خبر من الحرم الجامعي يرون لاول مرة القرية المجاورة- هآرتس

الساعة 10:36 ص|03 ابريل 2016

فلسطين اليوم

بقلم: نير حسون

 (المضمون: المبنى الجديد في الجامعة العبرية يطل على قرية العيسوية، الامر الذي كان موضوع اللقاء الذي تم للنقاش في الفرق الشاسع بين الحياة داخل الجامعة والحياة داخل العيسوية - المصدر).

       على طرف الحديقة البوتانية في الحرم الجامعي في جبل المشارف في القدس استكمل قبل سنة بناء مبنى جديد هو « مدرسة مندل للتعليم المتقدم في العلوم الانسانية ». المبنى هو سكن لطلاب البحث المتفوقين في العلوم الانسانية في الجامعة العبرية. القبة الشرقية للمبنى وطابقه الخامس مركبان من نوافذ كبيرة تطل على القرية الفلسطينية العيسوية بكل قبحها وجمالها والتي تبعد مسافة عشرات الامتار عن حائط الحرم الجامعي.

       بالنسبة للطلاب والمحاضرين في الجامعة فان الشكل الجديد للقرية الفلسطينية يشكل احيانا تجربة اهتزاز. رغم قرب القرية من الحرم الجامعي إلا أنها لم تكن مكشوفة حتى الآن. رغم أن اصوات الآذان تسمع في كل مكان تقريبا، في مواقف السيارات يمكن شم رائحة الغاز المسيل للدموع الذي يتم اطلاقه في القرية وعمال من العيسوية ينظفون الجامعة – رغم كثرة نوافذ الجامعة إلا أنه تصعب رؤية القرية الكبيرة على مشارفها سواء بشكل متعمد أو بالصدفة.

       في الاسبوع الماضي حدث في مدرسة « مندل » في مبناها المضاء والجميل اجتماع هو الاول من نوعه تحدث عن العلاقات المعقدة تحت عنوان: « الجامعة والقرية، البحث في العلوم الانسانية أمام العيسوية ». وخلال اللقاء تحدث الباحثون الذين يعملون في المبنى عن الدرجة التي يؤثر فيه عليهم المشهد الغير اعتيادي.

       « أنت ترى حالة من اللامساواة » يقول د. عمري شيفر رفيف، « لا توجد شوارع، لا توجد متنزهات، لا يتم اخلاء القمامة وعندما اجلس وابحث يأتي شخص ويفرغ كيس القمامة ليضع كيس جديد ». وحسب اقواله « وضع اللامساواة واضح جدا وايضا وضع الحرب. نسمع الاصوات ونرى شرطة حرس الحدود يطلقون الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية. هذا مخيف، لكنك تشعر بالامان داخل المبنى. في اللحظة الاولى تقول ما الذي يحدث هنا؟ لكني لاحظت أنني بدأت أتعود، وهذا اصبح جزء من المشهد العادي. ولكن هناك امور يصعب التعود عليها مثل أن ترى فجأة أنهم يطلقون قنابل الغاز في كل الاتجاهات، ومن الواضح أن هذا استعراض للعضلات. هناك الصدمة وهناك التفهم. ولكن يوجد نوع من التعود ». شيفر رفيف يبحث في النظام العسكري في الضفة الغربية. « كانت هناك لحظات تضامنت فيها مع الحكام العسكريين في البحث وقلت ها أنا اجلس هنا مثل حاكم ما ».

       بين القرية والجامعة توجد علاقات متبادلة اغلبيتها سلبية في طابعها. بالنسبة لسكان العيسوية الجامعة هي جزء من المكان الاسرائيلي الذي يحيط بالقرية من كل الاتجاهات. منذ 12 سنة هناك حاجز للشرطة يمنع السيارات من الخروج من القرية باتجاه جبل المشارف. الطلاب والمحاضرون يجب أن يتعودوا على الزجاجات الحارقة التي تلقى على الشارع المحيط بالجامعة والطلاب يشتكون من التحرشات الجنسية والشعور بغياب الأمن في ساعات المساء. « التواجد الاكثر بروزا للعيسوية في الجامعة هو أنه يوجد الكثير من العيساويات والعيسويين في الجامعة، إنهم ينظفونها »، قال نشيط سياسي اسرائيلي يعمل في القرية هو اوري غغنون. « ولكنهم لا يستخدمون بالطبع من قبل الجامعة بل هو يعملون عند مقاول. وهذه الطريقة تسمح بالاستغلال دون أن تكون أنت المستغل، وهذا ما يعبر عن العلاقة بين الجامعة والعيسوية. ليس المحاضرون هم الذين وضعوا الحاجز الذي يمنع السيارات من الخروج من العيسوية، بل الشرطة هي التي تفعل ذلك – لكنها فعلت ذلك باسم الجامعة ».

