خبر القدس – الدائرة الثانية - اسرائيل اليوم

الساعة 09:45 ص|04 مارس 2016

فلسطين اليوم

بقلم: نداف شرغاي

          (المضمون: على مدى السنين خلقت الشراكات في القدس مصالح اقتصادية وتعلقا متبادلا وكذا مسيرة « اسرلة » لبعض من عرب شرقي المدينة. وكان لشبكة العلاقات هذه عمليا دور باعث على الاعتدال، منع  ولا يزال يمنع التطرف والارهاب - المصدر).

          صندوق زائد واحد و500 اسرائيلي أموا يوم الخميس الماضي مغارة صديقياهو المفعمة بالاساطير والغموض، المجاورة للمكان الاكثر عرضة للعمليات في القدس في الاشهر الاخيرة – باب العمود.كل البطاقات – المدعومة حكوميا كما ينبغي القول – بيعت. وقد وصل الجمهور في سفريات منظمة الى باب المغارة وتجمع في النهاية من هناك واعيد الى المحطة الهادئة والامنة في غربي المدينة. أما باب العمود فلم يره الزوار الا عبر زجاج الباص. ورغم ذلك فان عددا اقصى من الاسرائيليين يظهر في هذا المكان وفي هذا الزمان – ليس أمرا مفهوما من تلقاء ذاته.

          طريقة التسفير المنظم التي تتجاوز نقاط الاحتكاك والخطر وتجلب الجمهور الى نقطة الجذب السياحية او الدينية، ليست جديدة. وقد استخدمها هنا رجال الشركة لتطوير شرقي القدس وسلطة تطوير القدس ممن يستثمرون الكثير لتعزيز وتثبيت العلاقة الهزيلة في هذا الزمن بين الجمهور الغفير وبين المواقع المقدسية الساحرة كمتنزه الاسوار، حديقة عوفل او غارة صديقياهو. في جنوب القدس يستخدمون التسفير القادة الدينيون والاثرياء لاجل جلب مئات الالاف كل سنة الى قبر راحيل، تماما حتى مدخل النطاق المحصن، على خط التماس بين بيت لحم والقدس.

          كقاعدة، لا ينقص القدس احداث عامة ومهرجانات، ثقافية، موسيقية، سينمائة يهودية وموسيقى جاز. وفي الاشهر الاخيرة جرى العمل على بضع حملات لجذب المزيد من المتنزهين الى المدينة. وبالتوازي خصصت الحكومة 100 مليون شيكل لمساعدة اصحاب الاعمال التجارية ممن تضرروا على سبيل التعويض، ولكن رغم كل شيء – السطر الاخير هو أن الارهاب يساوي الشلل الاقتصادي، وان لم يكن الشلل- فبالتأكيد الضرر الشديد. وتشعر القدس بذلك على جلدتها.

          الف رجل اطفاء سيجدون صعوبة في شطب أثر حدث طعن واحد في باب الخليل في الطريق الى المبكى، أو اطلاق النار في باب العمود أو زجاجة حارقة في التلة الى جيلو. « تغليد » المنظمة التي تنقل جوا لزيارة البلاد عشرات الاف الشبان اليهود من الشتات، تنقذ الوضع قليلا، ولكن رؤيا عشرة ملايين سائح في قدس نير بركات تبدو هذه الايام أبعد من أي وقت مضى.

          السياحة هي واحد من شرايين الحياة في القدس. نحو 80 في المئة من السياح الذين يصلون الى اسرائيل يأتون الى العاصمة، نحو 2 مليون في السنة. واحد من كل ستة مقدسيين يعمل في الفرع. نحو 25 في المئة من مداخيل العاصمة تقوم على اساس السياح. وعندما يهتز الامن، فان السياحة وفروعها هي أول من يتضرر. والضرر عرضي، من مستوى سائق السيارة العمومية ومحلات السوفينير والحلي، عبر مرشدي السياحة، المطاعم واماكن الترفيه وحتى الفندق ومعدلات اشغاله.

