خبر إرفع رأسك فأنت معلم - هآرتس

الساعة 09:43 ص|04 مارس 2016

فلسطين اليوم

بقلم: عميره هاس

          (المضمون: اغلبية الجمهور الفلسطيني تؤيد اضراب المعلمين ولا تقبل ادعاء أن دوافع الاضراب هي دوافع حزبية - المصدر).

          حسيب، هو معلم من رام الله منذ 27 سنة، راتبه الاساسي 2400 شيكل، ومع اضافات الاقدمية يصل راتبه الى 3600 شيكل. شقيقه الاصغر منه يعمل في جهاز الامن الوقائي براتب 4700 شيكل. ويقول زاهر، صديقه: « ليس هناك توزيع متساو للاجحاف ». مثل آلاف المعلمين الآخرين ورغم المنع الرسمي، فان حسيب يعمل بعد الظهر في وظيفة اخرى في مكتب. معلمون آخرون يعملون في الافران لاكمال الدخل وعلى بسطات الفلافل وسائقين للسيارات العمومية. في الاسبوع الرابع لاحتجاج المعلمين في مدارس الحكومة، انتقلت الاضرابات الجزئية الى اضراب كامل. حوالي 700 ألف طالب، منهم 87 ألف يستعدون لامتحان الثانوية العامة، هم الخاسرين المباشرين. ويحذرون في وزارة التربية والتعليم أنه سيكون من الصعب جدا تعويضهم عن الساعات الضائعة. ورغم أن الوزير صبري صيدم زعم هذا الاسبوع أن 70 في المئة من المعلمين عادة للتدريس، بينما ممثلو المعلمين ينفون ذلك. صيدم تحدث ايضا عن خوف الاهالي على اولادهم.

          تطلب الحكومة عودة المعلمين من اجل القيام بواجبهم الوطني في التعليم، وعندها ستتم مناقشة مطالبهم، لكنها تقول مسبقا إنه لا توجد اموال كافية للاستجابة لجميع هذه المطالب. لقد ضاق المعلمون ذرعا من التمييز والتأجيل والذرائع. ايضا القتلى الفلسطينيين الكثيرين والاعتقالات والاقتحامات العسكرية الاسرائيلية على القرى والمدن لا تردعهم. فهم يريدون رفع الأجر الاساسي واضافات الاقدمية والتقدم مثل باقي موظفي القطاع العام والمتعلمين واضافة غلاء المعيشة وشروط تقاعد متساوية للنساء وانتخابات ديمقراطية لاتحاد المعلمين. وهناك من يقول إن شرارة الاحتجاج المتجدد كانت قبل شهرين عندما تم ترفيع 180 موظفا في القطاع العام، الى جانب اضافة 400 – 600 شيكل الى الأجر الشهري لمرافقي الشخصيات الهامة الفلسطينية.

          يبدو أن السلطة الفلسطينية تعتبر الاضراب تهديدا مباشرا لها: المجلس التشريعي مشلول منذ 2007 ولا توجد رقابة على السلطة التنفيذية وفتح فاعلة في السلطة بما في ذلك الاتحادات المهنية، رغم تراجعها كحركة سياسية، وتركيز اتخاذ القرارات ووضع السياسة في يد شخص واحد هو محمود عباس. الاضراب انشأ ديناميكية من الدمقرطة والتعاون بين جماعات سياسية ومدنية مختلفة وتجدد الانتقال العلني لميزانية السلطة والحجم المبالغ فيه، للاجهزة الامنية. استطلاع الرأي الذي نشر أمس أظهر أن اغلبية الجمهور (84 في المئة) تعتقد أن الاضراب محق، وهي لا تقبل الادعاء بأن الاعتبارات الحزبية هي التي تقف من وراء الاضراب، أي حماس ضد فتح والسلطة الفلسطينية.

          حتى هذا الاسبوع كان عباس صامتا. « لو كان يريد حل المشكلة لكان استطاع ذلك »، قال بامتعاض عضوين قديمين من فتح. وكالعادة فان الصمت أوجد تفسيرات مختلفة في اوساط فتح: هو غير مهتم، ومستشاروه لا يقومون بابلاغه وهو يبحث عن مبرر لاسقاط الحكومة. ولكن منذ يوم الثلاثاء، في عدد من اللقاءات للقيادة الفلسطينية – اللجنة المركزية لفتح، اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف والمجلس الثوري لفتح – تحدث عدد من المرات في موضوع المعلمين. وتحدث عن دورهم الوطني واحترامهم وأهميتهم وطلب منهم العودة الى العمل.

