خبر الهجوم على أوامر فتح النار.. هآرتس

الساعة 06:29 ص|28 مارس 2016

بقلم

(المضمون: هل سيسمح الجيش الاسرائيلي لأحد من خارجه، بما في ذلك اعضاء الحكومة، بتحديد أوامر فتح النار؟ - المصدر).

تردد اليمين في الساعات الاولى على حادثة الخليل، حيث قام جندي باطلاق النار أمام الكاميرا على مخرب وهو ملقى على الارض، تلاشى منذ وقت. الآن توجد حملة جماهيرية واسعة لانقاذ الجندي الذي هناك من يعتبره بطلا قوميا يستحق وساما. ويشارك في هذا الامر الى جانب آلاف المواطنين المتحمسين الذين يدافعون عنه في الفيس بوك، سياسيون ونشطاء من اليمين ومستشارين اعلاميين وليس أقل من خمسة محامين.

في هذا الشأن لا يمكن توجيه الاتهام للجندي نفسه. لقد تورط في اشتباه جنائي خطير (البند الذي اشتبه فيه هو القتل، رغم أن الادعاء العسكري يمكنه تخفيف ذلك فيما بعد). ومن حقه فعل كل ما يستطيع من اجل انقاذ نفسه من هذه الاتهامات. إلا أنه باستثناء الموقف الذي يتبناه الكثيرون والذي يعتبر أن سلوك الجندي مبرر حيث يتعلق الامر بالصراع العنيف مع الفلسطينيين، يبدو أن دوافع اخرى تلعب دورا من وراء الكواليس.

الجدال حول عمل الجندي والطريقة التي يجب أن ترد بها البنية العسكرية على الحادثة، انتشرت بسرعة الى اتجاه آخر: هجوم مركز على الجيش الاسرائيلي، وزير الدفاع ورئيس الاركان، ومحاولة فرض أوامر جديدة لفتح النار.

في الفيلم الذي صوره المتطوع الفلسطيني من « بتسيلم » في صباح يوم الخميس، هناك صورة واضحة جدا. الشاب الفلسطيني، أحد الشابان اللذان طعنا جندي اسرائيلي قبل ذلك بدقائق، ملقى على الارض وينزف في رأسه. ويبدو أنه حالته خطيرة رغم أنه كان يتحرك قليلا. لو أنه كان يشكل خطرا لما عرف أحد من الذين كانوا حوله من جنود وضباط ومواطنين. فهم منشغلين بشؤونهم – علاج الجندي المصاب ومكالمات هاتفية تتعلق بالترتيبات الميدانية في أعقاب العملية. الجندي الذي هو ممرض عسكري جاء الى المكان مع عدد من الجنود في أعقاب الحادث، عبأ سلاحه وأطلق رصاصة واحدة على رأس المخرب من مسافة قصيرة.

في فيلم آخر للحادثة، نشرته منظمة « هتسالاه يوش » يُسمع صوتين، يبدو أنهما لمواطنين، حيث يحذرون قبل اطلاق النار: « هذا المخرب ما زال على قيد الحياة، الكلب، كي لا يقوم علينا » و« يبدو أن هناك عبوة على جسمه، انتبهوا. الى أن يأتي خبير المتفجرات فلن يتم لمسه ». هذه هي الرواية البديلة التي يطرحها الجندي الذي اطلق النار والتي تهدف الى تعزيز الدفاع القانوني. الفلسطيني الذي استمر بتحريك جسمه بين الفينة والاخرى كان يلبس معطفا في يوم حار. وحدثت في الآونة الاخيرة حالات جاء فيها من أراد الطعن وهو يحمل عبوات ناسفة مخبأة. وحسب الادعاء فان الجندي خاف من أن المخرب يخفي حزاما ناسفا يريد تشغيله. لذلك أطلق النار عليه « من اجل ازالة الخطر ». أو كما وصف ذلك أحد المحامين في القناة الثانية « سعى الى اللمس »، ليس أقل من ذلك. في المؤتمر الصحفي الذي أجرته العائلة قيل إن الجندي تُرك من قبل الجيش الاسرائيلي. « قاموا بالفتك به ». وأن الجهاز الامني ووسائل الاعلام « يقتلونه بدون محاكمة » – هذا هو الاتهام الموجه للجندي نفسه.

مزيد من الفلسطينيين يموتون

حول حجم جنائية التهمة في العمل، ستقرر في النهاية المحكمة العسكرية. ولكن في الجيش الاسرائيلي توجد ايضا محطات اخرى لفحص احداث كهذه، من الناحية الاخلاقية والتنفيذية. التحقيق الذي أجراه قائد المنطقة الوسطى روني نوما في يوم الجمعة صباحا قال إن الجندي أطلق النار بعد أن تمت العملية بست دقائق. وأنه تصرف بمسؤوليته دون أن يعطى له أمر بذلك (وقد أمر نوما ايضا بتوبيخ الضباط الثلاثة الذين كانوا في المكان. لأنهم لم يعالجوا الفلسطينيان اللذان كان أحدهما على الاقل على قيد الحياة الى أن تمت تصفيته من قبل الجندي).

