خبر الاحتلال يُفسد.. هآارتس

الساعة 01:42 م|08 ابريل 2016

بقلم

(المضمون: في الانتفاضة الثانية عندما كان يعلون رئيسا للاركان، أشار بحث داخلي أجراه في الجيش الى وجود اخلالات قيمية واخلاقية حول المواجهة مع الفلسطينيين).

توجد للمادة في الطبيعة أربعة اشكال هي الغازي والسائل والصلب وعقل موشيه يعلون. فحينما يثبت موقف يعلون فليس هناك قوة في العالم يمكنها أن تغيره. فهو يتحصن ويجمع المعطيات، حقيقية أو كاذبة، لاثبات صحة موقفه ويرفض الاعتراف بامكانية أنه قد اخطأ. هذا عناد يمكن تحمله، يعلون يتمسك بموقفه لكنه لا يناضل من اجله في وجه رؤساءه. لذلك، عندما دافع عن موقفه بشدة في موضوع الجندي من حادثة الرميدة قبل اسبوعين، ذُهل من نتائج الانتقادات العلنية لبنيامين نتنياهو الذي موقفه معاكسا. وقال إن اقواله لرئيس الحكومة ستبقى « بينهما ».

هذه الظاهرة للموقف الاساسي الايجابي والسلوك الفعلي السلبي، ميزت يعلون منذ اصبح رئيسا للاركان. « الاحتلال مُفسد »، وافق في حينه، « لا شك أن حقيقة أنك تفرض على شعب آخر مقدار حركته وكيفية كسب رزقه، هي مُفسدة. الجيش لا يمكنه أن يتملص من الحديث عن ذلك أمام الجنود. وهناك حاجة الى اكسابهم المصداقية لأنهم يناضلون على شيء عادل. نحن شعب له قيم ومجتمع له قانون ». هذه الاقوال تلائم الاقوال التي جاءت في  افتتاحية « هآرتس »، لكن يعلون لا يكرر هذه الاقوال. وقد وفر بحث داخلي أجراه في الجيش بعنوان « النقاش القيمي الاخلاقي في الجيش حول المواجهة مع الفلسطينيين في مرآة التحقيقات العملياتية »، برهانا آخر حول تلون الضباط رفيعي المستوى في الزي العسكري وفي السياسة.

في الاسبوعين الأخيرين، منذ اطلاق تلك الرصاصة القاتلة، لم يتم اطلاق الرصاص على أي حامل سكين. طريقة التنديد واعطاء الغطاء ليعلون، التنديد الفوري بالجندي الذي اخطأ والغطاء الدائم لرئيس الاركان غادي آيزنكوت، دفعا يعلون نحو اليسار في النقاش الداخلي في الليكود وفي التنافس بين اليهود والبيت اليهودي. إن ما حدث له حدث مع أسلافه الذين جاءوا من جهاز الامن والذين أدركوا أن المستوطنين يريدون منهم التنفيذ فقط وليس اتخاذ القرارات. عيزر وايزمن الذي تصادم مع مناحيم بيغن، اسحق مردخاي الذي تجادل مع نتنياهو، اريئيل شارون الذي دُفع الى تفكيك الائتلاف واقامة حزب منافس للسلطة، شاؤول موفاز الذي غادر الليكود، الليكود يريد جنرالات ينفذون الأوامر لا أن يعطوها.

كثيرون يتمنون الآن سقوط يعلون. مثلا المحامي ايلان كاتس، أحد المدافعين عن الجندي من الخليل. كاتس كان نائب المدعي العام العسكري في 2003. والمدعي العام العسكري في حينه مناحيم فنكلشتاين قام بمنح رتبة جنرال لنفسه، لأول مرة في تاريخ الجيش الاسرائيلي. كان المهم بالنسبة لفنكلشتاين الاقناع أن هذه الرتبة ليست شخصية بل هي تعكس الوزن الجديد للقضاء العسكري داخل الجيش وخارجه (المستشار القانوني للحكومة، المحكمة والعالم). لذلك طلب فنكلشتاين ترفيع رتبة نائبه كاتس. وفي الوقت الذي كان فيه طلب ترفيع كاتس على طاولة رئيس الاركان يعلون، تحطمت مركبة الفضاء « كولومبيا » وقُتل العقيد ايلان رامون. وأراد سلاح الجو منح رامون رتبة نائب جنرال بعد موته، لكن يعلون رفض حتى لا تصبح هذه سابقة.

