خبر مدينة تهرب من البشرى- يديعوت

الساعة 10:18 ص|24 مارس 2016

فلسطين اليوم

بقلم: ناحوم برنياع

          (المضمون: اضافة الى الخلافات بين اذرع السلطة في بلجيكا، فان هذه الدولة لم تتعود على اتخاذ الاجراءات الامنية قبل وبعد العمليات الارهابية - المصدر).

          بروكسل. الارهاب يضرب بلجيكا بطريقة مختلفة عما يضربنا. هذا ارهاب من النوع القديم المبني على خلايا سرية تقوم بتهيئة اعضائها لفترة من الزمن في قلب السكان الذين يشتبهون بالشرطة رغم أنهم لا يتعاونون مع الارهاب. للوهلة الاولى يمكن افشال هذا النوع من الارهاب. والحقيقة هي أن عدد كبير من منفذي هجوم داعش في باريس وبروكسل قد تم اعتقالهم في السابق للتحقيق. عرفوا عنهم، لكن ذلك لم يؤدِ الى الافشال. الاخفاق ثقيل. وهو أثقل لأن كل من يعيش في بروكسل يفهم أن هذا ليس الاخفاق الاخير. السلطات في بلجيكا متخاصمة فيما بينها ومشلولة. وما كان هو ما سيكون.

          نحن الاسرائيليون نصمد أمام هذا الارهاب ونضع كل شيء في رزمة واحدة: البحر هو نفس البحر والمسلمون هم نفس المسلمون والارهاب هو نفس الارهاب. هذا ما يقوله لنا زعماؤنا ونحن نصدق ذلك. اذا كان كل شيء متشابها، كل شيء داعش، اذا نحن معفيون من مواجهة ارهابنا بجدية. ما يفعله ارهاب داعش في اوروبا، يجب علينا تعلم عدم استخدامه كواقي لصفر فعل.

          بروكسل هي مركز فاخر تشبه قوة عظمى كولونيالية سابقة وعاصمة للاتحاد الاوروبي. ومن حولها، على بعد دقائق سيرا على الاقدام، تمتد أحياء المهاجرين. كل حي هو بمثابة مدينة بحد ذاتها. لقد عرفنا في طفولتنا أسماء هذه الاحياء حسب فرق كرة القدم التي مثلتها: أندر ليخت ومولنبك. ونحن نعرفها اليوم بسبب الملجأ الذي وجده فيها نشطاء الارهاب. تُطل بروكسل باغتراب وخوف على الأحياء التي تحيط بها. إنها لا تعرف كيف تبتلعها ولا كيف تلفظها.

تجولت أمس بين المراكز المختلفة، بين محطة القطار التي هوجمت والمنازل في أحياء المهاجرين التي اقتحمتها الشرطة، بين مسلمين غاضبين وبلجيكيين في الحداد – اذا كانت كلمة الحداد هي الكلمة الصحيحة لما يحدث منذ العمليات في ساحة البورصة في مركز المدينة.

« هل تريد العيش في مركز اوروبا؟ »، تسأل اللافتة فوق محطة القطار في حي مالبك. « إنضم إلينا ». واللافتة تهدف لبيع شقق في بنايات جديدة، لكن هذه الصياغة الآن لا تلائم المعايير التي تشكلت منذ العملية أول أمس. الشرطة قامت بوضع الاشرطة الحمراء حول المحطة. والشوارع لا حركة فيها. وفي اسرائيل كانوا سيبذلون جهودا كبيرة لاعادة الوضع الى ما كان عليه خلال ساعات: هذه هي طريقتنا للقول للارهاب إنه لن ينتصر أبدا. البلجيكيون يعيشون في سلم مختلف للقيم. على مداخل الابراج الزجاجية الفاخرة للممثلية الاوروبية تم تعليق لافتات كتب عليها: تأهب بالحد الاقصى. اغلبية العاملين لم يأتوا للعمل: الاتحاد الاوروبي يمكنه الانتظار.

الجنود البلجيكيون يتحركون بين أبراج المكاتب بشكل زوجي، مشط الرصاص داخل السلاح، الخوذة وزي التمويه يلائم الحرب في الغابة، الوجوه مغطاة بالأوشحة كي لا يتم التعرف عليهم، قوات كبيرة من الجيش وضعت في محطات القطار والقطار التحت ارضي، الجنود يقومون بالتفتيش الجسدي لكل مسافر: لا توجد لهم ماكينة فحص. الفحص هاوٍ: إنهم غير مدربين على ذلك. اغلبية المحطات لم يتم فتحها، ليس بسبب وجود قنابل فيها، بل بسبب عدم وجود ما يكفي من الجنود لتأمين المداخل.

سكاربك هو حي مطل على مركز المدينة. وخلال عشرات السنين الماضية احتله مهاجرو العمل الذين في معظمهم من المغرب. في هذا الحي يوجد مبنى مكون من خمسة طوابق يتم ترميمه. وفيه تواجد منفذو العمليات. في الطابق الخامس كانت شقتهم السرية.

سائق السيارة العمومية الذي نقل ثلاثة منهم الى المطار أبلغ الشرطة عن الشقة. الشرطة لم تكن تعرف أي شيء عنها. وقد عثرت فيها على مواد متفجرة وأسيتون ومسامير. وفي القمامة وجدت حاسوب استخدمه المنفذون. حينما حاولنا دخول المبنى تم طردنا بالصراخ، لكن عشرات المراسلين قاموا ببث التقارير من أمامه.

أندر ليخت على الطرف الثاني للمدينة، هي سلامس في شمال افريقيا التي زرعت في داخل البيوت في غرب اوروبا، وطقس اوروبي. لا أحد يرغب في هذا الزرع. في شارع ستانبرغ، وهو شارع ضيق وصغير، اقتحمت الشرطة البيوت على أمل ايجاد مشبوه. وعرف المراسلون بالاقتحام وانتظروا بصبر في الخارج وشاهدوا كيف أن الشرطة تخرج بأيدٍ فارغة. اللقاء التالي كان مع الجيران الغاضبين. حينما طرقنا أنا وزميلي ينيف حليلي بوابة الدخول، هددنا الجار من أعلى بأنه سيصب زجاجة الماء التي بيده علينا.

مولنبك هو حي أعرفه جيدا من جولة الارهاب السابقة في بلجيكا. حيث اختبأ فيه صلاح عبد السلام بعد المجزرة في باريس. وقد بحث عنه البلجيكيون في أنحاء العالم مدة 26 يوما الى أن عثروا عليه على بعد 700 متر من البيت الذي تحصن فيه بعد العملية في باريس وهرب منه تحت أعين الشرطة. الجيران غير راضين عن الاهتمام العالمي بمنطقتهم. وقد وصل الامر حتى الى الضرب تقريبا أمس بعد الظهر.

في المساء، في ميدان البورصة، وقف مئات الشباب واشعلوا الشموع. وقد وضعت أعلام لدول مختلفة على جدار مبنى البورصة. وقد برز من بينها علم فلسطين. وعلى الشارع تم اشعال آلاف الشموع، مجموعة من الطلاب كانت تغني، مجموعة اخرى رفعت الشعارات ضد الكراهية والارهاب ومع الحب. الجميع صور الجميع وبعد ذلك ذهبوا الى النوادي الليلية قرب الميدان لشرب البيرة. كثير من الاعلام البلجيكية كانت في ميدان البورصة ولم تكن اعلام بلجيكية في مولنبك، سكاربك وأندر ليخت. وقد تكون هذه هي بداية كل القصة.