خبر فلسطين و130 عاماً من التصدي والمقاومة والحضور ..عوني فرسخ

الساعة 12:24 م|20 مارس 2016

في العام 1886وقع الصدام الأول بين فلاحي الخضيرة ومستوطني «بتاح تكفاه» المستعمرة الناشئة بجوارهم على خلفية خسارتهم عملهم في الأرض التي بيعت للصهاينة. وفي العام 2016 رشح اودولفو بيريز اسكفيل، الأرجنتيني الحائز على جائزة نوبل للسلام، المناضل الأسير مروان البرغوثي لجائزة نوبل. وإن كان غير مرجح نجاح هذا الترشيح الكريم، غير أنه لا يدل فقط على الدعم العالمي المطّرد اتساعاً لتأييد المقاومة الفلسطينية، وإنما أيضاً على تراجع فعالية جماعات الضغط «اللوبيات» اليهودية في دولة كالأرجنتين تضم أكبر جالية يهودية فعالة في أمريكا اللاتينية، نتيجة الممارسات العنصرية «الإسرائيلية» في الأرض العربية المحتلة.

وعلى مدى المئة والثلاثين عاماً الماضية تواصل تصدي قوى الممانعة الفلسطينية للصهاينة، كما تعددت جولات مقاومة التجمع الاستيطاني الصهيوني، والمشاريع الأوروبية والأمريكية المستهدفة تمكينه من أداء وظيفته الاستعمارية في المشرق العربي. وبالممانعة والمقاومة فرض النضال الوطني الفلسطيني حضوره على الساحة الدولية كحركة تحرر وطني في مواجهة قوى الاستعمار والإمبريالية وأداتهما الصهيونية، المستهدفة الوجود التاريخي للشعب العربي في فلسطين، وإحلال التجمع الصهيوني الغريب محله ليشكل فاصلاً بين جناحي الوطن العربي، ما نعى لوحدته القومية وتقدمه على طريق مواكبة العصر.

وحين تقرأ المسيرة الفلسطينية منذ صدام الخضيرة يتضح أن أخطر التحديات التي واجهت، ولا تزال، قوى الممانعة والمقاومة إنما هي تخلف وعي ومعرفة النخب متصدرة الصفوف، وضعف ثقتها المريع بقدرات شعبها، وقصر نفسها في التصدي، وافتقادها استراتيجية إدارة الصراع مع الصهيونية ورعاتها على جانبي الأطلسي بل إنه خلال سنوات الانتداب، وبرغم وضوح انحياز الإنجليز للصهاينة منذ أيام الانتداب الأولى.

ومما يذكر أنه في أغسطس/ آب 1921توجه وفد برئاسة موسى كاظم الحسيني لمقابلة وزير المستعمرات ونستون تشرتشل، فأحالهم إلى الزعيم الصهيوني حاييم وايزمان الذي أبلغهم أن الهدف الصهيوني إنما هو إقامة دولة يهودية في فلسطين، وبرغم ذلك لم تسقط الزعامات الوطنية الرهان على «عدل» بريطانيا في فلسطين. والذي يدعو للأسى إعادة إنتاج الخطأ التاريخي للزعامة التقليدية من قبل محتكري قرارات منظمة التحرير وحركة فتح بزعامة ياسر عرفات، بإعلانهم سنة 1974 التزامهم حوار الصهاينة ومفاوضتهم خياراً استراتيجياً واعتمادهم مسلسل التنازلات عن الثوابت الوطنية سعيا لقبول الإدارة الأمريكية بهم، ما انتهى بهم لتوقيع اتفاق أوسلو، ومسخ الميثاق الوطني، والالتزام بالتنسيق الأمني مع سلطة الاحتلال.

إلا أن القوى الملتزمة بالممانعة والمقاومة خيار استراتيجي وبرغم كل المعوقات الداخلية والخارجية، تابعت مراكمة الإنجازات على درب صراع الوجود واللا وجود الممتد مع الحركة الصهيونية ورعاتها على جانبي الأطلسي. ما يستدعي التذكير ببعض أبرزها لعل ذلك يسهم باستعادة بعضهم الأمل بحاضر ومستقبل الشعب العربي في فلسطين.

ففي العام 1929 انتفض مواطنو القدس وعموم فلسطين في «هبة البراق» وأسقطوا سعي الصهاينة إحداث أمر واقع يعزز ادعاءهم في حائط «المبكى»، ويومها تساقط الشهداء والجرحى برصاص الإنجليز والهاغانا، وتسابق الأبطال محمود جمجوم، وعطا الزير، وفؤاد حجازي على حبل المشنقة، في مشهد وطني تاريخي.

وفي العام 1935 أبدع الشيخ عز الدين القسام أمثولته الاستشهادية مستنهضاً إرادة الممانعة والمقاومة المتجذرة في الثقافة العربية الإسلامية، وفي السنة التالية كان مريدوه أبرز قادة ثورة 1936، التي أوقفتها «اللجنة العربية العليا».

ولقد نجحت قوى الممانعة والمقاومة، المدعومة من عمقها العربي، في إفشال وعد بريطانيا لحاييم وايزمان بأن تكون فلسطين يهودية كما هي إنجلترا إنجليزية. ودليلنا أنه عند نهاية الانتداب سنة 1947، وبرغم كل الضغوط البريطانية وجهود يهود أوروبا والولايات المتحدة، ودعمهم الاستيطان الصهيوني، كانت فلسطين عربية كما ذكر أشجع المؤرخين «الإسرائيليين» الجدد ايلان پاپه، بأن الصهاينة لم يجاوزوا ثلث السكان، ولم يحوزوا سوى 5,7% من الأرض. ويقرر بأن الأمم المتحدة لو أنصفت لما أعطتهم 10% من أرض فلسطين.

وبرغم النكبة وتداعياتها الخطرة على المجتمع العربي الفلسطيني أفشلت القوى الوطنية كل مشروعات التوطين الأوروبية والأمريكية، والقبول الرسمي العربي بها. وبمبادرة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ودعمه تشكلت منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964، الإنجاز الوطني الأبرز بعد النكبة، وأصدر المجلس الوطني برئاسة الراحل أحمد الشقيري «الميثاق القومي» بالنص على رفض وعد بلفور، وقرار التقسيم، واعتماد كل وسائل المقاومة، بما فيها الكفاح المسلح، سبيلاً لتحرير الأرض المحتلة سنة 1948 وعودة اللاجئين واستردادهم أملاكهم والتعويض عليهم.

وتزامن ذلك مع توالي بروز فصائل المقاومة، التي استقطبت مشاركة ودعم المناضلين من مشرق الوطن العربي ومغربه، وأعادت بعطائها من دم الشهداء والجرحى، الاعتبار للكفاح الوطني الفلسطيني.

وبعد 23 سنة من فضيحة إقرار اتفاق أوسلو، ومسخ «الميثاق الوطني» دخلت انتفاضة فتيان وفتيات فلسطين، الذين ولد أغلبيتهم بعد الاتفاق كارثي النتائج، شهرها السادس، مؤكدة أن تصدّى قوى الممانعة والمقاومة الفلسطينية للكيان الدخيل في تجدد دائم، وتطور نوعي، فارضة على التجمع الاستيطاني الصهيوني وصناع قراره قلقاً متزايداً، وحضوراً مؤثراً في أرض عصِّية إرادة شعبها على الاستسلام.