توجَّه أحد الصُم وهو يحملُ فلذة كبده الذي يبدو عليه أعراض الإغماء إلى قسم الاستقبال والطوارئ في إحدى المستشفيات الحكومة في مدينة غزة، وبعد أن وضعه على سرير الاستقبال، توجه أحد الأطباء المناوبين للمريض، وسأل والده عن طبيعة الإصابة غير ان الوالد الأصم لم يستطع إيصال رسالته عبر الإشارة للطبيب لعدم وجود مختصين في المستشفيات الحكومية قادرة على التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة من شريحة الصم.
المشهد السابق انتهى بموت الطفل بعد محاولات الطبيب التي استغرقت وقتاً للتعرف على طبيعة إصابته من والده الأصم، المشاهد السابقة كانت عبارة عن وصف لفيلم قصير–أعده أحد مدربي لغة الإشارة- يحاكي المعاناة اليومية التي يعيشها أكثر من 10 آلاف أصم من ذوي الاحتياجات الخاصة عند تعاملهم مع الجهات الحكومية التي تفتقرُ لموظفين يُجيدون التواصل والتخاطب الإشاري معهم.
المرافق الحكومية تفتقر لوجود موظفين يجيدون التعامل مع شريحة الصُم
ووفقاً لرصد نفذه مراسل « فلسطين اليوم » فإن المقرات الخدماتية العامة كالمستشفيات ومراكز الشرطة والمديرات تفتقرُ تماماً لموظفين يجيدون التعامل مع شريحة الصُم والبُكم، الأمر الذي يضع علامة استفهام كبيرة حول تطبيق قانون موائمة للأماكن الحكومية مع متطلبات ذوي الاحتياجات الخاصة.
وكثيراً ما تستعين الدوائر الحكومية خاصة المراكز الشرطية بمدربي إشارة لإدارة الخِطاب بين الصُم والجهات المعنية، الأمر الذي يعرقلُ عمل المواطن من ذوي الاحتياجات الخاصة وعمل المقرات الحكومية، وفي أحيانٍ كثيرةٍ يعتذر المدربين عن التعامل مع الدوائر الحكومية لأسبابٍ شخصية كعدم وجود متسع من الوقت لديهم، وعدم قدرة مترجمي الإشارة من متابعة جميع الحالات.
وفي حالات الطوارئ قد تنتج أحداثاً لا يُحمد عقباها لعدم وجود مختص بلغة الإشارة في المرافق الحكومية، علماً أن كثيراً من ذوي الاحتياجات الخاصة يعزفون عن تلقي الخدمات من المراكز والمقرات والدوائر الحكومية لعدم وجود مختص يدير الخطاب بينهم وبين المسؤولين عن تقديم الخدمات.
وفي أحيانٍ كثيرة يضطرُ الصُم لاصطحاب أحد أفراد عائلاتهم إلى المرافق الحكومية لقضاء مصالحهم، غير أن ذلك لا يتوفر لجميع الأفراد، ويُكَبِلُ من حركة الفرد الآخر.
حوالي 10 آلاف شخص يعانون من انعدام السمع (صُم) في قطاع غزة
محمود شقورة مترجم ومدرب لغة إشارة، يقول: تعاني شريحة الصُم في قطاع غزة معاناة كبيرة عندما يودون تلقي خدماتهم من المرافق الحكومية، مؤكداً أن غالبية المرافق خاصة المستشفيات لا تحوي مترجم إشارة.
ويوضح شقورة لـ« فلسطين اليوم » أن حالات كثيرة من الصم واجهت صعوبات عديدة عند اصطدامهم في المرافق الحكومية التي لا تضم موظف « مترجم إشارة »، مؤكداً أن كثيراً منهم لا يتوجه للمرافق لتلقي الخدمات لعدم قدرة الموظفين على فهم لغتهم.
ولفت المدرب شقورة إلى أن كثيراً من الصُم يستخدم الكتابة كأداة لقضاء مصالحهم، غير أنه أشار ان عدداً كبيراً من شريحة الصُم لا تعرف الكتابة، وان الأمر قد يكون طارئ لا تسعفه الكتابة.
وبين شقورة أن الحالة تتطلب تطبيق قانون الموائمة الخاص بذوي الاحتياجات الخاصة، مشيراً إلى ان حل الإشكالية لا يتطلب الجهد الكبير من جانب الحكومة، لافتاً أن الحل يكمن في خيارين إما أن توظف الحكومة في مرافقها العامة مترجمين لغة إشارة، أو عقد دورات تدريبية للموظفين الحاليين لتعلم لغة الإشارة.
مدرب إشارة: الحل يكمن في توظيف مترجمين إشارة أو عقدة دورات تدريبية لموظفي القطاع الحكومي لتعلم لغة الإشارة
ونقل مترجم الإشارة شقورة عن رُبى شروان وإيمان رفيق اللتان تعانيان من عدم مواءمة المرافق الحكومية مع متطلبات شريحة الصُم، مؤكدتا من خلاله على ضرورة تطبيق قانون المواءمة بما يتناسب مع حالاتهم.
ولاقى الفيلم القصير الذي يحاكي المعاناة اليومية التي يعيشها الصُم جراء عدم موائمة المرافق الحكومية مع متطلبات شريحة الصُم إعجاب الكثيرين من المواطنين ونشطاء العمل الاجتماعي.
غالبية دول العالم توفر موظفين مختصين بلغة الإشارة في كل دائرة حكومية
وتُوفرُ غالبية دول العالم موظفين مختصين بلغة الإشارة في كل دائرة حكومية، ويهدفُ ذلك لمساعدة الصُم في متابعة وإنـجاز معاملاتهم.
وينص قانون ذوي الإحتياجات الخاص رقم (4) لسنة 1999م على ضرورة تحقيق بيئة مناسبة للمعاقين تضمن لهم سهولة الحركة والتنقل والاستعمال الآمن للأماكن العامة، ويقاس على تلك المادة توفير مترجمي إشارة تسهل على الصُم قضاء مصالحهم في المرافق الحكومية.