خبر حماس والآخرون والمصالحة ..د. موسى أبو مرزوق

الساعة 12:21 م|01 مارس 2016

منذ أن فازت حركة حماس بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني شعرت كافة الأطراف الفاعلة والمؤثرة في المنطقة بأن زلزالاً سياسياً قد وقع، وأن الغاية التي من أجلها عقدت الانتخابات الفلسطينية العامة الثانية بعد عشر سنوات على الانتخابات الأولى لم تحقق أهدافها، بل أتت بنتائج معاكسة لكل هذه الأطراف.

إذ جاءت الانتخابات التي أريد من خلالها تقوية المنهج الذي صاغته معادلة أوسلو، وإنهاء انتفاضة الأقصى وتدجين أو قمع برنامج المقاومة، فكانت أصوات الناخبين تصيغ معادلتها الخاصة وقالت نعم كبيرة وكبيرة جداً لبرنامج المقاومة ولحركة حماس، حامية هذا المشروع، التي أصبح من حقها وفق هذا التفويض الجماهيري الصريح أن تشكل حكومة وفق رؤيتها وبرنامجها.

ونعلم أنه ومنذ اللحظة الأولى لإعلان النتائج، بدأت الجهود والممارسات من أجل غاية واحدة وهي منع هذا البرنامج وأصحابه من تحقيق أي انجاز، بل وضرب الحاضنة الشعبية لهذا المشروع، وإخراجه من موقع التأثير أو المشاركة في صياغة القرار الرسمي الفلسطيني، فعقدت الاجتماعات واللقاءات واتخذت القرارات الاستباقية، سواء في المجلس التشريعي السابق أو مؤسسة الرئاسة، بل إن نظماً عربية وإقليمية ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر في حصار هذه التجربة الديمقراطية الجديدة في فلسطين، وفي الميدان خاضت الحكومة الجديدة التي رفض الجميع المشاركة فيها، ظناً أو يقيناً أن سقوطها مسألة وقت، وأنها ستكون تكرارا لتجربة «حكومة مصدق»، وجاء الحصار المالي والسياسي للحكومة مدعوما بحالة فوضى أمنية عمادها أجهزة الأمن التي من المفترض أن تحمي القانون والنظام، فكانت عنواناً للفوضى والفلتان.

وضخت الولايات المتحدة الأمريكية من المال والتوجيهات للإسراع في إسقاط الحكومة، حتى بعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية التي تنازلنا عن حقنا في أغلبية الوزراء فيها، بل وحقنا في صياغة البرنامج السياسي للحكومة كاملاً لصالح التوافق الوطني وتحقيق الأمن والاستقرار لشعبنا، غير أن المطلوب لم يتحقق بعد في إخراج حماس نهائياً من المشهد فعادت فوضى السلاح وعلميات الاغتيال التي راح ضحيتها أحد أعضاء القيادة السياسية للحركة، ما اضطرنا لاتخاذ القرار الصعب بحفظ أمن المواطنين وحقن دمائهم، وإن كان بعملية جراحية مؤلمة، اعتبر البعض أنها فرصة تاريخية للفرار بالقرار الفلسطيني من حضن الأغلبية الشرعية والدستورية إلى حكومة خارج إطار القانون والنظام، وضرب عرض الحائط بكل أسس الشراكة والمسؤولية الوطنية. ومنذ اليوم الأول بعد أحداث 14 يونيو 2007 برز موقفان، موقف حركة حماس المسؤول الذي أبدينا فيه استعدادنا الكامل للعودة إلى الوراء، والجلوس إلى طاولة الحوار لاستعادة وحدة شعبنا، وبين موقف قالها صراحة ألا حوار ولا جلوس إلى طاولة الحوار. وأكدنا صدق أقوالنا بالأفعال وذهبنا الى كل عواصم المنطقة من أجل تحقيق مصالحة حقيقية في القاهرة والسنغال واليمن ومكة والدوحة، وكانت الاتفاقات التي تنصل منها أصحابها واختلفوا على شاشات الفضائيات بين بعضهم على التوقيعات حتى وقعت الحرب الاولى على قطاع غزة نهاية 2008 مطلع 2009، وانطلقت عجلة الحوارات المكوكية في القاهرة التي رأينا فيها فرصة حقيقية لتحقيق مصالحة جادة، خاصة مع دور ومكانة مصر التي لا نغفلها، بل نثق أنها القادرة على إنجاز هذا الأمر، فذهبنا بكل جدية وإصرار على أن نستعيد وحدة شعبنا وننهي هذه الحالة من الانقسام، ولكن على أسس قوية ومتينة لا تبقي حجراً تحت الرماد يشتعل في أيما وقت، ما أدى إلى تشبثنا في النقاط التي يمكن أن تحمل صواعق تفجير، وتساهلنا في الكثير من حقوقنا الدستورية والقانونية لتغليب مصلحة المجموع الوطني.

