تهويد متواصل

خبر كذبة « الوضع القائم » في القدس: تكريس الاحتلال والتقسيم الزماني

الساعة 05:32 ص|27 ابريل 2016

فلسطين اليوم

كشف ما يسمى رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، تساحي هنغبي، قبل يومين، في حديث مع الإذاعة الإسرائيلية، عن حقيقة تعامل الحكومة الإسرائيلية الحالية مع غضب الدول العربية وتحذيرات المتحدث باسم الحكومة الأردنية محمد المومني أمس الأول بشأن تداعيات استمرار الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى.

وقال هنغبي إنه لا حاجة للتأثر من هذه التصريحات، فمثل هذه التصريحات تطلق صباحاً ومساء. ادعى هنغبي أن « إسرائيل تحافظ منذ عشرات السنين على الوضع القائم بالتعاون مع الحكومة الأردنية »، وأن « الأردن يشعر أنه المسؤول عن حماية المقدسات الإسلامية في القدس، وهذا مقبول لنا ونحن نتعاون معه، ولكنهم أحياناً يتعاونون مع التحريض الذي تبثه السلطة الفلسطينية وحماس وجهات إسلامية في إسرائيل ».

استبق هنغبي ذلك بتوضيح حقيقة « الوضع القائم » الذي يقصده الطرف الإسرائيلي، فقال إن « اليهود يدخلون إلى الحرم القدسي بشكل يومي ودائم بعد أن ثبتنا ذلك بالقوة عام 2003، عندما كنتُ وزيراً للأمن الداخلي، وأصدرت أوامر بفتح المكان أمام دخول اليهود، بعد أن كان ياسر عرفات أصدر أوامره (مع اندلاع الانتفاضة الثانية) بمنع دخول اليهود إلى المسجد الأقصى ».

ويعود مصطلح « الوضع القائم » في كل ما يتعلق بالمسجد الأقصى عملياً إلى الترتيبات التي فرضها وزير الأمن الإسرائيلي، موشيه ديان، بعد ساعات من سقوط القدس في حرب حزيران 1967، ودخول قوات الاحتلال، وعلى رأسها فرقة المظليين إلى المسجد الأقصى، حيث رفع الجنود العلم الإسرائيلي في باحات المسجد وأعدوا مخيماً موقتاً في إحدى زوايا باحات الأقصى لترتيب مكوثهم في المكان.

ووفقاً لمصادر إسرائيلية نقلت عنها وسائل إعلام إسرائيلية، فإن ديان أمر بعد ساعات من احتلال المسجد الأقصى، بإخراج قوات المظليين من باحات المسجد الأقصى وبمنع صلاة اليهود فيه، وذلك خوفاً من تداعيات ذلك من جهة، وبفعل انتمائه إلى تيار حزب العمل العلماني واليساري، فقد خشي ديان من وضع أسس لترتيب ديني قومي، معتمداً على نصائح المستشرق الإسرائيلي دافيد فرحي، الذي أبلغ ديان أن الشعوب الإسلامية والحكم الإسلامي تعامل مع موقف اليهود من « بل الهيكل » وهيكل سليمان باعتباره تعاطياً مع موقع أثري تاريخي وليس أكثر، وأن ديان اعتبر بناء عليه أنه هكذا يجب أن يبقى الأمر، أي أن يحظى المسلمون (بحسب دراسة لمعهد « أورشليم لقضايا الجمهور المجتمع » الذي أسسه ويديره مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية الحالي، اليهودي المتدين دوري جولد) بسيادة دينية في المسجد الأقصى، أما السيادة السياسية فتبقى لإسرائيل.

ويعكس هذا القول الفرق البارز الذي ساد سنوات طويلة في تعامل حكومات العمال اليسارية والعلمانية مع موضوع إدارة الاحتلال الإسرائيلي للحرم القدسي، من المنظور الديني، وجعله ضمن تصرف هيئة الأوقاف الأردنية، والتشدد في البُعد السياسي، مقابل إدخال البُعد الديني اليهودي والتوراتي الذي زاد مع مرور الوقت منذ صعود الليكود بقيادة مناحيم بيغن للحكم في انتخابات عام 1976، حين بدأت تظهر دعوات إسرائيلية عامة لدمج البُعد الديني اليهودي في كل ما يتعلق بترتيبات الدخول إلى المسجد الأقصى.