       وحسب اقواله فان المثال الابرز للعلاقة السيئة بين القرية والجامعة يوجد حول شبكة المجاري. « في الشتاء عندما تهطل الامطار فان مجاري البلدية تتدفق الى العيسوية. لا أعتقد أن هذا مقصود. لكن الجامعة هي جسم كبير جدا ويعمل بشكل لامبالي »، كما يصف عغنون. « عند الحديث عن علاقة الجيرة فان ذلك يرمز الى التبادلية، ولكن لا توجد تبادلية بين العامل وبين من يستخدمه، نحن الواحد الى جانب الآخر لكننا لسنا جيران ».

       العلاقات السيئة بين المؤسسة الاكاديمية الشهيرة وبين القرية الفلسطينية الفقيرة لها تاريخ طويل. العيسوية استثنائية قياسا بباقي مناطق شرقي القدس لأنه وحسب جميع الخرائط فانها ليست موجودة وراء الخط الاخضر بل تشكل جزء من منطقة جبل المشارف التي بقيت تحت السيطرة الاسرائيلية بين سنوات 1948 – 1967.

       فعليا، تعامل السلطات الاسرائيلية مع القرية يطابق تعاملها مع مناطق شرقي القدس، هذا اذا لم يكن اسوأ. بين حرب الاستقلال وحرب الايام الستة سكن الجنود في مباني الجامعة (الذين تخفوا على هيئة شرطة لأنه حسب اتفاق وقف اطلاق النار، منع الجيش من العمل هناك). بين الجنود والسكان الفلسطينيين في القرية السفلية التي كانت فعليا تحت سيطرة الامم المتحدة حتى 1967، كانت مواجهات صعبة.

       البروفيسورة يفعات فايس، مؤرخة في الجامعة العبرية، تبحث في تاريخ منطقة جبل المشارف وقد قدمت نتائج بحثها في اللقاء. من بين الوثائق التي توصلت اليها فايس هناك شكوى من القرويين الفلسطينيين منذ عام 1953 حول تخريب الطريق التي تؤدي من العيسوية الى القدس الاردنية من قبل اسرائيل. وقد كتب سكان القرية: « كلما نتساءل عن السعادة التي يلقاها الجنود اليهود في هداسا والحكومة الاسرائيلية في فلسطين، نحن نرى الحياة البائسة لسكان العيسوية حيث الرجل العجوز ينزلق ويقع في الوحل وطالب أو طالبة يعودان من المدرسة مبللين وامرأة ماتت اثناء الولادة لأنها لم تستطع الوصول الى المستشفى ».

       أحد سكان القرية وهو الناشط السياسي هاني العيساوي يتذكر الجنود الذين نزلوا من الجامعة واحتلوا في نهاية المطاف القرية في 1967. « الرصاص الذي اطلقوه من الجامعة ما زال موجودا داخل جدران البيوت »، قال العيساوي ويذكر أن المبنى الجديد أقيم على ارضه التي تمت مصادرتها من عائلته.

       أقيم المبنى الكبير والمحصن فوق الجبل بعد الحرب. والقرية التي توجد تحته توسعت جدا ولكن مثل جميع الاحياء الفلسطينية في القدس تم اهمالها من قبل السلطات. اغلبية المباني في القرية بنيت بدون ترخيص لأنه لا يمكن الحصول على الترخيص في مكان لا توجد فيه خطة بناء. محاولة سكان القرية وضع خطة كهذه بمساعدة منظمة « بمكوم » الغيت من قبل البلدية.     

       خلال الانتفاضة الثانية ساءت العلاقات في الجبل بين سكان القرية وسكان الجامعة واغلقت الشرطة المخرج باتجاه الجامعة. وفي السنتين الاخيرتين برزت العيسوية كاحدى القرى الاكثر اشتعالا في القدس. هنا كانت المظاهرات الاكبر وهنا كانت كما يبدو احداث رشق الحجارة والزجاجات الحارقة الاكثر ومن هنا خرج الكثير من منفذي العمليات. على مرمى حجر من مبنى « مندل » يوجد بيت الاسير الامني سامر العيساوي الذي هدد اضرابه الطويل عن الطعام قبل عامين باشعال الضفة الغربية كلها.