لأنه مع كل سقوط لعالم فضاء إسرائيلي سيُطلب ترفيعه رتبة.

في 2004، في ذروة السنوات الثلاثة ليعلون كرئيس للاركان، كتب العقيد عتار دغان، كطالب في معهد الامن القومي، بحثا سنويا حول « النقاش القيمي الاخلاقي » في الجيش حول المواجهة مع الفلسطينيين. دغان هو من مواليد كيبوتس مرحافيا وقد كان من أبرز قادة سلاح المدرعات مثله مثل الكثير من الطيارين الذين شاركوا في الدورة. وكان منهم قائد وحدة النخبة في سلاح الجو. وبعد أن أنهى تعليمه أصبح ضابطا في القيادة الوسطى. وكان آيزنكوت في حينه قائدا لفرقة 877 (أيوش).

بحث دغان أثار اعجاب قائد الكلية، الجنرال ايلان بن رؤوفين (الآن هو عضو كنيست في المعسكر الصهيوني). وقد قام بن رؤوفين بتوزيع البحث على جميع الجنرالات وقادة الألوية والمعاهد العسكرية والوحدات الخاصة. ولكن بسبب حساسية هذا الموضوع حذر قائلا: « يجب عدم وصول هذا البحث إلى جهات أخرى خارج نطاق الجيش ».

وحسب ما جاء في البحث، « النقاش القيمي الاخلاقي كان دائما عاملا مهما في حياة الجيش الاسرائيلي. وكجيش في دولة ديمقراطية أنشيء على خراب وذكرى الكارثة، فان اخلاق الحرب مهمة جدا في تربية الجنود. ولكن بعد حرب يوم الغفران حدث تغيير في سلوك العدو الذي نواجهه. وأصبحت الحرب في مناطق مأهولة بالمدنيين الأبرياء تنشيء وضعا معقدا فيما يتعلق باخلاق الحرب وطهارة السلاح. فاحيانا يقوم العدو بحمل السلاح ويظهر كأنه مواطن ساذج وبسيط ». وهذا الامر خشي منه دغان، وأكد عليه في بحثه.

وقد كتب دغان أن الحالات الشاذة كانت طرف جبل الجليد. « هناك مشكلة حقيقية »، قال له دافيد مناحيم، قائد كتيبة في حينه وقبل وقت قصير كان رئيسا للادارة المدنية.

رئيسة قسم التعليم في الجيش الاسرائيلي، ياعيل هاس، قالت أول أمس في محاضرة لها في جامعة تل ابيب إن رئيس الاركان « يلاحظ وجود ضبابية في فهم القيم » في اوساط الجنود الذين يجدون صعوبة في ابقاء مواقفهم السياسية في البيت. وأشارت هاس الى مشكلة تمت الكتابة عنها هنا في تشرين الاول 2015 وهي « حقيقة أن الجنود يتعرضون باستمرار الى تأثير مواقع اليمين المتطرف في  الانترنت مثل موقع »0404". والمفارقة هي أنه قبل المحاضرة بيوم بُث في هذا الموقع خطاب رئيس الاركان أمام عدد من الضباط حيث تطرق بشكل معمق الى قضية الخليل. وبكلمات اخرى، مثلما أن الموقع وأشباهه يلتفون على القيادة العسكرية ويصلون إلى الجنود، هم ايضا يحصلون على المعلومات من هؤلاء الجنود.

قائد كتيبة لحماس

قيادة حماس في قطاع غزة اضطرت مؤخرا الى التعامل مع فضيحة اخلاقية. فقبل شهرين تم اعدام محمود شتيوي، قائد كتيبة في الذراع العسكري في حماس في منطقة الزيتون جنوب مدينة غزة. شتيوي كان معتقلا لأكثر من سنة وبعدها تم اعدامه بالرصاص. وفي بداية شباط أعادت حماس جثته الى عائلته وقالت إنه تم اعدامه بعد اعترافه في التحقيق بمخالفات اخلاقية.

