في قطاع غزة المحاصر والذي يشدد من خناقه على رقاب ساكنيه، ظهرت حالات الانتحار التي تزايدت في الآونة الأخيرة على الرغم من التحفظ على عددها، وكانت المشاكل النفسية والاجتماعية والاقتصادية دوافع ومبررات لهؤلاء، لكنها على الرغم من ذلك غير مبررة عند الجميع.
فأسباب الانتحار كثيرة، ولكن معالجتها لم ترتق للجهد المطلوب للحد منها، أو يمكن القول أنها لم تبدأ بمبادرات حقيقية للحد منها، فالجميع مازال يقف بموقف المتفرج لأسباب عديدة قد تكون أبرزها هو كبر حجم المشكلة من جذورها كـ« البطالة والفقر »، ولكن هذا لا يقلل من أهمية دور الجميع سواء كان إعلامياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو أمنياً أو رجل دين وخطباء مساجد إلى دور المؤسسات التعليمية.
وعلى اختلاف أسباب عدد من الشبان الذين أقدموا على الانتحار، إلا أن هذه الحالات زادت من سخط المواطنين على المسؤولين كافة، لاعتبارهم أنهم السبب في وصول المواطنين لهذه الحالة من الضغوطات النفسية والاجتماعية والاقتصادية وتقاعسهم عن حل المشاكل على كافة اختلافها.
ويعاني سكان قطاع غزة، ولا سيما فئة الشباب من تزايد معدلات البطالة والفقر منذ سنوات، إذ يعيش أكثر من 50% من سكان القطاع تحت خط الفقر، فيما تزيد نسبة البطالة عن 45%، وهي نسبة غير مسبوقة في تاريخ القطاع.
وكان المرصد “الأورومتوسطي” لحقوق الإنسان، كشف مؤخراً أن نحو 55% من سكان قطاع غزة البالغ 1.95 مليون نسمة، يعانون من الاكتئاب وأمراض نفسية أخرى، فيما يحتاج أكثر من نصف أطفال القطاع لدعم نفسي.
جبر: لا يوجد معالجة للقضية من جهة المؤسسات والسلطة والأحزاب، أما التغطية الإعلامية فهي اكتفت في الغالب على وصف ما حدث فيما تطرقت قلة منهم إلى الموضوع باستفاضة.
معالجة نفسية اجتماعية
الإعلامي حسن جبر يرى في حديث خاص لـ« وكالة فلسطين اليوم الإخبارية »، أن تزايد حالات الانتحار بغزة ناتجة عن صعوبة الأوضاع الإنسانية للمواطنين في قطاع غزة، وخاصةً فئة الشباب، فضلاً عن انسداد الأفق للجميع على كافة المستويات، والأوضاع النفسية المتدهورة.
وعن معالجة قضية تزايد حالات الانتحار، قال جبر: لا يوجد معالجة للقضية من جهة المؤسسات والسلطة والأحزاب، أما التغطية الإعلامية فهي اكتفت في الغالب على وصف ما حدث فيما تطرقت قلة منهم إلى الموضوع باستفاضة.
وأشار جبر، إلى أن دور الإعلامي في هذه القضية، اعتمد فقط على نقل الخبر، فيما أن قلة من الإعلاميين عملوا تقارير موسعة وتحقيقات حول قضية الانتحار، موضحاً أن دور الإعلاميين يفترض أن يكون بالخوض عميقاً في تفاصيل القضية ومعالجتها إعلامياً بشكل معمق.
وفيما يتعلق بدور وسائل التواصل الاجتماعي، التي يرى البعض أنها ساهمت في تهويل القضية، أكد الإعلامي جبر على ذلك، مضيفاً أن تلك الوسائل افتقرت إلى الدقة لأنها أرادت سرعة نقل ما جرى.
وأوصى جبر، بضرورة البحث في أسباب الظاهرة ومُعالجتها من ناحية اجتماعية ونفسية، مبيناً أن تغطية الإعلاميين للقضية لا تعني معالجة الظاهرة والتصدي لها.
