خبر بحث « إسرائيلي » عن أسباب فشل « اليسار »: تهميش الأيديولوجيا

الساعة 06:48 ص|24 مارس 2016

فلسطين اليوم

يدخل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في 31 مارس/آذار الحالي، عامه الحادي عشر في توليه هذا المنصب، لتكون بذلك ثاني أطول مدة في قيادة إسرائيل بعد رئيس الوزراء الإسرائيلي، المؤسس ديفيد بن غوريون. وعلى الرغم من أن سياساته وقراراته منذ تسلمه رئاسة الوزراء من العام 1996 لغاية 1999، وثم من العام 2009 لغاية اليوم، تثير جدلاً دائماً في إسرائيل، لا يوجد ما يؤشر على أن يسار الوسط، الذي يمثّل المعارضة، يمكن أن يزيح نتنياهو عن سدة الحكم في أية استحقاقات انتخابية مقبلة.

وتدلّ نتائج الاستطلاع الذي أجرته قناة التلفزة العاشرة الإسرائيلية، أخيراً، على انهيار قوة « المعسكر الصهيوني » الذي يمثّل يسار الوسط. ويضم هذا المعسكر كلاً من حزب « العمل » برئاسة إسحاق هيرتزوغ، وحزب « الحركة » بقيادة تسيبي ليفني، إذ تراجعت قوة المعسكر من 24 مقعداً إلى 15 مقعداً، في حين تعزّزت قوة وحضور اليمين، ويمين الوسط بشكل واضح.

وتكمن المفارقة في حقيقة أن قيادات وممثلي يسار الوسط عوضاً عن أن يطرحوا سياسات بديلة للسياسات والتوجهات التي يمليها نتنياهو، باتوا ينافسونه في تبني مواقف متطرفة. وقد جاهر عدد من الكتاب والباحثين من ذوي التوجهات اليسارية بالتعبير عن يقينهم بأنه لا يمكن منافسة نتنياهو واليمين خصوصاً. في حين اجتهد بعضهم في تحديد الأسباب التي أفضت إلى هذا الواقع. ويرى الكاتب اليساري آرييه شافيت أنّ أهم سبب يقف وراء عجز يسار الوسط عن إزاحة اليمين ونتنياهو، تكمن في عجزه عن طرح « رؤية قيّمة تختلف عن تلك التي يطرحها نتنياهو. ويكتفي يسار الوسط بشنّ حملات شخصية على نتنياهو ».

وفي مقال نشرته صحيفة « هآرتس » في عددها الصادر، أخيراً، ينوّه شافيت إلى أن يسار الوسط ظلّ يرفع شعار « إلا بيبي » (يمكن للجميع أن يحكم إسرائيل إلّا بنيامين نتنياهو)، مشيراً إلى أن الطابع الشخصي للنضال الذي شنّه يسار الوسط مسّ بمصداقيته وموضوعيته. ويلفت شافيت إلى أن المعارضة الإسرائيلية لا تملك رؤية جامعة تقابل الرؤية التي يطرحها نتنياهو، وهو ما يفسر نجاحه في البقاء بالحكم. ولا يساور شافيت الشك في أن التنافس على زعامة إسرائيل بات محصوراً باليمين، إذ يرى أنه في حال غاب نتنياهو، فإن من سيخلفه سيكون إما زعيم « البيت اليهودي »، نفتالي بنات، أو زعيم حزب « إسرائيل بيتنا »، أفيغدور ليبرمان.

من ناحيته، يرى الفقيه القانوني اليساري، زئيف شترنهال أن أخطر أزمة أفضت إلى فشل اليسار الوسط وجعلته غير ذي صلة تتمثل في استهانته بالأيديولوجيا، بخلاف اليمين الذي يمنح وزناً كبيراً لمنطلقاته الأيديولوجية، ويتعامل معها بجدية كبيرة ولا يتردد في النضال من أجل تطبيقها. وفي مقال نشرته صحيفة « هآرتس »، أخيراً، يشير شترنهال إلى أنه « في الوقت الذي لا يتردد ممثلو اليمين في تمرير قوانين والقيام بإجراءات تهدف للمس بحقوق المواطنين الفلسطينيين لدوافع أيدولوجية، فإنّ ممثلي يسار الوسط لا يبدون حرصاً على التصدي لليمين ». لكن وزير الدفاع والخارجية الأسبق، الليكودي موشيه أرنس، يختلف مع كل من شفيت وشترنهال، ويرى أن نجاح الليكود يكمن فقط في « تمكنه من توفير البضاعة الأكثر طلباً من قبل الجمهور الإسرائيلي، ألا وهي الأمن ».

وفي مقال نشرته صحيفة « هآرتس » في عددها الصادر، أخيراً، يضيف أرنس أنّ « الأمن هو قلب الحياة السياسية في إسرائيل »، موضحاً أن الحزب الحاكم الذي يوفر الأمن يواصل الحكم، والمعارضة التي تقدّم تصوّرات حقيقية لمواجهة تحديات أمنية تخفق الحكومة في مواجهتها ستنجح في خلافتها. لكن بغض النظر عن الأسباب التي تقف وراء مظاهر اليأس التي تعصف به، فإن يسار الوسط بات يصمم مواقفه بحيث لا تشذ كثيراً عن الخط العام الذي يمثله نتنياهو وحكومته« .

على صعيد متصل، لاحظ معلقون في إسرائيل أن هيرتزوع وقادة معسكره التزموا الصمت حيال دعوة نتنياهو وقادة حكومته لطرد عائلات منفذي عمليات المقاومة الفلسطينية. ويرى المعلق السياسي لقناة التلفزة العاشرة، رفيف دروكير، أنّ حديث هيرتزوغ عن موت حلّ الدولتين مؤشر على مغازلته لليمين، ويمكن أن يفسر على أنه محاولة للتمهيد لانضمامه لحكومة نتنياهو.

ومما لا شك فيه أن أوضح مظهر يدلل على تهاوي الفروق الأيديولوجية بين اليمين، والوسط، واليسار الصهيوني يتجسد في المواقف التي يعبّر عنها زعيم حزب »ييش عتيد« ، يئير لبيد، الذي يقدم نفسه كممثل للوسط الصهيوني. فإلى جانب انضمامه للدعوات التي تطالب بطرد عائلات المقاومين الفلسطينيين، واصل لبيد مغازلة غلاة اليمين، عندما دعا، أخيراً، في خطاب ألقاه في مستوطنة أرئيل، جنوب نابلس إلى تكثيف البناء في التجمعات الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية. وقال لبيد »يتوجب علينا البناء كالمجانين". وتبيّن لاحقاً، أن الجمهور الإسرائيلي كافأ لبيد وحزبه على هذه المواقف، إذ إنّ حزبه حصل في الاستطلاع الذي أجرته قناة التلفزة العاشرة على 21 مقعداً، أي أنه تمكّن تقريباً من مضاعفة قاعدة مؤيديه.