خبر خطورة انتفاضة لا تبدو نهايتها

الساعة 06:54 ص|14 مارس 2016

فلسطين اليوم

حلمي موسى

تبدو الهبّة الشعبية الفلسطينية الجارية أشد أثراً على الإسرائيليين من الانتفاضات السابقة لاعتبارات كثيرة بينها أنها تجري بعد أن «اقتربت اللقمة من الفم» كما يقال.

فإسرائيل التي ترى الوطن العربي حولها وهو يتخبط في دماء أبنائه التي تراق بأيدي أبنائه وترى كيف تتدهور المجتمعات العربية نحو نحر ذاتها، لا تجد ما يمنعها من الفرحة سوى هذه الهبّة وبقاء روح المقاومة والاعتراض.

ورغم مظاهر الامتعاض التي تبديها إسرائيل تجاه ما يبدر عن أوضاع عربية من رفض للتطبيع، كما في مصر والأردن، أو رفض لإظهار التحالفات كما في العلاقات مع عدد من الدول العربية في مواجهة إيران، فإن أكثر ما يشغل الإسرائيليين هو خطر المقاومتين الفلسطينية واللبنانية.

ومن الجائز أن إعلان الجيش الإسرائيلي مؤخرا عن أنه يرى في حزب الله جيشا بكل معنى الكلمة، وليس منظمة غوارية كما كان الحال سابقا، يمهد لتغيير استراتيجية التعامل معه. ومعروف أن العديد من المفكرين الاستراتيجيين الإسرائيليين، مثل الجنرال غيورا آيلاند، يرددون منذ سنوات نظرية استحالة هزيمة حزب الله إذا تم حصر المواجهة معه في قواته وموارده وحتى في بيئته الحاضنة. وردد كثيرون عبارات من نوع أنه من دون اعتبار كل لبنان، بصرف النظر عن الطوائف وتمركزها الجغرافي، وحكومته وجيشه ومقاومته، عدوا واحدا موحدا تصعب هزيمة حزب الله أو حتى ردعه.

ووفق منطق «تدفيع الثمن»، فإن الهدف هو الردع ولذلك ظهرت نظرية «الضاحية»، والتي برهنت الأحداث في لبنان وغزة على عدم نجاعتها. ولهذا السبب يتطلع استراتيجيون نحو العودة إلى نظرية الحسم وتحقيق النصر وهي نظرية ترى الأغلبية استحالة العمل بها في الظروف الإقليمية والدولية الراهنة.

ولهذا السبب تنظر إسرائيل بارتياح إلى ما قررته الجامعة العربية من اعتبار حزب الله ضمن التنظيمات الإرهابية آملة أن يقود ذلك إلى نوع من الصدام الداخلي الذي يزيد انشغال المقاومة بحماية نفسها. وليس مستبعدا أنه ضمن توقعات إسرائيل أن يدفع الصدام الداخلي حزب الله للسيطرة على الحكم في لبنان ما يسهل التعامل معه أيضا كنظام حكم ما يفرض معادلات جديدة. في كل حال فإن خطر حزب الله يبقى في نطاق ما يسمى بالخطر الكامن والمحتمل في حين أن الخطر البادي في الهبّة الفلسطينية واقع يتجسد في كل يوم.

وما يحير الإسرائيليون أكثر من أي شيء سرعة انتقال خطر الهبّة الفلسطينية من الضفة الغربية إلى داخل الخط الأخضر ومن الاشتباك المحدود إلى المواجهة الشاملة في الضفة والقطاع. ويزيد هذه الحيرة مفارقة التعامل مع السلطة الفلسطينية التي تعيش هي الأخرى أزمة بنيوية خطيرة. فلا معنى للسلطة الفلسطينية من دون اثبات دائم وواضح بأنها تتقدم نحو تحقيق الأهداف التي نشأت من أجلها وهي إيصال الفلسطينيين في الضفة والقطاع إلى الدولة المستقلة. ولكن حكومة إسرائيل الحالية وميول الشارع الإسرائيلي لا تتجه نحو تسهيل تحقيق هذا الهدف لذلك هناك محاولة فلسطينية رسمية دائمة للتصارع مع إسرائيل في المحافل الدولية انطلاقا من الإيمان بأن ميزان القوى على الأرض في غير صالحها.

ولكن هذا ليس موقف الشارع الفلسطيني الذي ضجر من انتظار التغيير عبر المفاوضات فانطلقت طلائع منه لإحداث التغيير على الأرض. صحيح أن كل التفكير الإسرائيلي يفسر الهبة الشعبية الحالية بتعابير يأس من تغيير الواقع لكن الشعور الفلسطيني يختلف عن ذلك. فالفلسطيني يرى في عمليات الطعن والدهس محاولة لاستخدام ما توفر من سلاح في ظل واقع جديد. وهو بذلك يواصل منطق استخدامه سابقا للحجارة حينما كانت قوات الاحتلال متواجدة في داخل مدنه وبلداته.

وفي كل حال، فإن ما يجعل الإسرائيليين أشد كدرا من هذه الهبة ازدياد إيمانهم بأنه، مهما تحسنت ظروفهم ومالت موازين القوة لصالحهم، لا يملكون أملا في تغيير واقع العداء. وهذا ما يظهر في نتائج استطلاعات الرأي التي صارت تعبر عن مزيد من التطرف في الجانب الإسرائيلي لا يؤمن بالتعايش ويميل إلى المطالبة بالترحيل والإبعاد. ويشرح كتّاب إسرائيليون بشكل متزايد كيف ذوى أمل راود كثيرا من الإسرائيليين في الماضي بإمكانية تحقيق السلام والتعايش إما عبر استخدام القوة أو عبر الحكمة والمفاوضات. فالهبة الجارية وفق ايتان هابر في «يديعوت» تشير إلى قناعة الإسرائيليين راهنا بأنه «بعد الانتفاضة الحالية ستأتي التالية، وبعدها واحدة اخرى وواحدة اخرى. ولعل هذا لن ينتهي ابدا».ويكتب أن «هذه الانتفاضة أشد خطرا علينا من سابقتيها لانها ملقاة على عاتق الشبيبة الفلسطينية المحبطة والسئمة. هم على ما يبدو، من ناحيتنا، جيل ضائع. وهم سيكبرون مع الكراهية والسكاكين، وسيجعلون ايام صباهم اسطورة فلسطينية. سنلتقيهم في لاحق الطريق». وفي نظره أن «الجديد في هذه الانتفاضة، خلافا للانتفاضتين السابقتين، هو الشعور هذه المرة بأنه ليس لهذا الامر نهاية. أبناء الاولاد الفلسطينيين الحاليين ـ الذين يشارك بعضهم بنشاط في الانتفاضة ـ سيكونون جزءا من الانتفاضات التالية ايضا. الاطفال الصغار اليوم هم المقاتلون غدا. وهم سيتعلمون على نحو افضل أسرار استخدام السكين، وسيخرجون الى الشوارع عندما يكون كل مواطن اسرائيلي، صغيرا كان أم شيخا، هدفا. الالوان على بوسترات الشهداء من الانتفاضة الحالية ستبهت كي تخلي المكان للشهداء الجدد. ليس لدى الشعب الفلسطيني مال، ليس له طعام، ولكن لديهم أناس كالرمل الذي على شاطئ البحر. قد نكون نستخف بهم، ولكنهم لا يستخفون بنا».