الجنرال مثل وزير الدفاع ورئيس الاركان، لم يجد أي مبرر لاطلاق النار. موشيه يعلون وغادي آيزنكوت وروني نوما، لهم خبرة في آلاف الاحداث، معظمها في المناطق. وقد توصلوا الى نفس الاستنتاج: اطلاق النار على مهاجم وهو مصاب وملقى على الارض ولا يشكل أي خطر، هو أمر غير مبرر من الناحية العملياتية، وجرى خلافا لأوامر اطلاق النار وهو مناقض لقيم الجيش الاسرائيلي. حسب رأي الثلاثة، مرت ست دقائق، وهي وقت كاف لفهم الصورة، وتوضح أن الضباط لم يلاحظوا وجود أي خطر. والوضع كان تحت السيطرة الكاملة.

في المقابل هناك جهد كبير الآن لاقناع الجمهور أننا لم نر ما يبدو واضحا في فيلم « بتسيلم ». الحملة الاعلامية تُذكر بما تم في صالح الضابط الذي ضرب بعقب بندقيته نشيط يساري من الدانمارك قبل بضع سنوات في غور الاردن. في حينه ايضا تم استخدام العنف (الغير قاتل) أمام العدسات، وخلافا للتقديرات المعقولة وأوامر الجيش الاسرائيلي. وفي حينه ايضا تم بسرعة طرح تفسير بديل: النشطاء هاجموا الضابط حيث أصيب باصبعه. وهو تصرف هكذا دفاعا عن نفسه. وخلال يومين قيل إن الدانماركيين المجانين كسروا يده. الجيش الاسرائيلي لم يصدق الحملة وقام باخراج  الضابط من الجيش بعد فترة من الوقت.

في الوقت الحالي يتم تعظيم التهديد الذي شكله المصاب. عندما نشر الجيش أول أمس فيلم يُظهر جنود من نفس الكتيبة وهم يُحيدون فتاة فلسطينية هي إبنة عم المخرب القتيل وهو تلوح بالسكين، دون اطلاق رصاصة واحدة – تم الهجوم على الجيش في مواقع اليمين بأنه ضعيف ومهزوم. وكأن الهدف الاسمى هو المزيد من الشباب الفلسطينيين الاموات، وليس احباط الارهاب وتهدئة الميدان. هذه الحملة تلتقي مع الهجمة الاخيرة على منظمات اليسار. توجد وراءها اهداف مشتركة واضحة: وضع معيار جديد يقول إن الصراع ضد الفلسطينيين يعني تصرف الجنود بشكل غير عقلاني. حسب هذه النظرة، فان كل شيء جيد ولا شيء في المناطق يستحق المحاكمة، وأن التحقيق والتجميد يشوش عمل الجيش في ادارة الحرب. وبناء عليه يجب التخفيف من اوامر فتح النار. من هنا تكون الطريق قصيرة الى الفوضى وغياب العمود الفقري الاخلاقي للجيش الاسرائيلي الذي ينحني أصلا منذ سنوات أمام التحدي الصعب والغير محتمل الذي تفرضه الحرب ضد الارهاب في اوساط السكان المدنيين الواقعين تحت الاحتلال.

الوزيران نفتالي بينيت واوفير ايكونس دافعا عن الجندي في نهاية الاسبوع. في اوساط الجمهور هناك من يخطو عدة خطوات الى الامام. في محيط الكرياه في تل ابيب وضعت شعارات تبدو صورة آيزنكوت فيها على أنه الشيطان أحشيفاروش وتطلب منه الاستقالة وأخذ بيبي وبوجي معه. لكن رئيس الاركان عنيد. يبدو أن المسألة الاساسية التي أزعجته في الشعارات هي تصميم منتقديه على كتابة اسم عائلته بـ ي ي بدل ي واحدة. قال آيزنكوت في نهاية الاسبوع: الجيش سيقدم الغطاء لجنوده على اخطائهم ولن يتم اخفاء التجاوزات الاخلاقية.

هناك اوساط واسعة، لا سيما لدى اليمين الديني، تنتظر تصفية الحساب مع رئيس الاركان في امور اخرى، بدء من اخراج موضوع الوعي اليهودي من مسؤولية الحاخامية العسكرية ووصولا الى منع تربية اللحية لدى الجنود. حادثة اطلاق النار في الخليل تتحول الآن الى أمر مفصلي وامتحان: هل سيسمح الجيش لأحد بتحديد أوامر اطلاق النار، بما في ذلك من يجلسون في الحكومة؟ نظرا لأن الانتفاضة الحالية لا يبدو  أنها ستنتهي قريبا، فان تصرف الجهاز الامني سيكون له تأثير على المدى البعيد.