وقد سادت في القطاع شائعات حول ظروف تورطه منذ أن تم الكشف أنه لوطي وحتى الاشتباه بالتجسس لصالح اسرائيل. وقيل ايضا إنه قام بالابلاغ عن مكان محمد ضيف، قائد الذراع العسكري في حماس الذي نجا من محاولة اغتيال في نهاية الحرب الاخيرة، لكن زوجته وإبنه وإبنته قتلوا في تلك المحاولة. وقد زعمت عائلة شتيوي أن الاعتراف أُخذ منه تحت التعذيب وأنه بريء من الاتهامات المنسوبة اليه.

الجدل حول قضية قائد الكتيبة يتساوق مع صراع القوى المتزايد في حماس. في طرفه الاول خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس في قطر، وفي الطرف الثاني الرباعية التي تقود الذراع العسكري في غزة التي تشمل ضيف ومروان عيسى ويحيى صنوار، الذي يشكل حلقة الوصل بين الذراع العسكري والمستوى السياسي والذي له صلاحية كبيرة وتأثير في كتائب عز الدين القسام وهو الذي يتبنى الخط الاكثر تشددا نحو اسرائيل والذي كان من خلف تصميم الذراع العسكري على تعزيز العلاقة مع داعش في سيناء رغم أن هذا يغضب مصر بشكل كبير. وهو ايضا لا يعترف بصلاحية مشعل أو رئيس حكومة حماس في القطاع اسماعيل هنية.

وحسب تقديرات كثيرة فقد كان صنوار طرفا في عملية اعدام شتيوي في محكمة ميدانية داخل الذراع العسكري لحماس. إن قرارا كهذا كان يفترض أن يكون من صلاحية القيادة السياسية. ومشعل غضب من عدم اشراكه في القرار حول قضية قائد الكتيبة، ومشعل الذي يقلق من استقلالية وقوة القيادة العسكرية اقترح تعيين لجنة تحقيق في القضية ووضع حدود للصلاحيات والمسؤوليات. وهنية يجلس على الجدار ويتلوى بين قطبين أكثر قوة منه.

وما زال الجيش الاسرائيلي يتمسك بموقفه وهو أن حماس تكبح استخدام قوتها العسكرية وهي تهتم باعمار القطاع عسكريا واقتصاديا. في تشرين الاول الماضي، حينما تصاعد العنف في الضفة الغربية، كانت مظاهرات احتجاج عنيفة على الحدود بين القطاع واسرائيل. ولكن في الآونة الاخيرة تراجع عدد المشاركين في هذه المظاهرات من الآلاف الى العشرات. ويبدو أن حماس لا ترى أي فائدة من الاحتكاك مع اسرائيل على الحدود.

حكومة اسرائيل فرضت على الجيش الاسرائيلي العمل على اطالة فترة الهدوء والاستعداد لمواجهة اخرى محتملة. والانفجار قد يأتي بعد عملية كبيرة لحماس في الضفة أو اتخاذ الجناح العسكري القرار باستخدام الانفاق الهجومية قبل كشفها من قبل الجيش الاسرائيلي وقبل وضع الاجهزة التكنولوجية التي تكشف الانفاق في المستقبل.

الدرس الرئيسي للذراع العسكري في حماس من الحرب الاخيرة في القطاع قبل سنتين تقريبا هو أنه يجب مفاجأة الجيش الاسرائيلي. وبالنسبة لحماس فقد فقدت عنصر المفاجأة في الجولة الاخيرة.

وحسب تقديرات الجيش الاسرائيلي، حماس لا تريد المواجهة مع اسرائيل بسبب الوضع السياسي والوضع الاقتصادي المعقدين. ولكن قوة الذراع العسكري في ازدياد، وهناك توتر بينه وبين القيادة السياسية. الاستخبارات الاسرائيلية تتعامل بشك مع ما يحدث في القطاع والجيش الاسرائيلي يستعد لمواجهة محتملة في الربيع أو الصيف، رغم ادراكه أن هذه المواجهة ربما لا تحدث.