ولقد اطلعت على مقال الوكيل محمد ابراهيم بعنوان «مصر والآخرون والمصالحة الفلسطينية»، ومن واقع احترامنا وتقديرنا لشخصه الكريم ودور مصر الذي لا نغفله، ولكن لزم توضيح بعض الحقائق، إذ ليس صحيحاً أن حماس رفضت التوقيع في اكتوبر 2009 على اتفاقية القاهرة، وعادت ووقعت عليها في مايو 2011، ولكن نحن أصررنا على إضافة ورقة تضمن مبدأ الشراكة السياسية، وأن يكون التوافق عنوان جميع الإجراءات الرئيسية، والورقة اعتبرت جزءاً من الاتفاق بعد أن رفضت الجهات الراعية للمصالحة في مصر أن يتم فتح الورقة، وعندما تم قبول هذه التعديلات وقعنا، وللأسف الاصرار على عدم فتح الورقة رغم توافقنا مع فريق فتح هو الذي أضاع هذه السنوات. كذلك لا يوجد في الورقة الأصلية أي كلمة عن تشكيل حكومة ،ولكن هيئة تقوم بمهام محدودة والحكومة جاءت في التعديلات التي تمت إضافتها.

وأيضاً نعم إعلان الدوحة كان مشكلته رئاسة الحكومة فعلاً وليس تشكيل الحكومة.

إن ذكركم أن حماس تمثل العقبة الرئيسية أمام وضعها موضوع التعقيد، حيث حاولت أن تفرض شروطها المسبقة قبل إتمام المصالحة، فهذا يؤكد لنا ما كنا نسلمه من الإنجاز على عهد سيادتكم، وعدم تحقيق إنجاز على الصعيد الفلسطيني الفلسطيني ولا في تبادل الأسرى.

لقد قدمت حماس وهي الفائزة في الانتخابات التشريعية وتمتلك نحو ثلثي مقاعد البرلمان، والفائزة في البلديات، كل ما تملك من أجل إنهاء الانقسام، لكن المشكلة الأساسية في رفض قبول حماس شريكاً سياسياً، رغم ما تحتل من ثقل سياسي وشعبي، وهي التنظيم الأكبر فلسطينيا، وما يؤكد صحة ذلك أن جميع الملفات التي تنازلت فيها حماس عن وجودها وتمثيلها كانت تمضي، وتلك التي كانت تطالب بمجرد وجودها كانت وما زالت متعثرة.

وأخيراً إن حماس كانت ولا تزال جادة في اتمام المصالحة على قاعدة تنفيذ ما اتفق عليه من اتفاقات ومبادئ، وأهمها الشراكة السياسية، وإن أي محاولة لتحويل المصالحة من توافق وطني لكيفية إدارة الشأن الفلسطيني العام إلى وسيلة للتخلص من دور حركة حماس لن يكتب بها النجاح، فحماس جزء أصيل من مكونات الشعب الفلسطيني ولا تعاني من حقد وهواجس الآخرين الساعين من أجل البقاء، فنحن نسعى لتحقيق أهداف وتطلعات وطموحات شعبنا وكلنا أمل ويقين أننا سوف ننجح بإذن الله.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

٭ نائب رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)