خبر نتنياهو يُرتب لخروج تاريخي.. معاريف

الساعة 01:44 م|08 ابريل 2016

بقلم

(المضمون: هناك فرق بين محاربة المرض ومحاربة الموت. أي أنه يوجد فرق بين مواجهة المستقبل والاستعداد له وبين محاولة الحفاظ على الوضع الراهن).

في مقال جميل نشرته « مكور ريشون » هذا الاسبوع (« الواقف على الجدار: معركة كبح نتنياهو ضد التاريخ »)، يُبدي آساف سغيف أسفه لأن كثير من المحللين لا يهتمون بمواقف بنيامين نتنياهو التاريخية وهم يبحثون عن تفسير افعاله فقط في البنية الشخصية وسعيه للبقاء في الحكم. وحسب سغيف، التحليلات النفسية السياسية بعيدة عن الجوهر: نتنياهو يعمل انطلاقا من موقف تاريخي واضح في مركزه المعرفة العميقة لقوة المد والجزر التي تسيطر في التاريخ.

يوجد وراء تفاؤل نتنياهو المبالغ فيه بالنسبة لمستقبل الشعب اليهودي في اسرائيل (« كنا هنا وسنبقى هنا الى أبد الآبدين »)، خوف وجودي كبير ينبع من الايمان بقوانين التاريخ التي لا مناص منها، التي تحدث عنها الفيلسوف الايطالي إبن القرن السابع عشر، غمباتستا فيكو، الذي ذكره نتنياهو في كتابه « مكان تحت الشمس »: « دائرة حياة الأمم تمر في عدة مراحل هي الولادة والشباب والبلوغ والموت ». الدور التاريخي الذي يريده نتنياهو لنفسه صاغه سغيف بواسطة الكلمة اليونانية « كتكون » التي تعني « يمنع » أو « يكبح ». وكما قال سغيف فان الكتكون يعمل طول الوقت من اجل انقاذ آخر الزمان ويعمل مثل كابح تاريخي ووكيل للوضع الراهن. نتنياهو يريد الحفاظ على الوضع الراهن ومنع التغييرات الدراماتيكية لأنه يؤمن أن أي تقدم سيدفع الدولة اليهودية الى الاتجاه الخاطيء باتجاه الفوضى أو الزوال البطيء. وهذا ما ينتظر جميع الأمم.

من المثير المقارنة بين من تكشف نظريته التاريخية القوانين الحتمية وبين من مُنح النبوءة حول مستقبله. النبوءة لم تساعد الملك أوديب، حيث أعطيت له ولوالديه، ولم تساعد أي محاولة من الكتكون، بل على العكس: كل محاولات تأجيل النهاية الصعبة أكدت حدوثها. وبنفس الشكل، فان معرفة مصير الأمم لا تعني تأجيل التغيير، بل العكس: يجب أن تكون مستعدا في كل لحظة لتغيرات الزمن وفعل الشيء الصحيح في كل لحظة.

والأكثر من ذلك: اذا كان الحديث عن القدَر الذي لا يمكنه منعه، فان نتنياهو يؤجله الى الاجيال القادمة. ولكن من هي الاجيال القادمة اذا لم تكن احفاد نتنياهو واحفادنا جميعا. ألا يلتزم للاجيال القادمة؟ ماذا يشبه ذلك؟ لقد خطط نتنياهو لخروج تاريخي لابناء جيله، لكن لهم فقط: حتى لو آمن أنه نجح في كبح الاعداء الذين يهددون استمرار وجود الشعب اليهودي، إلا أنه تسبب خلال ذلك بفقدان اسرائيل لهويتها. ليقل نتنياهو ما يريد عن اعداء الدولة، فلا أحد يخالفه في ذلك، بأن المجتمع يعيش حالة من التفكك.

قد يكون هذا ما رآه مئير دغان عندما قال إن المصلحة الشخصية تفوقت على المصلحة القومية.

ولكن قبل كل شيء، هناك خطأ منطقي أساسي في الاعتقاد بأن الوضع الراهن هو وضع ثابت وأن الامور لا تتغير، وبالتالي فهي ثابتة. مصطلح « الجمود السياسي » يعكس هذا الخطأ بشكل دقيق. اذا قمنا بتبني المقارنة التي يقوم بيها فيكو بين حياة الأمة وحياة الانسان، فواضح أنه لا يمكن تجميد وضع بالضبط مثلما لا يمكن تجميد حياة. الحياة معناها الولادة والبلوغ والموت. محظور التشويش بين الصراع السليم ضد الامراض وبين الصراع ضد الموت. الموت ليس مرضا. إن نظرة على اسرائيل ستكشف الكثير من الاولاد الذين يرفضون البلوغ، وبالغين يرفضون الشيخوخة. امراض صعبة ترفض الموت واطفال يرفضون الولادة. الجميع يعاني من نفس الخطأ ومريض بنفس المرض. وليس غريبا أن العالم لا يكتشف اسرائيل: بسبب كثرة محاولاتها منع التغيير، إلا أنها تغيرت كثيرا.