أصبح الحلم سهل المنال، ولم يعد هناك حد للطموح، فقد أعدن عقارب الزمن إلى الوراء، ليتبارين مع من يصغرونهن سنا في تحصيل أعلى الدرجات، عقدن العزم والتحقن من جديد بمقاعد الدراسة، حملن الكتب ورافقن أبناءهن في ساعات الصباح الأولى، تجاهلن المثبطين القائلين «بعد ما شاب ودوه الكتاب»، ليثبتن بجدارة أنهن قادرات على تحقيق الأفضل، وأنه بالعلم ترقى الأمم.
انقسام مجتمعي
حاملة حقيبة مكتظة بكتب ودفاتر جامعية، وبعزيمة لا تقهر عادت إيمان محمد أيوب «39 عاما» إلى مقاعد الدراسة، محملة بأعباء أبنائها وعملها، لتلتحق بتخصص القانون، حيث كان حلمها منذ البداية أن تلتحق بالجامعة، لكن ظروف الزواج والعمل منعتها من إكمال تعليمها، والمشكلة الأكبر التي واجهتها هي رفض الزوج لفكرة التعليم، فمنذ عام 2007 كانت تلح على زوجها بأن تدرس لكن بلا جدوى، لكن إرادتها كانت أقوى من أي شيء، وبعد عدة محاولات وافق زوجها شرط ان تسجل ولكن من دون الذهاب للجامعة سوى وقت الاختبارات، لكن بحمد لله تفوقت في دراستها ولم تقصر تجاه منزلها، وابناؤها ما زالوا متفوقين.
أما عن موقف الأهل فقد كان الفضل في تشجيعها الى والدتها وأخواتها، بينما المجتمع المحيط بها فقد انقسم لشقين منهم من شجعها ودعمها ومنهم من يعارض ويحطم طموحاتها، لكنها تحدت حتى لا يقال ذهبت وفشلت.
وعن طاقتها للدراسة تشعر إيمان انها تختلف عن باقي الفتيات اللواتي يدرسن في الجامعة نظرا لأن الفتاة يمكن أن تقوم والدتها بأعمال المنزل, لكنها تشعر أن جميع الأعباء ملقاة على عاتقها سواء الزوج أو الأبناء إضافة إلى متطلبات المنزل، فجميع هذه الأمور تنقص من طاقتها للدراسة.
تطمح إيمان أن يسبق لقب الدكتورة اسمها في يوم من الأيام, فهي تحلم أن تكون أكاديمية تعمل بمهنة التدريس.
ثقة وارادة
اما سهري تمراز «في الأربعينيات من عمرها» العائدة من الولايات المتحدة التي التحقت بتخصص الترجمة الاعلامية, فكان دافع التحاقها بالجامعة هو أنها لم تجد ما يشغل وقتها سوى الدراسة بعد عودتها من الخارج, وها هي الآن على مشارف التخرج.
تتحدث تمراز بسعادة عن تشجيع زوجها وأهلها لفكرة دراستها بالجامعة لكن المشكلة تكمن في رفض المجتمع وعدم تقبله هذه الفكرة فيقابلونها بابتسامة عريضة غري مفهومة: أهي تشجيع أو رفض؟!! وتشري بكثير من الثقة إلى المقدرة العالية التي تمتلكها للتعليم وتنوي بمشيئة الله أن تكمل الماجستير.
وبالنسبة لاستطاعتها التوفيق بني دراستها وزوجها وأبنائها تقول: «لولا دعم زوجي وأبنائي ما استطعت الوصول لهذه المرحلة, ففي فترة الاختبارات يتنازلون عن كثري من الأشياء, أما في وقت الدوام العادي أحاول ألا ينقص عليهم شيء، فتحضيري يبدأ بعد 12 ليلا، لكن أعوض النقص في فترة الامتحانات خلال فترة الإجازة».
في أنموذج مختلف بعض الشيء تحضر الأربعينية مي محمد شراب تخصص إدارة إلى الجامعة برفقة أبنائها ويرجعون للبيت سويا، وسبب تأخرها عن الالتحاق بالجامعة ظروف الزواج والحمل والولادة لكن بعدما كبر أبناؤها والتحقوا بالجامعات كانت الفرصة مهيأة لها لإكمال التعليم ما جعلها تلتحق بالجامعة برفقة ابنتها.
