خبر الاعتقالات الليلية تزرع الرغبة لدى الفلسطينيين في الانتقام من الاحتلال

الساعة 08:40 ص|22 مارس 2016

فلسطين اليوم

بقلم: ناحوم برنيع

انضممتُ، الاسبوع الماضي، إلى قوة من الجيش « الإسرائيلي » نفذت اعتقالات في ضواحي رام الله، في المنطقة « أ ». وكان سلوك القادة والجنود، وبينهم مجندات، بلا شائبة: فقد تصرفوا داخل شقق الفلسطينيين بمهنية، لم يهددوا بالسلاح، لم يضربوا، لم يرفعوا صوتهم، لم يخربوا الممتلكات، لم يأخذوا أغراضا للتذكار. وجرى التحقيق الأولي داخل الشقق، بنبرة موضوعية. وبعدها اقتيد المعتقلون الى الخارج، مقيدي الايدي للخلف، ومعصوبي الاعين بخرق قماشية. وكان جنديان يسندان كل معتقل خشية أن يسقط، وكل شيء كان يسير حسب الكتاب.

سألت أحد القادة، الذي يقوم بهذا العمل كل ليلة، اذا كان يصعب عليه النوم بعد ذلك، فأجاب: « لا. هذا ليس لطيفاً ولكني لا ارى في ما نفعل هنا اساسا للصدمة ». والحقيقة انني أنا أيضا لم أرَ ذلك.

في الغداة أنتجت القناة 2 العاصفة الجديدة حول منظمة « نحطم الصمت ». وكانت هذه حالة نادرة لم يخرج فيها أحد نظيفا: لا شركة الاخبار التابعة لقناة 2، ولا وزراء الحكومة، ولا الجنرالات المتقاعدون، ولا « نحطم الصمت ».

نبدأ بالتلفاز: وكيل منظمة يمينية التقى في حوادث عابثة نشيطا من منظمة يسارية وسجل اسئلته في الخفاء. ولم يكن للتسجيل قيمة صحافية: أول من عرفوا بذلك كانوا كبار رجالات القناة: والسبب الوحيد الذي رفع هذا الى البث كان المنافسة بين شركة اخبار القناة 2 وقسم الاخبار في القناة 10 – منافسة تعاظمت مؤخرا وأنزلت القناتين الى الهوامش.

لتطهير الدنس دعي مسؤولون سابقون: آفي ديختر الذي كان رئيس المخابرات وآفي مزراحي الذي كان قائد المنطقة الوسطى. وقبل كلاهما الدعوة التلفزيونية، وأُهينا. لهذه الدرجة كان مهماً لهما أن يريا صورتيهما على الشاشة. وعندها قفز الى العربة وزراء الحكومة. وكما هو الحال دوما، كان أول من شخص الفرصة هو نتنياهو؛ وسار بوغي يعلون خلفه؛ فقد أعلنا كلاهما بأنه أمر بفتح تحقيق. وكلاهما يعرف بأنه ينثر الهواء في عيون جمهوره. ليس هناك من يمكن التحقيق معه، أو ما يمكن التحقيق معه فيه.

وكان آخر من جاء في الطابور « نحطم الصمت ». فالهجمات الكاذبة على هذه المنظمة تنسي الضعف الاساس في عملها. فلا يوجد اليوم صمت ولا يوجد ما يمكن تحطيمه: الاحتلال شفاف، علني، يرفع  الى التمجيد؛ فالحكم يؤمن بخلوده ويلوح به بفخار. والمخالفة التي يرتكبها جندي في الحاجز لاغية وباطلة مقارنة بالضرر الكامن في استمراره. فما بالك أيضا ان انتفاضة السكاكين غيرت قواعد اللعب في نقاط الاحتكاك بين الجنود والسكان؟ فاحتمال الخطر ازداد؛ والرد في الميدان تغير بما يتناسب مع ذلك. الجنود الذين كانوا في الماضي ينكلون ويهينون باتوا اليوم يطلقون النار كي يقتلوا. فهم يشعرون، وفي احيان قريبة عن حق، بان حياتهم في خطر. الجهاز القضائي يعطيهم اسنادا تاما، سواء أكان إحساسهم مسنوداً أم لا. وليس الجهاز القضائي وحده،  بل الرأي العام أيضا.

يسحب هذا الواقع البساط من تحت البرنامج الاساس للمنظمة. فلم يتبقَ لها غير البحث عن تبرير وجودها في كفاح سياسي ضد الاحتلال، في البلاد وفي الخارج. وفي هذا الكفاح يوجد لها منافسون كثيرون. فضلا عن ذلك، من الصعب التخلي عن الانشغال بجنودنا. « نحطم الصمت »، بالضبط مثل خصومها، تفهم بان جنودنا هم ذخر عاطفي. فهم دائماً أطفال، ليسوا راشدين بكل معنى الكلمة. « نحطم الصمت » ستحمي براءتهم من خلال تجنيدهم للمنظمة، ونتنياهو وباقي السياسيين سيحمونهم وكأنهم كانوا أطفالا في الروضة.

عودة الى الاعتقالات التي تنفذها قوات الجيش الاسرائيلي في المدن الفلسطينية. يخيل لي أن السؤال ليس الضرر الذي تلحقه هذه الاعمال، اذا كانت تلحقه، بالجنود، بل المنفعة العملية التي تنشأ عنها. فلم نعتقل قادة خلايا « ارهابية »، لم نعتقل منتجي أحزمة ناسفة، اعتقلنا شبانا رشقوا حجارة أو كتبوا اقوالا حماسية على الفيسبوك. هؤلاء الشبان سيقبعون لبضعة اشهر في السجن، وسيتحررون: فثمة حدود لاستيعاب السجون. السؤال هو ماذا فعلنا لإخوتهم وأخواتهم، للجيران الذين رأوهم يسيرون في ظلمة الليل الى المعتقل، مكبلين ومعصوبي العيون. فهل ردعناهم؟ إذا كانوا ردعوا، فهذا جيد. وربما، كبديل، زرعنا فيهم الرغبة في القيام بعمل ما. اذا كانت هذه النتيجة، فماذا فعلنا، وعلى ماذا يحرق قادة وجنود في الجيش الاسرائيلي لياليهم؟