خبر عنصرية الحزن الاسرائيلية ..بقلم د.وليد القططي

الساعة 09:58 ص|03 مارس 2016

في بداية الانتفاضة الأولى كنت أعمل في أحد مصانع تل أبيب ، وكان سقوط الشهداء يتزايد يوماً بعد آخر ، فسألني أحد العمال اليهود الذي كان يعمل معي في نفس المصنع« هل تحزن أمهات الشباب الذين يقتلون على يد  الجيش الإسرائيلي عليهم ؟!  »هذا السؤال يبدو ساّذجاً آنذاك أو هكذا اعتقدت ، ولم أدرك مدى عمقه في العقل الاسرائيلي الصهيوني إلا بعد بسنوات طويلة عندما فهمت عمق العنصرية اليهودية الصهيونية التي تجاوزت كل أشكال العنصرية في العالم التي مهما بلغت من بشاعتها فهي لم تنفِ عن الإنسان الآخر صفته الانسانية وأهمها امتلاكه لنفس المشاعر والانفعالات التي يتساوى فيها كل البشر لكونهم مجرد بشر فقط.

واليوم يتعزز لدي الفهم بعمق العنصرية اليهودية الصهيونية بعد الضجة التي أُثيرت حول تعليق الصحفي في إذاعة الجيش الاسرائيلي (رازي بركاي) خلال مقابلة مع وزير الأمن الداخلي الصهيوني (غلغاد أردان) حول موضوع إعادة جثامين الشهداء الفلسطينيين إلى عائلاتهم ، والخطيئة الكبرى التي ارتكبها الصحفي هي أنه قارن بين حزن عائلات الشهداء الفلسطينيين الذين حُجزت جثامينهم وبين حزن عائلات الجنود الصهاينة الذين فُقدوا في حرب غزة الثالثة ، ولم يتجاوز هذا الصحفي المقارنة التي كانت توحي بالمساواة بين الحزنين ولم تصل إلى درجة المساواة الفعلية .

فكانت هذه المساواة كافية لأن تقوم الدنيا ولا تقعد في (اسرائيل) التي لم يحتمل المجتمع فيها الغارق في العنصرية حتى أذنيه ذلك وعبّر رموزه عن ذلك بداية من الوزير الذي أجريت معه المقابلة الذي قام على الفور برفض هذه المقارنة من حيث المبدأ التي تساوي بين حزن العائلات الفلسطينية الثكلى وحزن العائلات الاسرائيلية الثكلى ، وتبعه المفوض العام للشرطة (روني الشيخ) قائلاً « أنه لا يمكن المقارنة بين حزن العائلات الثكلى الفلسطينية و الاسرائيلية ... هناك فرق بين حزننا وحزنهم » ، وتبعه وزير الحرب الصهيوني (موشي يعلون ) الذي ربما أراد التكفير عن ذنبه الكبير بعد أن تعرض لحملة مماثلة هاجمت قوله  « لا ينبغي للجندي الاسرائيلي أن يفرغ مخزن سلاحه في جسد طفلة تحمل مقصاً » فقال مكفراً عن ذنبه الكبير « لا يوجد مكان للمقارنة بين مشاعر الأسى والحزن للعائلات الثكلى الاسرائيلية التي تقدّس الحياة وبين عائلات منفذي العمليات الفلسطينية الذين يقدسون الموت . »

لم تكن هذه الضجة لتُثار في المجتمع الإسرائيلي الصهيوني لولا تغلغل العنصرية فيه ، تلك العنصرية التي تختلف عن غيرها من العنصريات التي عرفها التاريخ ، ذلك بأنها نابعة من جذور اليهودية والصهيونية التي تعني الحقد على من عداهم من البشر جميعاً ، وليس مجرد الشعور بالتميز عن الآخرين ، اعتقاداً منهم أن الله تعالى قد ميّزهم كعرق سامي وكدين قومي خاص بهذا العرق فأصبحوا شعب الله المختار وأبناء الله وأحبائه ، كما ورد في التوراة المزيفة « لأنك شعبٌ مقدس للرب إلهك قد اختارك الرب إلهك لتكون لك شعباً أخصُ من الجميع الذين على وجه الأرض . » ، وكذلك في التلمود الذين كتبوه بأيديهم « إن اليهود أحب إلى الله من الملائكة وهم من عنصر الله كالولد من عنصر أبيه فمن يصفع يهودياً فكأنما صفع الله ، وفي معتقداتهم أن البشر غير اليهود (الجوييم) خُلقوا لخدمة اليهود .

هذه العنصرية عززّها الفكر الصهيوني المستمد من العقيدة اليهودية العنصرية والفكر الغربي الاستعماري العنصري فأضاف لهم المزيد من الغرور والكبر والعلو والإفساد لما اعتقدوه في أنفسهم من شعورٍ كاذب بالتفوق والاستعلاء العرقي و الأخلاقي فأباح لهم أن يعاملوا غيرهم بدون ضوابط أخلاقية أو معايير انسانية كما ورد في القرآن الكريم »ليس علينا في الأميين سبيل" وعمّق لديهم الإحساس بأنهم مختلفون ومميزون على شعوب الأرض حتى في انفعالتهم ومشاعرهم ، فمعاناة اليهود من النازية لا تشبه معاناة بقية شعوب الأرض من النازية ، وحزن العائلات الثكلى الإسرائيلية لا يتساوى مع حزن العائلات الثكلى الفلسطينية .

وهناك سبب أخر لعدم مساواة معاناة اليهود وحزنهم مع الآخرين هو نفي الصفة الانسانية عن الآخرين - لاسيما الفلسطينيين - وشيطنتهم وتجريمهم باعتبارهم في مرتبةٍ أقل من الانسان فهم يقدسون الموت ويحتقرون الحياة وهي صفات غير انسانية ، بل وتجريدهم من أسمائهم باعتبارهم أرقام لا أسماء لها ، لإيجاد مسوّغ نفسي وتبرير أخلاقي لقتلهم حتى لو كانوا أطفالاً فهم مخربو المستقبل ، ولذلك يكررون مثل هذه العبارات في وصف الفلسطينيين. الشعب الذي يُقدس الحياة ، ولكن ليست مجرد حياة  ، بل الحياة الحرة العزيزة الكريمة على أرضه التي يسعى لتحريرها من عدوٍ حرمه هذه الحياة الحقيقية.