طاقة جبارة
اما عن الصعوبات التي واجهتها فهي رفض الزوج اكمالها تعليمها, لكنها أصرت ونالت ما أرادت وسط ذهول الزوج
من التفوق الباهر الذي حققته, وهو من توقع أن تمل من الدوام الجامعي بعد شهر أو شهرين, لكنها كانت عقدت العزم ان تتحدى هذه النظرة, وبسبب تخوفها من الفشل التحقت في البداية بالدبلوم لكنها كانت تحصل على التفوق في كل فصل وتأخذ منحة جامعية, وهذا ما جعل زوجها يشجعها لإكمال البكالوريوس.
وحول طاقتها للدراسة تشعر شراب ان لديها طاقة أكبر من باقي الفتيات حتى انها تقوم بشرح المحاضرات وإعطاء الملخصات لزميلاتها الطالبات, لكنها قوبلت بالتعجب من كيفية استيعابها للمحاضرات. وأضافت بشيء من الفخر: «قبل التحاقي
بالجامعة اخذت الدورتين المبتدئة والعليا في تجويد القرآن وحصلت على الامتياز الأمر الذي جعل من حولي يدعمونني للالتحاق بالجامعة».
أما عن توفيقها بني منزلها ودراستها فهي تشعر بالضغط وما ساعدها في التغلب على هذا الأمر هو كبر سن أبنائها وعدم حاجتهم للمساعدة، لكن ما ضحت به هو علاقاتها الاجتماعية, إلا أنها تعوض النقص في فترة الإجازة. أما عن طموحها فهي تحلم ان تكون أستاذة جامعية لأنها تجيد التدريس ولديها المقدرة على توصيل المعلومات.
وفي ختام حديثها وجهت نصيحتها للمتزوجات اللاتي يرغبن بإكمال تعليمهن ألا يضيعن الفرصة حتى لا يشعرن بالنقص.
طوير الوعي
من جانبها أثنت الأستاذة الجامعية والمستشارة الأسرية نجاة الحاج على المقبلات على التعليم بعد الزواج، حيث أوضحت ان لكل إنسان إرادة وطموح، مشيرة إلى أن التعليم لا يقتصر على سن معني، فبعد الزواج تشعر المرأة أن هناك شيئا ينقصها فتسعى لتطوير نفسها لأن «العلم يعطي الإنسان الوعي».
وأشارت إلى أن أساتذة الجامعة يحترمون هذه الفئة ويهتمون بها كثيرا ويراعون ظروفها لتحقق أحلامها ويكون لها مجال في طريق العلم.
أما عن تجربتها الشخصية فأضافت بشيء من الفخر انها انقطعت عن التعليم منذ 14عاما, لكنها كل سنة كانت تشعر بشيء من القهر، لذلك أصرت على زوجها لتكمل تعليمها, وبعدما كبر أبناؤها شعرت أن هناك طاقات بداخلها يجب أن ترى النور, فوافق زوجها لكنه كان مندهشا بحصولها على معدل مرتفع, فأخلفت الظنون ودرست في كلية أصول الدين في الجامعة الاسلامية وحصلت على منحة طيلة أربع سنوات, وفور الانتهاء من التعليم عملت مشرفة في الجامعة ومراقبة وأستاذة تسميع, ولم تتوقف عند هذا الحد، فألحت على زوجها أن تكمل تعليمها، فحصلت على دبلوم تربية وتفوقت, ولأنها كانت شغوفة بالعلم أحبت أن تكمل الماجستير في التربية, ثم عملت في العديد من الأماكن منها مشرفة إدارية في المكتبة المركزية بالجامعة الاسلامية, ومحاضرة في جامعة الأمة, وأيضا في قسم العلاقات العامة في بلدية الزهراء.
ورغم كل هذا بقي أبناؤها متفوقين دراسيا وكانت تتابعهم دوما، أما الآن فقد أطلقت مبادرة «مرايا المرأة» التي تم اعتمادها عالميا بعدما انضمت للبرلمان الدولي لعلماء التنمية البشرية.
ونصحت الحاج كل من أرادت أن تتميز وتتفوق أن تثق بالله أولا ثم تثق بنفسها وتكون لديها الإرادة كي تصل, لكن في البداية يجب أن تهتم ببيتها وأسرتها, لأن الأمة ترتقي بالمرأة التي تنشئ جيلا قويا مميزا.