خبر خروج مصر.. معاريف

الساعة 01:31 م|08 ابريل 2016

بقلم

(المضمون: من أجل الانتصار على داعش، يتعامل السيسي مع اسرائيل كحليف. ولكن بدلا من تأييده وتأييد كفاحه ضد الجهاد، تشق الادارة الامريكية الطريق الى هجرانه - المصدر).

مع أن الحرب في سوريا تواصل تصدرها العناوين الرئيسة في الصحف، الا انه في الحدود الجنوبية تجري حرب تتصاعد كل يوم وبدأت مؤخرا تهدد اسرائيل بشكل مباشر ايضا. ففي الاسبوع الاخير رفع تنظيم داعش في سيناء الى الشبكة شريطا أعلن فيه بانه سيهاجم ايلات قريبا، وذلك بالتوازي مع تصعيد التهديدات ضد القوة متعددة الجنسيات في شبه الجزيرة.

وكانت القيادة الامريكية في هذه القوة أعلنت عن نيتها اخلاء القاعدة في العريش ونقل مركز الثقل الى قاعدة قرب قناة السويس. وعلم هذا الاسبوع بان القوة الكندية ايضا هي الاخرى تفكر باخلاء قواتها من سيناء تماما أو نقلها الى السويس.

يمكن لنا أن نفهمهم. فالقوات متعددة الجنسيات في هضبة الجولان انسحبت قبل سنة ونصف السنة بعد أن اختطفت جبهة النصرة، وهي منظمة متفرعة عن القاعدة، جنود من الفلبين وفيجي واحتجزتهم كرهائن. فلماذا لا يخشى الامريكيون والكنديون من سيناريو مشابه. فضلا عن انهم ليسوا هناك كي يقاتلوا داعش.

لقد ارسلت القوة الى سيناء للحفاظ على السلام بين الجيش المصري والجيش الاسرائيلي. والان، بدعم من اسرائيل يخوض الجيش المصري حربا في سيناء ضد عدو مشترك: داعش. في هذا الوضع ليس فقط لا يمكن للقوة متعددة الجنسيات بقيادة امريكية أن تساعد بل انها تعرقل العمل. فعلى المصريين ان يحرصوا على مصلحة هذه القوات وبالتالي تشتيت المقدرات التي من الافضل ان يركزوها على هجمات مبادرة ضد التنظيم.

ومع أن الامريكيين يعترفون بان داعش يخوض حرب ابادة ضد مصر في سيناء، ومع ان الامريكيين يفهمون بان التنظيم هو عدوهم ايضا، ومع أن في حرب الرئيس عبدالفتاح السيسي ضد داعش وحماس يبدو ان اتفاق السلام بين اسرائيل ومصر يؤدي لاول مرة الى علاقات جيرة حقيقية – فان الولايات المتحدة لا تقف الى يمين السيسي. فادارة اوباما ليس فقط لا تمنحه المساعدة اللازمة كي يقضي على تواجد داعش في سيناء، بل وتلمح بان الرئيس يوشك على هجران مصر.

قبل نحو اسبوعين نشرت « نيويورك تايمز »، صحيفة الادارة، مقالا افتتاحيا دعت فيه اوباما الى هجران مصر كحليف. وعلى حد قولهم فان نظام السيسي يخرق حقوق الانسان لاعضاء الاخوان المسلمين ونشطاء حقوق الانسان، وعليه يتعين على اوباما « ان يعيد النظر في التحالف الذي كان يعتبر لزمن طويل حجرا أساس في سياسة الامن الامريكية ».

وأقامت الصحيفة المقال على أساس رسالة علنية للرئيس بعث بها أعضاء « مجموعة العمل في الموضوع المصري »، حثوه فيها على اشتراط استمرار المساعدة العسكرية والاقتصادية لمصر بتحسين وضع حقوق الانسان في الدولة. ويدور الحديث عن عصبة « خبراء » من الحزبين بقيادة روبرت كاغن، محافظ جديد كبير يعمل كباحث كبير في معهد بروكينجز، وميشيل دان، دبلوماسية كبيرة سابقة تعمل كباحثة كبيرة في معهد كرينجي للسلام العالمي.

في كانون الثاني 2011 بعث أعضاء المجموعة برسالة مشابهة الى اوباما دعوه فيها الى اجبار الرئيس المصري في حينه حسني مبارك على الاستقالة. وفي ذلك قدمت المجموعة لاوباما غطاءا جمهوريا لتنفيذ الخطوة الراديكالية المتمثلة بركل الحليف المتين والاكثر مصداقية للولايات المتحدة في العالم الاسلامي. في حينه مثلما هو اليوم، ادعى اعضاء المجموعة بان الولايات المتحدة لا يمكنها أن تقف الى جانب مبارك في ضوء ارتكابه انتهاكات لحقوق الانسان.

ومع نشر الرسالة وقف الاسرائيليون من كل الطيف السياسي الى يمين مبارك وناشدوا الامريكيين الا يهجروه. اذا ذهب الرئيس، حذروا، فان الاخوان المسلمين سيسيطرون على مصر ويجعلونها دولة جهاد. ولكن الاجماع الاسرائيلي النادر لم يؤثر على واشنطن. وحيال توافق الاراء وقف اجماع امريكي أصر على أن نظاما ليبراليا – ديمقراطيا سينشأ من خرائب نظام مبارك.