          هدوء نسبي في القدس. عدد العمليات انخفض، ولكن تأثير موجات الارهاب على الاقتصاد المقدسي بعيد المدى. الانباء الطيبة هي أن الشرطة والمخابرات تنجح في السيطرة على العديد من بؤر الاشتعال؛ فقد اعتقل الالاف وقدم المئات الى المحاكمة. واذا كان في الربع الاخير من العام 2015 في القدس 242 عملية قاسية (سكاكين، نار، دهس وعبوات ناسفة) ففي كانون الثاني 2016 هبط العدد الى 35 فقط (معطيات شباط لم تتوفر بعد). كما أن الاغلاقات على بعض من الاحياء في شرقي القدس – كالعيساوية وجبل المكبر – فعلت فعلها، الى أن رفعت. اما الانباء المتشائمة فهي أن الحياة الاقتصادية والسياحية بعيدة عن العودة الى العاصمة.

          اغلاق عشرات المطاعم

          الاشغال السنوي المتوسط للفنادق في العاصمة يبلغ 70 في المئة، ولكنه كان في كانون الاول الماضي 41 في المئة فقط. ويقول مدير عام اتحاد الفنادق في المدينة، آريه زومر، انه مقارنة بكانون الاول 2014، يعد هذا انخفاضا بمعدل 17 في المئة. ومقارنة بكانون الاول 2013 فهو انخفاض بمعدل 33 في المئة. كانون الثاني هو الاخر كان ضعيفا. « الفنادق تقلص قواها البشرية »، يقول، « تغلق طوابق وتخرج عاملين الى الاجازة، وكل ذلك من اجل البقاء على قيد الحياة ». ويشير زومر الى أن موجة الارهاب « تلتقي وضعا اقتصاديا سيئا في دول كروسيا او ايطاليا. ولهذا فان الضرر يتعاظم اكثر فأكثر. اما الانخفاض الاشد فهو في السياحة الداخلية، الاسرائيلية؛ الضرر المعتدل أكثر هو في السياحة الخارجية وكذا في الحجيج الديني ».

          ليلاخ حاييم، وكيلة سفريات قديمة، تدير اساس عملها مع جماعات الحجاج من الخارج، تشير هي ايضا الى الربط بين تعثر الحظ والازمة الاقتصادية الحادة في دول كروسيا، ايطاليا والسوق اللاتينية وبين الوضع في البلاد. وتقول حاييم انه « رغم هذا، فان الضرر الاشد في السياحة المقدسية يلحقه الاسرائيليون بانفسهم. السياحة الداخلية الى القدس »، كما تشهد حاييم وتشهد شوارع المدينة ايضا، « كادت تختفي. فالاسرائيليون يتنفسون ويعيشون واقع الارهاب والتهديد بالارهاب في العاصمة اضعاف ما يفعله الجمهور الاجنبي. فكل حدث حتى وان كان هامشيا – يبلغ عندنا على الفور وبتوسع. اما في الخارج، بالمقابل، فان اسرائيل ومشاكلها ليست في مركز الاهتمام. كانت لدينا مجموعات زارت مدينة داود، بينما الاسرائيليون انفسهم خافوا ولم يأتوا. بالمقابل، فان السياح من الخارج، من الهند ومن الولايات المتحدة ممن هم أقل وعيا واطلاعا – فقد جاءوا ولم يخافوا.

          شمعون زيمر، مرشد سياحي، مثل ليلاخ حاييم يعمل اساسا مع الحجاج الدينيين، يشعر بان الضرر شديد في هذا الفرع من السياحة ويروي عن الغاءات عديدة لزيارات من الولايات المتحدة، من كندا ومن اوروبا: لقد قلصت شركات كبيرة عدد ايام العمل الى أربعة في الاسبوع لتفادي الاقالات. ومطعم مؤسسة الكارثة والبطولة التي هي احد مقاييس عمق الازمة يشعر هو ايضا بالانخفاض الحاد في عدد الزوار ».

