بقلم: أمنون أبراموفيتش
(المضمون: قادة الجيش البارزون في تاريختا توصلوا في معظمهم في نهاية حياتهم وبتأخير مأساوي من ناحيتنا الى الاستنتاج بان امن اسرائيل يستوجب انهاء السيطرة على الفلسطينيين - المصدر).
لا يعيش الجيش على الشعارات، والمقاتل الحقيقي لا يفرغ خزان رصاص على طفلة مع مقص. هذا في نطاق المسؤولية الحصرية لرئيس الاركان. اما مسؤولية القيادة السياسية فهي خلق وضع لا يلتقي فيه الجندي المقاتل على الاطلاق طفلة مع مقص.
منذ حرب يوم الغفران لم تكن معركة واحدة نجح الجيش الاسرائيلي في حسمها. حرب لبنان الاولى، لبنان الثانية، الرصاص المصبوب، الجرف الصامد، وكل الحملات التي بينها. الانتفاضة الاولى انتهت باتفاقات اوسلو. الانتفاضة الثانية بفك الارتباط عن غزة. والان تجري انتفاضة ثالثة لفتيات وفتيان وهي مستمرة منذ خمسة اشهر. ومتى انتهت هذه، فان هذا سيكون مرة اخرى بلا انتصار – إذ أن الجيش لا يمكنه أن ينتصر على فتيات وفتيان تحت الاحتلال. فهل يتذكر احد ما اصطلاح « فتيان الـ آر بي جي »؟ في غزو لبنان في 1982، حملة سلامة الجليل، فوجئت قوات الجيش الاسرائيلي حين اصطدمت بفتيان يحملون قاذفات آر بي جي ممن القوا بروحهم ضدها. وقد فتكوا بدباباتنا ومجنزراتنا. في البلدة اللبنانية الدامور علقت بفضلهم دبابات مركفاه.
ذات يوم في تشرين الثاني 2005 في ساعة متأخرة من المساء، كنت في حديث خلفية لدى رئيس الاركان دان حلوتس. وأنا اتذكر الحديث ايجابا، إذ انه كان ممكنا التدخين، واذكره سلبا إذ انه ثار عندي احساس بشع في أن قصته ستنتهي على نحو سيء – لنا وله. قبل بضعة ايام من ذلك قتل جندي احتياط بنار قواتنا. كتيبة دبابات استدعي للاحتياط – لا للتدريب بل لحماية المستوطنات في ارجاء المناطق. وقد افلتت لواحد من رجال الدبابات رصاصة فقتلت رفيقه. قلت في حينه لحالوتس، انظر كيف انك تخسرهم مرتين – كرجال دبابات وكحراس على حد سواء. وقدم حالوتس شروحاته الجوية والهوائية، والتي اساسها تقزيم اهمية القتال البري. بعد بضعة اشهر من ذلك تشكلت لجنة فينوغراد. ضباط من الاسلحة البرية، بينهم قادة كتائب في المدرعات، أدلوا في اللجنة شهادات محرجة عن القصور المهني، انعدام التدريب. وكان هناك من رووا بانهم لم يحركوا أبدا كتيبة في الليل.
قبل نحو سنتين وربع السنة قتل مظلي مقاتل في النظامي بنار قناص في الحرم الابراهيمي. بعد سقوطه انكشفت امور كتبها على الفيس بوك: كل ليلة نحن نبحث عن مطلوبين في نابلس، في الخليل، في جنين. نحن نطوق المنازل، نقتحها في منتصف الليل، نوقظ الشيوخ والاطفال والرضع الباكية. « حتى متى؟ » سأل المظلي. حتى احتلال المناطق تحدثوا في الجيش عن الاساسي وعن الثانوي، عن احتمال (الحرب) وعن جاهزية (الامن الجاري). عشرات سنوات الاحتلال افترست الاساسي والثانوي، وجعلت الجيش الاسرائيلي شرطة. من جيش الدفاع الاسرائيلي الى جيش حفظ النظام لبلاد اسرائيل.
التقيتُ شاؤول موفاز لاول مرة عندما كان قائد فرقة المناطق. في مقال مؤطر: أنا أنتمي للاقلية التي تعتقد بان موفاز هو اليوم البديل الافضل لنتنياهو، والذي ينبغي لمعسكر الوسط أن يضعه على رأسه. عندما التقيته في حينه، كقائد فرقة الضفة، طلبت منه ان يصف لي جدول أعماله اليومي. في نهاية الوصف، الذي تلوى كله واحاط المستوطنات والمستوطنين، الاولاد والتسفيرات، الطرق والمفترقات – قلت له هذا جدول أعمال منظم مواصلات في ايجد، وليس لقائد عسكري. فهز موفاز رأسه بلا صوت.
التاريخ العسكري، القديم والحديث، مليء بأمثلة عن تراجع جيوش الغزاة امام مدنيين ومقاتلين محتلين. الجنود الايطاليون كانوا معروفين كمقاتلين جسورين في حربهم التحريرية، أما في الحرب العالمية الثانية، التي لم تكن وجودية من ناحيتهم، فقد سارعوا الى رفع الايادي والوقوع في الاسر وعرفوا كطباخي باستا وبيتسا لاسريهم، جنود الحلفاء. في حرب البور في جنوب افريقيا سخرت التنظيمات السرية الصغيرة والسريعة التي قاتلت في سبيل حريتها من آلة الحرب الهائلة للجيش البريطاني. وغني عن الذكر ان هذا لم يكن منذ زمن بعيد ما حصل للامريكيين في فيتنام، للفرنسيين في الجزائر، للروس في افغانستان.
قادة الجيش البارزون في تاريختا توصلوا في معظمهم في نهاية حياتهم وبتأخير مأساوي من ناحيتنا الى الاستنتاج بان امن اسرائيل يستوجب انهاء السيطرة على الفلسطينيين. يغئال الون وموشيه دايان، عيزر وايزمن واسرائيل تل، اسحق رابين واريك شارون، وكثيرون آخرون – بينهم كل رؤساء الاركان في الجيل الاخير.
وختاما، لا توجد ولم تكن مشكلة مع تعليمات فتح النار. ولا حتى مع الشعارات. المشكلة هي ان التعليمات والشعارات على حد سواء لا تستوعي ولا يمكنها أن تستوي مع الواقع السياسي.