          بعض الصور من جلسة رئيس الحكومة رامي الحمدالله ووزير التعليم ورؤساء الاجهزة الامنية والمحافظين في يوم الاثنين، اثارت التقديرات حول وجود خطة لقمع اضراب المعلمين ومظاهراتهم. وثار الصخب من النبأ الذي تم نشره في مواقع الانترنت وهو أنه تم اعطاء الاوامر في طولكرم للسماح بوجود احتجاجات جماهيرية فقط اذا تم تقديم طلب ترخيص لذلك قبل 48 ساعة. وهذا كما قيل، استنادا الى المادة رقم 12 من 1982. « أي أوامر اسرائيل من فترة الاحتلال المباشر »، كما كانت تعليقات بعض الجمهور. الاستخلاص واضح: السلطة الفلسطينية لا تخجل من أخذ الوحي من الاوامر العسكرية الاسرائيلية. الكتاب والمعلقون احتفلوا في الفيس بوك، ولكن الشبكة المحلية « وطن » التي تغطي اضراب المعلمين باهتمام وتأييد، قالت عن تلك الاوامر إنها تستند الى القانون منذ 1998، أي قانون السلطة الفلسطينية. هل كان « 1982 » زلة قدم أم خطأ مقصود؟.

          لا يمكن معرفة الاجابة، وفي جميع الاحوال فان الشرطة الفلسطينية لا تمنع المعلمين من التظاهر في مدن الضفة الغربية بدون ترخيص. التأييد الجماهيري للمعلمين أقوى من قدرة الاجهزة على قمعهم. مع ذلك في مخيم بلاطة للاجئين في نابلس تم تهديد المعلمين. مجموعة من الملثمين قالوا إنهم من « شهداء الاقصى » و « صقور فتح » أجروا في يوم الثلاثاء مؤتمرا صحفيا تحدثوا فيه عن « مؤامرة أعداء الشعب الفلسطيني » وحذروا من أنهم سيضربون من يحاول ضرب عباس والسلطة مثلما ضربوا في السابق الخونة المتعاونين وطلبوا من المعلمين العودة الى العمل. وقد كان هذا تلميحا الى أن الاضراب هو خيانة وتعاون. هناك اساس للاعتقاد بأنه وراء المؤتمر الصحفي المهدد تقف الاجهزة الامنية التي ترتبط مع سلطة محمود عباس المركزية وتدافع عنه باسم الوطنية والوطن.

          وسائل الاعلام الرسمية عادت وتحدثت هذا الاسبوع في جميع نشرات الاخبار عن معلمة من الخليل تم رش غاز الفلفل عليها من قبل اشخاص مجهولين. وليس صدفة أنها من بين الممثلين القلائل الذين وقعوا على اتفاق العودة الى العمل مع البلدية. رموز السلطة نددوا بهذا التهجم الذي لا يتساوق مع سلوك المعلمين الانضباطي. وجاء أمس أن هناك تطور خطير قد حدث، حيث أطلق مجهولون النار على بيت وسيارة أحد ممثلي المعلمين المضربين في دورا.

          الكثير من اعضاء فتح يؤيدون المضربين. اثنان تجرءا على تأييدهم بشكل علني، استدعيا للتحقيق في الشرطة وهما بسام زكارنة، عضو المجلس الثوري لفتح وكان ايضا رئيس اتحاد موظفي القطاع العام الى أن تم حله بأوامر عليا. وقد « اصبح مطاردا » بعد أن بحث رجال أمن فلسطينيين عنه. نجاة أبو بكر، عضوة فتح في المجلس التشريعي، تم استدعاءها قبل اسبوعين للتحقيق عند المدعي العام بعد قولها في مقابلة صحفية إن لديها أدلة على الفساد: الوزير رفيع المستوى يأخذ الاموال مقابل بئر تم استصلاحه. والوزير قال إن البئر توجد في اراضي عائلته الخاصة واتهم أبو بكر بالافتراء. وحسب رأيها ورأي زملاءها في المجلس، فان الاستدعاء الى التحقيق هو اخلال بالحصانة البرلمانية. وقالت إن المجلس التشريعي المشلول يدفعنا الى التوجه الى وسائل الاعلام. وبدل الذهاب الى التحقيق وجدت ملجأ لها في مبنى المجلس التشريعي في رام الله ولم تخرج منه منذ 11 يوما. ويحاول رجال الامن الفلسطيني منع الصحفيين والمصورين من الدخول اليها، لكن تدفق الزوار والمؤيدين لا يتوقف. وقد أجريت مظاهرة تأييد من كل الاحزاب في ساحة المجلس، بما في ذلك حماس. أبو بكر وآخرون على قناعة أن أمر الاعتقال والتحقيق ينبع من سببين. فهي تؤيد المعلمين وايضا تم تصويرها قبل بضعة اشهر في القاهرة مع محمد دحلان الذي يكرهه محمود عباس.