وشكّلت الترتيبات التي وضعها ديان آنذاك ما بات يعتبر حتى عربياً بـ« الوضع القائم » في المسجد الأقصى، لتطغى هذه التسمية على الحقيقة الشاملة بأن تعبير الوضع القائم والتشبث به يعني عملياً القبول بإدارة الاحتلال وشرطته، على الرغم مما يبدو أحياناً نوعاً من الإدارة الذاتية التي تتمتع بها الأوقاف الأردنية، لمجمل محيط المسجد الأقصى ومجمل الاحتلال الكامل لأراضي الضفة الغربية المحتلة ومعها القدس.

وقام « الوضع القائم » الذي وضعه ديان على الآتي: أولاً تُواصل هيئة الأوقاف الإسلامية، باعتبارها ذراعاً وامتداداً لوزارة الأوقاف الأردنية، بإدارة الموقع، وتكون مسؤولة عن الترتيبات والأمور الدينية والمدنية فيه. ثانياً لا يُسمح لليهود الصلاة فيه ولكن بمقدورهم الدخول إليه (المقصود باحات المسجد). وقد تم لاحقاً إدخال هذا الأمر في نص قانون الأماكن المقدسة الذي سنّه الكنيست. ثالثاً تتولى إسرائيل عبر شرطتها، مسؤولية الأمن في باحات المسجد وفي فنائه الداخلي، ومحيطه الخارجي وأسواره وبواباته. رابعاً: تُفرض السيادة والقانون الإسرائيليان على المسجد الأقصى كما في باقي أجزاء القدس التي يسري عليها القانون الإسرائيلي بعد حرب يونيو/حزيران 1967. خامساً البوابة الوحيدة التي يسمح لليهود أن يدخلوا منها إلى باحات المسجد الأقصى هي باب المغاربة. ويقوم باب المغاربة في أقصى الطرف الجنوبي الغربي للمسجد الأقصى، ويطل على حائط البراق، حيث كان حي المغاربة الشهير الذي فجره الاحتلال بعد احتلال القدس لتوسيع باحة البراق، وإقامة ساحة للصلاة اليهودية أمام حائط البراق، وبناء جملة من الكنس والمعاهد الدينية اليهودية تم ربطها والحي كله بالحي اليهودي، ليحتل جزءاً كبيراً من البلدة القديمة داخل الأسوار في الشطر الجنوبي الغربي منها، مع تسهيل الوصول إليه عبر باب الخليل. بينما تم في العام 1996 حفر النفق الذي تسميه إسرائيل نفق « الكوتيل » نسبة إلى حائط المبكى، وهو المسمى اليهودي لحائط البراق، والذي يمتد تحت بضعة مئات الأمتار ليخرج من عند درب الآلام (فيا دي لروزا) عند باب الواد مقابل كنيسة راهبات صهيون.

وقد ظل هذا الترتيب سائداً، بفعل قوة الاحتلال، وبتفاهم مع الطرف الأردني على امتداد سنوات السبعينات والثمانينات، وأيضاً بفعل التنافس الذي قام بين المملكة الأردنية وبين منظمة التحرير الفلسطينية، حتى خلال الانتفاضة الأولى، في أوج المعركة على استقلال القرار الفلسطيني ووحدانية تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني. وزاد حدة بعد إلغاء اتفاق عمان (اتفاق الكونفدرالية الأردني الفلسطيني الذي أعلن عام 1984) في دورة المصالحة الفلسطينية للمجلس الوطني الفلسطيني التي عقدت في الجزائر تحت مسمى دورة الشهيد أبو جهاد. وبلغت المنافسة الأردنية الفلسطينية أوجّها آنذاك بعد قرار الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال، فك الارتباط الأردني بالضفة الغربية، إثر رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي يتسحاق شمير أيضاً، بنود اتفاق لندن الذي كان الملك الأردني توصل إليه مع شمعون بيرس في حكومة الوحدة الوطنية بين الليكود وحزب العمل، واندثار الخيار الأردني في السياسة الإسرائيلية، وبرامج التقاسم الوظيفي لاعتبار الليكود، في تلك الفترة، أن الأردن هو الدولة الفلسطينية.

