خبر تمثال مانديلا بين الاحتفال وغياب جرأة الاستلهام

الساعة 10:45 ص|27 ابريل 2016

فلسطين اليوم

بقلم: عبد الرحمن شهاب / مدير مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية

رغم رمزية التمثال فإن الأهم كيف نتماثل مع تجربة صاحبه؟ كيف نرى أنفسنا على مرآة تمثال مانديلا؟ ليس المهم الاحتفال بتمثال مانديلا؛ فهل لدينا الجرأة على استلهام تجربته وتمثل شجاعته؟

أسئلة كثيرة تقفز إلى الذهن مع قدوم تمثال مانديلا إلى فلسطين والوقوف تحت ظلاله، ماذا يريد الأفارقة منا؟ أما يدرون أن لدينا أسرى أمضوا في السجون الإسرائيلية أكثر من نيلسون مانديلا بكثير؛ بل ان هناك أسرى ما زالوا في الأسر وقد أمضوا أكثر من ذلك بكثير؟ أم يريدون أن يعلمونا كيف تعبد الأشخاص؟ أما يدرون أن لدينا ثقافة ترفض نحت الأصنام؟ ولو انها أحيانًا تدعونا إلى عبادتهم أحياء!

إنهم يريدون أن يعلمونا كيف يصنع القادة من صخر الصحراء نحتًا كما صنع نيلسون مانديلا نفسه من صخور جزيرة روبن آيلاند، إنهم يريدون أن يقولوا لنا « رغم ما قدمتم من تضحيات قد تفوق تضحيات مانديلا؛ إلا أن الأمر ليس فقط بالتضحيات، إنكم ما زلتم لا تستطيعون أن تحولوا تضحياتكم إلى انتصار، وأنكم لم تنتصروا على أنفسكم لمرة واحدة، ولن تنتصروا على الاحتلال ».

إنه السؤال المؤلم، والذي يمس أقدس المحرمات لدينا، ربما يقويني على الحديث أنني أمضيت في الأسر ما يقارب الذي أمضاه نيلسون مانديلا إلا قليلًا ، وهذا ما يجعلني أقول بقوة إنها هذه ليست الميزة التي تميز بها مانديلا، بل تجربة الذل الشاقة التي نقلت مثقفًا إلى أن ينحت شعبًا، التجربة التي  جردته من كل رغبة في الدنيا، فلم يبحث عن ثمن نضاله ولا عن اسم بعد مماته، لقد اختار نيلسون مانديلا  طريقًا أخرى للانتصار على سجانيه غير طريقة الفلسطيني، اختار الانتصار الأخلاقي قبل الانتصار الحقوقي والأمني، فقد أدرك انه لن ينتصر في هذه الساحة ولن يستطيع أن يلقي البيض في البحر، ولم يصدق الكذابين الذين أرادوا حمل السلاح ونشر الفوضى باسم جنوب افريقيا.

لقد أيقن مانديلا ان هذا هو المربع الذي أراد الاحتلال الأبيض نقلهم إليه ليثبت للعالم ان السود ليسوا أهلًا للحكم وليسوا أهلًا لاستلام الأرض، لم يقبل مانديلا تسلم أجزاء من الوطن ليحكمها وينشر بساطه الأحمر طمعًا في حب السلطة تحت مبررات كاذبة، ويتنازل عن باقي الوطن. لقد كان نيلسون مانديلا هو الأم لجنوب افريقيا التي لا تقبل أن ينقسم ولدها أقدامه هنا ورأسه هناك، أراد وطنًا كاملًا متصالحًا مع سكانه على أساس المواطنة، لقد تجاوز « أزمة التحدي الغربي » كما لو كان قد صك مصطلحها أو نحته من صخور الجزيرة خلال مؤبد الأعمال الشاقة هناك، وقد تجاوز أزمة الوطنية الى العالمية، فكان يرتقي  أخلاقيًا على جلاديه ولا يسمح للحظة أن يكون مثلهم، تجاوز ثقافة التخلف التي أوصلتهم إلى هناك، فتجرد من افريقيته إلى إنسانية أبهرت حاسديه وخصومه وأعداءه، بل ذويه، لهذا كان قائدًا ما زلنا عاجزين على أن ننحت مثله.

نيلسون مانديلا أيها الضيف على فلسطين: أنت ضيف ثقيل على الصدر، وكرامتك تضاعف هذا الثقل، إن عجزنا عن أن ننحت مثلك يجعلنا نخشى ألا نحفظ هذا القدر وهذا المقام، من منا هو الذي يستلم تمثالك؟ من هو الذي سيلقي كلمة أمامك؟ ماذا سيقول وأنت ترفع يدك خلف رأسه، وهو يدرك أنه أصغر قامة منك؟ هل سنسيئ لك؟ أو لعلك لا تخبر التاريخ عنا؟

كلمات دلالية