          في يوم الثلاثاء قرب مبنى المجلس التشريعي وقف حسيب وزاهر بين مئات المتظاهرين. قوات كبيرة ومخيفة لوحدة القمع في الشرطة الفلسطينية انتشرت على جانبي شارع خليل الوزير ومنعت المعلمين من الاقتراب من مبنى وزارة التربية والتعليم حيث يوجد هناك ايضا مقر الحكومة. هذا الامر كان في صالح المعلمين. فبدل التظاهر أمام الجدران الصماء للمباني الفاخرة توجه المحتجون باتجاه المنارة في وسط المدينة، كبار وصغار، رجال ونساء، متدينين وعلمانيين، يساريين ومحافظين، مؤيدين لفتح وحماس وغير حزبيين، مواليد مخيمات اللاجئين، سكان القرى وأولاد الاحياء الشعبية في المدن. وهذا يمثل كل فئات الشعب الفلسطيني.

          وقد انضم اليهم طلاب وطالبات الثانوية، الامر الذي زاد من حماسة المسيرة. أحد الطلاب جلس على اكتاف صديقه وشجع المتظاهرين وهتف كما يتم عادة أمام حواجز الجيش الاسرائيلي. « إرفع رأسك، أنت معلم ». وهذا يُذكر بالشعارات التي سمعت في ميدان التحرير في مصر في 2011. « نحن النفط والغاز يا حمدالله »، صرخ أحدهم. وقال معلم آخر: « رئيس الحكومة يقول: عندما نجد النفط والغاز في رام الله وغزة يمكننا الاستجابة لطلبات المعلمين ».

          احتجاجات مشابهة تمت في نفس الوقت في مدن اخرى في الضفة الغربية بمبادرة من « حراك المعلمين الموحد »، وهي حركة تقوم بشكل مؤقت بتنسيق اضراب المعلمين. وقد قررت الحركة عدم العودة لاجراء مظاهرة مركزية واحدة حتى لا تقوم الاجهزة الامنية بوضع الحواجز على مداخل القرى وتمنع المعلمين من الوصول الى رام الله كما حدث قبل اسبوع.

          حوالي 40 ممثل من ممثلي « حركة المعلمين الموحدة » تم انتخابهم قبل فترة قصيرة من قبل جميع المعلمين. القيادة الرسمية لاتحاد المعلمين قدمت استقالتها لـ م.ت.ف لأن المعلمين عن طريق « الحراك » عارضوا الاتفاق الذي وقع عليه وزير التربية والتعليم. تاريخيا، الاتحادات المهنية الفلسطينية هي جزء من المنظمات المدنية التي تتكون منها م.ت.ف.

          « لا أحد يعرف كيف تم انتخاب قيادة المعلمين الرسمية »، قالت معلمة نشيطة في الاتحاد منذ بضع سنين لصحيفة « هآرتس ». زاهر الذي يعتبر نفسه مؤيدا لأبو مازن سياسيا ودبلوماسيا يعارض السيطرة المركزية له. وقد قال: « من الواضح أن رئيس الاتحاد منفتح. هذا أمر الهي ».

          قد يكون بسبب الامر الالهي، تتمسك الحكومة الفلسطينية برفضها اللقاء مع اعضاء « الحراك ». وقد قال الحمد الله عدة مرات إن الممثل الشرعي هو قيادة الاتحاد العام، الذي لم تقبل م.ت.ف استقالته، أعلن المعلمون أنهم مع الاتحاد، لكن القيادة الحالية لا تمثلهم. أول أمس أعلنت الحركة الموحدة أنها تقبل الحل الذي تم تقديمه يوم الثلاثاء من قبل لجنة مشتركة للاحزاب في المجلس التشريعي، نشطاء سياسيون وممثلو المنظمات الغير حكومية – العودة الفورية للتعليم ودفع الديون للمعلمين خلال ثلاثة اشهر واضافة درجات الاقدمية وزيادة الاجر الاساسي بـ 70 في المئة خلال ثلاث سنوات. وحتى أمس ما زال الجمهور الفلسطيني ينتظر رد الحكومة.