وقد استمر العمل بترتيبات موشيه ديان المذكورة، على أرض الواقع، حتى في ظل نشوء حركات يهودية دينية تطالب بتمكين اليهود من الصلاة في باحات المسجد الأقصى، مثل ظهور حركة « أمناء جبل الهيكل » بقيادة غرشون سلمون، لحين اندلاع الانتفاضة الثانية بعد اقتحام أريئيل شارون للمسجد الأقصى في سبتمبر/أيلول من العام 2000.

مع اندلاع الانتفاضة الثانية، أصدر الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، قراراً بمنع اليهود من الدخول للمسجد الأقصى، وكانت الأوقاف الإسلامية في القدس باتت تخضع له فعلياً. وامتنع الاحتلال في تلك الفترة، وعلى مدار ثلاث سنوات، باعتراف تساحي هنغبي، من فرض السماح لليهود بالدخول للموقع، لانشغاله أيضاً في مواجهة الانتفاضة الثانية، خصوصاً بعد أن شن شارون منذ العام 2002 عدوان « السور الواقي ». لكن في العام 2003، وبعد أن كان الاحتلال أعاد اجتياح الضفة الغربية، أمر تساحي هنغبي، بصفته وزيراً للأمن الداخلي، وبناء على تعليمات شارون، بالسماح لليهود بالدخول إلى المسجد الأقصى.

ومع مرور الوقت، وبعد رحيل عرفات، وتلاشي نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية في القدس بصورة شبه كلية، وفي المسجد الأقصى، وفي دائرة الأوقاف، تمكّنت إسرائيل من فرض « وضع قائم » جديد يتيح لليهود الدخول بمجموعات كبيرة وبشكل يومي إلى المسجد الأقصى، من دون حصر ذلك حتى ببوابة المغاربة كما كان في السباق.

إلى ذلك بدأت حكومة الاحتلال، بالاعتماد على سابقة شارون باقتحامه للمسجد الأقصى، وبموافقة رئيس الحكومة العمالي في ذلك الوقت إيهود باراك، تتيح لوزراء وأعضاء كنيست باقتحام المسجد الأقصى تحت حراسة قوات الاحتلال. لكن مع اقتحام الوزير المستوطن أوري اريئيل، في أواسط سبتمبر/أيلول من العام الماضي، للمسجد الأقصى في عيد رأس السنة اليهودي، وأدائه شعائر دينية خلافاً لترتيبات الوضع القائم، أصدر رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أوامر بمنع وزراء الحكومة وأعضاء الكنيست مع شمل النواب العرب، من الدخول إلى المسجد الأقصى. أوامر نتنياهو هذه التي كررها مرة أخرى الأسبوع الماضي، بأن يشمل الحظر حتى أعضاء الكنيست العرب، شكّلت تراجعاً خطيراً، حتى عن الترتيبات التي أعلنها ديان، لكن لغاية الآن ومنذ صدور هذه التعليمات، وتطبيقها من قبل شرطة الاحتلال، لم يبادر أي من النواب العرب إلى كسرها، على الرغم من إعلانهم أنهم لن يلتزموا بها.

يشار إلى أن سياسة نتنياهو الحالية تبدو إلى حد كبير استجابة وتطبيقاً لتوصيات ورقة تقدير موقف صدرت العام الماضي عن مركز أبحاث الأمن القومي، التابع لجامعة تل أبيب ووضعها السفير الإسرائيلي السابق لدى الأردن، عوديد عيران، وأستاذ العلوم السياسية في جامعة مستوطنة « أريئيل » كوبي ميخائيل. ودعت هذه الورقة إلى « ضرورة بلورة استراتيجية إسرائيلية جديدة في القدس، وتحديداً في المسجد الأقصى، تحت مسمى تثبيت الاستقرار وتصميم واقع جديد، يقوم بشكل أساسي على وجوب التوصل إلى تفاهمات واضحة مع الأردن، ومنحه دوراً خاصاً في موضوع الأوقاف الإسلامية في القدس، وعدم تقديم أي تنازل في كل ما يتعلق بمركزية جبل الهيكل (المسمى الصهيوني للمسجد الأقصى وحائط البراق) في حياة الشعب اليهودي ودولة إسرائيل ».

كلمات دلالية