       في المقابل، سكان العيسوية يعانون من سياسة القبضة الحديدية للشرطة. تحول استخدام الحواجز في السنوات الاخيرة كوسيلة للضغط على السكان. ويضاف الى ذلك الاستخدام الواسع لقنابل الغاز والرصاص المطاطي والاعتقالات. سكان القرية وبمساعدة عدد من النشطاء الاسرائيليين حاولوا النضال من اجل مستقبلها، لكن في اغلب الاحيان كانوا يفشلون. وعلى مدى السنين تم اغلاق القرية من جميع مداخلها من جهة التلة الفرنسية، مستشفى هداسا، شارع القدس – البحر الميت وجدار الفصل. والان يتم التخطيط لعمل مكب للنفايات والاتربة على مشارفها، الامر الذي يمنع توسعها في المستقبل. كل ذلك يستطيع البروفيسورات رؤيته من النوافذ الكبيرة في المبنى الجديد والكبير.

       مدير مدرسة « مندل » وهو أحد المبادرين للقاء، البروفيسور اسرائيل يوفال، طلب تحويل النظرة المشهورة « من قمة جبل المشارف »، « لقد تعودنا على النظر ورؤية القدس الجميلة من جبل المشارف. لكننا ننظر باتجاه الشرق ونشعر بعدم الراحة عند رؤية الساحة الخلفية لجبل المشارف. هل يجب فهم الكلمات – من فوق قمة جبل المشارف سلام لك يا قدس – بشكل معكوس – سلام لك يا قدس كما عرفناها؟ هل يجب أن نشعر بالخجل لكوننا سكان مبنى فاخر يبدو كأنه يتحرش بمحيطه؟ ».

       ويضيف يوفال أنه انطلاقا من وظيفته كمدير للمدرسة فانه يجب أن يدافع عنها « وهذا ما تعودت قوله في البداية بشكل متردد وبعد ذلك باقناع ذاتي: »المكان المتعالي للمبنى واطلاله من فوق على المحيط وايضا لكون الطبقة العليا من الزجاج، كل ذلك هو مثال لدور هذا المبنى – النظر الى الواقع الموجود مباشرة في العيون. نحن لا نعيش في فقاعة مثل مواطنين كثيرين في دولة اسرائيل. انظروا الى مبنى بتسلئيل في الطرف الثاني من الجامعة – الذي يبدو مثل قلعة مع حشرات صغيرة. مبنى « مندل » يفتح عيونه وهو يجبر كل زواره على فعل ذلك« .

       في المقابل، البروفيسور امنون راز، قارن بين الواقع الذي يطل عليه مبنى مندل وبين مبنى غلمان حيث توجد كلية العلوم الانسانية في جامعة تل ابيب. باحثة اخرى هي نتسان طال اعترفت بصدق أن عدم الراحة الذي تشعر به بسبب القرية هو ايضا مثمر من الناحية الثقافية. »أنا اسأل نفسي كم من الحواجز للقرية هي نتيجة مباشرة لقدومي الى هنا. وهذا يحدث عدة مرات في الاسبوع« . باحثة اخرى هي عيدي لفني قالت إن العيسوية هي صاحبة الاحاديث الاكثر شعبية في اروقة المبنى وسألت: »ما الذي يجب أن نضحي به من اجل التقارب؟« . واقترحت ايضا أن يكون جزء من التعليم في المكان يشمل واجب تعلم اللغة العربية. المؤرخ الحاصل على جائزة البروفيسور يوسف كابلان الذي جلس بين الجمهور، قال بعد اللقاء للبروفيسور يوفال إن هذا هو اللقاء الاهم في الحرم الجامعي منذ اعادة دخوله في 1981.

       »إن رؤية العيسوية من هنا تختلف تماما عن العيش فيها« ، قال هاني العيساوي للموجودين، »يمكن رؤية العيسوية من هنا والاعتقاد أن الناس يعيشون بشكل طبيعي. أنا جئت من بيتي الى هنا سيرا على الاقدام واستغرقني ذلك 4 دقائق، لكن هذا انتقال من قرن الى قرن مختلف، من عالم الى عالم. وهذا الامر يجب أن يدركه الناس. يجب أن يفهم الناس كم أن الحياة في العيسوية صعبة« .

       »إن سماع اطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع يختلف بين هنا وهناك« ، اضاف عغنون، »إن رؤية العيسوية من الجامعة ورؤية الجامعة من العيسوية مختلفتان تماما. فجأة يبدو برج الجامعة مثل اصبع ثلاثي. حينما نفكر بالعيسوية فنحن نفكر في انفسنا، وما الذي نشعر به حينما نسمع صوت الانفجارات؟ أو صوت الآذان؟ هناك من يعتقدون أن هذه نرجسية، لكن أنا لست على استعداد أن يكون هناك مقاول ثانوي بيني وبين ما يحدث هناك. أنا أعرف أنني أتحمل مسؤولية عن هذا".