د. صيام: الوقاية خير من العلاج في حالات الانتحار ويعني ذلك البدء في بناء عائلة مبنية على أسس صحيحة، لا تعني فقط بالتغذية الجسدية من طعام وشراب، بل كذلك الغذاء الروحي والتربية الصحيحة
الوقاية خير من العلاج
من جهته، أكد د. محمود صيام استشاري الطب النفسي، في حديث خاص لـ« وكالة فلسطين اليوم الإخبارية »، أن هناك من يقبل على الانتحار نتيجة تعرضه لظروف قاهرة كفشله في الحصول على وظيفة، أو نتيجة علاقة عاطفية، مما أدى لصدمات نفسية تصل للبعض لأن يصاب بمرض نفسي، فيصبح غير مكلف أو غير واعي لما يقوم به، في حين أن بعضهم يرى أن لا حل لمشكلته في الحصول على مبتغاه فيصبح لديه « فقدان الأمل ».
وأوضح د. صيام، أن انتحار المواطنين في الآونة الأخيرة، هي غير مبررة وإن كانت الظروف التي يتعرضون لها صعبة، وتزيد المشاكل التي يواجهونها بالذات لدى فئة الشباب، مشيراً إلى المشاكل السياسية والاجتماعية المتراكمة منذ 10 سنوات، فلم يعد لهم أمل، حيث يصاب الشاب بحالة إحباط.
وأوضح د. صيام، أن الشاب أصبح لديه شعور أنه مهمش من قبل السياسيين، والاجتماعيين، فأصبح يشعر وكأنه يعيش في سجن كبير، ففشل في الحصول على وظيفة، وأصبحت تعطى الوظائف لمن لا يستحق.
وشد على أهمية دور الأسرة والمدرسة والتربية والمشرف الاجتماعي منذ الصغر على تعليم الأطفال طرق الدفاعات النفسية، وسبل معالجة الأمر عند التعرض لأي تجربة فاشلة.
وأكد د. صيام على أن الوقاية خير من العلاج في حالات الانتحار، ويعني ذلك البدء في بناء عائلة مبنية على أسس صحيحة، لا تعني فقط بالتغذية الجسدية من طعام وشراب، بل كذلك الغذاء الروحي والتربية الصحيحة، وتثقيف الآباء الجدد، بأساليب التربية بالدورات والورشات، لأن الحلول غالباً تأتي أيضاً من المحيط الذي يحيط بالشخص.
وأشار إلى أهمية دور المؤسسة التعليمية والمشرف الاجتماعي المتواجد في المدرسة في احتواء الطلبة وخاصةً في فترة المراهقة من خلال الترفيه والتثقيف.
وشدد د. صيام، على أهمية دور التخطيط المجتمعي من خلال مؤسسات المجتمع المدني، والعمل من أجل تخفيف الحصار على المواطنين، مشيراً إلى أنه بدلاً من تضييع التمويل في الورشات والندوات، القيام بعمل مشروع لوفير وظيفة تأمن للمواطن عملاً يشعره أن له قيمة في مجتمعه.
فيما أكد أهمية المسؤولية الاجتماعية لكافة المؤسسات الحكومية والأهلية، وقادة التنظيمات، بأن يكون لديهم نية خالصة للعمل من أجل المواطنين، والتخلص من الفساد والمحسوبية التي تؤدي لضغوطات نفسية لدى المواطنين خاصة فئة الشباب.
قضية الانتحار لم تغفر لخطباء المساجد والدعاة والوعاظ في محاولة توعية الشبان عبر المساجد والجامعات وتعزيز الواعز الديني لديهم، فيما يوجه اللوم للمساجد بتركيزها على قضايا سياسية أكثر منها حياتية واجتماعية ونفسية.
ويعد الانتحار من القضايا التي تحيط حولها الجدل، في الجهة التي تعد مسؤولة عن حالات الانتحار، لتجد أن الجميع مسؤول عن الانتحار لا سيما أن مايدفع الشاب للانتحار هي ظروف قاهرة تحيط من حوله لا تشفع له إقدامه على قتل نفسه، لكنها تتطلب جهود الجميع.