أوعظ الامريكيون للاسرائيليين بان الاخوان المسلمين هم تنظيم معتدل، وان كان من داخله نشأ الجهاد الاسلامي المصري (الذي قتل اعضاؤه أنور السادات)، حماس، القاعدة وكل تنظيم جهادي سني آخر في العالم تقريبا.

هاجم الامريكيون الاسرائيليين على التحذيرات التي قالت ان ثورة الفيس بوك في ميدان التحرير ليست الا غطاء رقيقا اختبأ خلفه اسلاميون ليس بينهم وبين القيم الليبرالية والديمقراطية شيء.

في اثناء السنوات الخمسة التي انقضت منذئذ، فان كل التحذيرات التي اطلقتها اسرائيل تحققت. ففور سقوط مبارك، القى الاخوان المسلمون ورفاقهم برجال الفيس بوك عن كل الدرج. 2 مليون مصري اجتمعوا في ميدان التحرير بعد اسبوعين من اعتزال مبارك، وهتفوا للشيخ يوسف القرضاوي حين دعا الى احتلال القدس بالجهاد، لم تكن تهمهم الديمقراطية. مثلما فهمت بسرعة ايضا نساء مصر والمسيحيون الاقباط، فان اسقاط مبارك، الذي شق الطريق لانتصار الاخوان المسلمين في انتخابات 2012، لم يوسع حقوق المواطن لديهم. فقد هدد مجرد وجودهم.

وبالنسبة للامريكيين، ففور أداء محمد مرسي اليمين القانونية، بدأ النظام الجديد يطالب بالافراج عن الشيخ عمر عبد الرحمن، الزعيم الديني الذي قاد  تفجير البرجين التوأمين في 1993. كما وقف مرسي جانبا عندما خاض رجاله اضطرابات خارج السفارة الامريكية في القاهرة في 11 ايلول 2012.

بفضل حقيقة أن مرسي انتخب في انتخابات ديمقراطية، واصل الامريكيون تأييده. ووافقوا على أن يرسلوا له طائرات اف 16 حديثة رغم أنه استضاف الرئيس الايراني في القاهرة، سمح لسفن حربية ايرانية بالعبور في قناة السويس ونسج حلفا استراتيجيا مع حماس. واصل الامريكيون تأييده حتى عندما سمح بالسلاح المتطور بالدخول من ليبيا الى مصر وسوريا، وحتى بعد أن اتخذ لنفسه صلاحيات دكتاتورية ما كان لمبارك ان يحلم بها.

وبالتوازي مع رفض حقوق المواطن، دمر مرسي اقتصاد الدولة. وعندما اسقطه السيسي والجيش في صيف 2013، كان تبقى في الصندوق القومي المصري 5 مليار دولار فقط، وكان ربع سكان الدولة يتضورون جوعا. ولو كان الاخوان المسلمون بقوا في الحكم، لكانت مصر قد سحقت ليس فقط الديمقراطية بل كانت ستتحول الى دولة جهاد خطيرة مثل ايران، مع توقع اقتصادي مثل ذاك في كوريا الشمالية.

بكلمات اخرى، مثلما ادعت كل المحافل الاسرائيلية، لم يكن احتمال لان تصبح مصر بعد مبارك دولة ديمقراطية. كانت هناك امكانيتان فقط: طغيان مؤيد للغرب يحافظ على السلام مع اسرائيل، أو دولة جهاد منسقة مع ايران، تشكل خطرا وجوديا على اسرائيل، على الاردن وعلى الاقتصاد العالمي.

هذه هي الخيارات الوحيدة اليوم ايضا، باستثناء أن المخاطر الان اكبر. فكنتيجة للسنة التي قضاها الاخوان المسلمون في الحكم نجحت محافل الجهاد في سيناء في التكتل في قوة شديدة البأس تحت علم داعش، والحرب التي يخوضونها ضد النظام المصري هي حرب شاملة.

في صالح السيسي يقال انه يفهم جوهر التهديد ويتخذ خطوات غير مسبوقة لابادة داعش. يفهم بانه من أجل الحاق الهزيمة بالتنظيم مطلوب اصلاح للدين الاسلامي وعليه، فبالتوازي مع المعركة العسكرية، يجند زعماء الدين من جامعة الازهر لاقامة عقيدة دينية اسلامية جديدة ترفض الجهاد. يراهن السيسي على كل شيء، لانه يفهم بانه اذا انتصر داعش، انتهت مصر.

كي ينتصر في الحرب فانه يتعامل مع اسرائيل كحليف ويؤيدنا علنا ضد حماس التي وصفها كتنظيم ارهابي. خلافا لمبارك، لا يتردد السيسي في العمل ضد حماس، رغم أن معظم ضحاياها يهود. ولكن هذا لا يهم الامريكيين. فبدلا من تأييده وتأييد كفاحه ضد الجهاد، تشق الادارة الطريق لهجرانه. من الصعب هضم العناد الامريكي للتمسك بسياسة عديمة المنطق، ولكن لا مفر. هذا هو الوضع وفي داخله على اسرائيل ان تفعل كل شيء كي تدعم السيسي.