد عبد العال ».

- أي ان التقرير بجملته يعتمد على جملة واحدة قالها مردخاي للحلبي، ربما عبر التلفون أو في إحدى لقاءات الدردشة العابرة بينهما في كيردورات قيادة الجيش بالضفة، حيث الخطوط بينهما مفتوحة. وبقية التقرير صياغة تحليلية وتفخيم وتبهير لخبر انتقال شخص من القاهرة إلى غزة للتدريب.

- ويضيف حلبي نقلًا عن تقرير قديم شبيه بهذا التقرير، كان قد كتبه لـ « إيلاف » في الثامن من فبراير من العام الجاري « وكانت حماس ساعدت داعش في سيناء عبر معالجة أفراد التنظيم (يستخدم صيغة اليقين المطلقة في كانت حماس)، ويحيلك للمجهول عندما يسقط تقديره على التقرير في »ثمة أنباء تحدثت عن محاولات حماس التخلي عن محور إيران، لكن علاقة بداعش في سيناء من شأنها المس بجهودها للتقرب من مصر والدول السنية في المنطقة« (ويبدو ان الجملة الأخيرة »المس بجهودها للتقرب من مصر« هي هدف التقرير).

ثانيًا: بالنسبة للمراسل مجدي الحلبي

مجدي الحلبي، درزي من سكان دالية الكرمل، يفتخر بانتمائه لإسرائيل، عمل صحفيًا لمدة عشر سنوات في التلفزيون الإسرائيلي الناطق باللغة العربية، ويحمل نفس مفاهيم وثقافة ويتحدث بنفس لغة التيار المركزي في الإعلام الإسرائيلي، ومدير شبكة الحرة العربية في إسرائيل، وكان يكتب في صحيفة »معاريف« ويعتبر في إسرائيل متخصصًا في تغطية الشؤون العربية والفلسطينية.

ويعتبر مجدي الحلبي مقربًا من المؤسسات السياسية والأمنية، ووجهًا مألوفًا ومريحًا على المسؤولين، ويقدم خدمة كبيرة في مجال الترويج والدعاية الإسرائيلية، مستثمرًا موقعه في صحيفة »إيلاف« ، ومتابعة سريعة لتقاريره لصحيفة »إيلاف« ولما كتبه قديمًا في الصحف الإسرائيلية تظهر حجم الترويج والدعاية التي تنطوي عليها تقاريره أكثر من قيمتها الخبرية للمواطن العربي، وتظهر كيف يتعمد التهرب من تسليط الضوء على الاحتلال وجرائمه وعلى يمينية التوجهات السياسية لحكومة الاحتلال.

ثالثًا: بالنسبة ليومية »إيلاف«

تعتبر اليومية السعودية »إيلاف« أول يومية الكترونية عربية، وتحظى بانتشار واسع بين المتابعين العرب، لا سيما في الخليج، وهي تتبنى سياسيًا الخط السياسي الذي يرى في إيران أصل الشر، وهي بذلك تتقاطع مع سياسات إسرائيل التي تقسم المنطقة إلى معتدلين ومتطرفين، وتطالب بتعزيز الشراكة بين المعتدلين بما فيهم إسرائيل، وتمنح »إيلاف« منصة إعلامية حرة لمراسلها مجدي الحلبي بدون ضوابط أو خطوط حمراء، وهي أول صحيفة عربية تجري لقاءات مع وزراء إسرائيليين، وتقارير اللقاءات تركز فقط على أقوال الوزراء الدعائية، والتي فيها الكثير من العلاقات العامة، ويأتي تقرير اللقاءات على صيغة »قال المسؤول، وأضاف، وذكر« دون ان تقدم لقرائها ماهية الأسئلة التي أجاب عنها الوزير، ويغيب عن هذه اللقاءات أي ذكر للطبيعة الاحتلالية والعدوانية، وتنقل أقوالهم على أنها حقائق لا تحتاج إلى براهين، وتأتي عناوينها على شكل »إيلاف من داخل وحدة الحرب الافتراضية في إسرائيل ... إيران تخلق الفوضى لتسويق الحل بنفسها ... القدس هادئة ولا اقتحامات للحرم ... نقطة واول السطر: حماس تنفي وإسرائيل تنشر اسم .... زفاف الكراهية يصدم الإسرائيليين" وكأنه ينقل للقارئ العربي ان الإسرائيليين مصدومين من تطرف المستوطنين!

أخيرًا لابدّ لنا ونحن نصارع على أكثر من جبهة، ومن بينها - وربما أحيانًا تكون أهمها - جبهة الإعلام، لابدّ لنا من التبصر والتحقق فيما ننقل، وعلينا ان نتأكد أن الوجبة الإعلامية التي نقدمها لقرائنا لا سيما المنقولة من الإعلام الإسرائيلي خالية من السموم.

كلمات دلالية