          ويصف رئيس منتدى السياحة في القدس، ميخائيل فايس واقعا مشابها فيقول: « الوضع في هذه اللحظة غريب: فمن جهة انخفضت كمية العمليات في المدينة جدا ومن جهة اخرى لا توجد مؤشرات على أن السياحة اليوم بما فيها الداخلية تعود الى المدينة. هناك تآكل بمعدل 30 في المئة في كمية السياح وفي المداخيل من السياحة. وفي الاشهر الاخيرة اغلقت عشرات المطاعم والمحلات التجارية في مجال الغذاء في القدس. اما الدولة والبلدية فتفعلان كل شيء لتغيير الوضع، ولا شكوى عندي تجاههما. المشكلة هي الجمهور الذي قرر اغلاق بيته على نفسه ».

          « فليأخذهم الشيطان »

          من يعانون بقدر لا يقل عن ذلك هم التجار والفنادق في شرقي القدس ولا سيما في البلدة القديمة. وهناك ايضا يشعر التجار بالانخفاض الحاد في عدد الزوار. انخفاض بعشرات في المئة في الانتاجية وفي الاشغال في الفنادق وباحباط شديد. جورج، صاحب مطعم في شارع الواد في البلدة القديمة يصف ما حصل لعمله بعد العملية التي قتل فيها أهرون بينيت ونحمايا لفي قبل بضعة اشهر فيقول: « هذا المحور، الذي يربط بين باب العمود والاقصى والمبكى، كان خليط مبارك من اليهود، المسلمين والسياح من كل العالم. وقد انعشونا اقتصاديا. اشتروا من محلاتنا السياحية، حلويات، احذية، البسة. اما اليوم فنصف الاعمال التجارية هنا ميتة. بعضها اغلق. بعضها اخذ اجازة. الارهاب والتطرف سيئان لنا. فليأخذهما الشيطان ».

          مريك شتيرن، باحث في معهد القدس للبحوث الاسرائيلية يعمل على بحث شامل يعنى باندماج سكان شرقي القدس في سوق العمل في المدينة. وفي تشرين الاول عرضنا هنا اساس نتائج بحثه: 66 في المئة من العاملين في فرع البناء في القدس هم عرب شرقي المدينة؛ نحو ثلث عاملي الصناعة؛ 75 في المئة من العاملين في فرع الفندقة؛ 52 في المئة من عاملي فرع المواصلت (اساسا سائقين في ايجد، السيارات العمومية والقطار الخفيف) و 22 في المئة من عاملي الرفاه الاجتماعي. فالتعلق المتبادل هائل.

          الخوف متبادل

          في الاشهر التي سبقت تقدم شتيرن في بحثه. فقد وجد أنه في سنوات 2006 – 2014 ارتفع معدل الاجيرين العرب من شرقي المدينة في قوة العمل الاقتصادية المقدسية من 22 في المئة الى 28 في المئة. وانه حتى في سنوات التوتر الاخيرة تواصل الارتفاع وازداد التعلق: في مجال البناء وصل معدل العاملين العرب 69 في المئة وفي خدمات المواصلات 55 في المئة. هذا الاسبوع التقى مجموعة بحث من شعفاط. والى جانب التعلق شخص هناك خوفا واحباطا. وينبع الاحباط من السقف الزجاجي الذي لا ينجح العاملون العرب في اقتحامه. فهم يعملون اساسا في الاعمال اليدوية وفي الخدمات، اعمال الياقات الزرقاء.

          « الخوف ينبع من انه في الواقع القائم تجدهم يشعرون غير مرة مهددين في المجال اليهودي، الذي من ناحيته يشعر مهددا من العرب الذين يصلون اليه. هذا خوف متبادل »، كما يشير. وروى المشاركون في مجموعة البحث بانهم قللوا مؤخرا زياراتهم الى المجالات المشتركة التي كانوا يأمونها في الماضي، في الحدائق، في التجمعات التجارية وفي مراكز الترفيه. « من ناحيتهم، التركيز الان هو مهني – تشغيلي. في الماضي ايضا كانت هناك علاقات شخصية اكثر، اما اليوم وعلى خلفية التوتر الشديد، قلت هذه العلاقات بمعدل كبير ».

وبالفعل، ما سمعه شتيرن في شعفاط تبثه الارض على طول كل الجبهة: فمؤخرا فقط رفضت نحو مئة مربية اطفال من شرقي القدس الوصول بالمواصلات العامة الى اجتماع تعليمي عقد في متحف التراث في غربي المدينة. فقد خاف اهالي احدى المدارس في بيت حنينا من ارسال ابنائهم الى المدرسة ثنائية اللغة في القطمون للجلوس لامتحان البجروت هناك. وبالمقابل تمتنع المدارس اليهودية من التجول والزيارة في القدس. في محطات القطار الخفيف على طول طريق رقم 1 يستخدمها العرب اساسا، أما المحطات على طول شارع يافا فيستخدمها اليهود اساسا. اما الاختلاط فقل. هذه هي جغرافيا الخوف. وبعد أن تنطفيء موجة الارهاب سيعود الاختلاط، والندبات ستبقى. هكذا كان في الماضي وهكذا على ما يبدو سيكون هذه المرة.

*   *   *

          مريك شتيرن هو الاخر، كرجل يساري، يعارض مبادرة التقسيم/الفصل التي طرحتها « الحركة لانقاذ القدس ». وهو يقول: « انا بالذات كرجل يساري اعارض جدا هذه المبادرات. هذا برأيي معيب جدا. صهيونية سياسية لاناس لا يعيشون في القدس، ولا يفهمون الوضع على الارض. فلا يمكن العودة هنا الى واقع المدينة المقسمة. الامكانية الوحيدة لهذه المدينة للازدهار هي من خلال الحياة المشتركة. وعلى الاطار السياسي للعيش المشترك يمكن أن نتجادل، أما المجال فيجب أن يبقى مفتوحا. فلا يمكن سحب الحقوق من 200 الف شخص. هذا ليس ممكنا لا قانونيا ولا أخلاقيا ».

          وبالفعل، فان الغالبية الساحقة من سكان المدينة – 86 في المئة من اوساط العرب و 75 في المئة من اوساط اليهود – لا يتذكرون على الاطلاق واقع لمدينة مقسمة. فقد ولدوا في واقع المدينة الواحدة. في الايام العادية تجري في المدينة انسجة عديدة من الحياة الطبيعية والمشتركة واختلاطات من انواع مختلفة. وعلى مدى السنين خلقت هذه الشراكات مصالح اقتصادية وتعلقا متبادلا وكذا مسيرة « اسرلة » لبعض من عرب شرقي المدينة. وكان لشبكة العلاقات هذه عمليا دور باعث على الاعتدال، منع  ولا يزال يمنع التطرف والارهاب.

          حتى اليوم، فان الشراكات العديدة التي تواصل الوجود في الصحة، في المواصلات وفي التجارة، تمنع تطرف جماهير غفيرة والانجرار الى دائرة الارهاب، التي لا تضم اكثر من الاف قليلة. ولولا التعلق المتبادل – كما يقدر مصدر امني – لكان يمكن للواقع الامني ان يكون اشد باضعاف. « التعلق والاختلاطات وان كانت تخلق مخاطر ومجالات اصابة، الا ان فيها ايضا تأثير اعتدالي على الدوائر الواسعة من السكان ». ويقول المصدر انه « يوجد لاسرائيل مصلحة في تشجيع مثل هذه الشراكات ».