خبر هزيمة الداعشية قبـل هزيمة داعـش ..بقلم د. وليد القططي

الساعة 07:59 ص|17 فبراير 2016

 

يرى ابن خلدون أن حياة الدول والأمم تمر بمراحل محددة قلما تختلف حيث تبدأ بمرحلة البداوة والتوّحش إلى مرحلة البذخ والترف لتصل في النهاية إلى مرحلة الشيخوخة والهرم ثم الفناء . وعلى ما يبدو فإن دولة داعش في العراق وسوريا ستنتقل مباشرة من مرحلة البداوة والتوّحش إلى مرحلة الفناء دون المرور بالمراحل الوسطى , حارقة بذلك مراحل ابن خلدون لتطور الدول وخارقة لقوانينه التاريخية في تدرج المراحل , وهي بذلك تعكس شعارها ( باقية وتتمدد ) ليصبح ( تنكمش وتتبدد ) . ولكن هزيمتها ونهايتها كدولة لا يعني هزيمة ونهاية الداعشية كنمط تفكير وفلسفة تاريخية ونظرية حكم له جذور تاريخية عميقة في التراث الفكري الإسلامي لا يزال بامكانه انتاج دول أخرى تنتمي إلى نفس المدرسة الفكرية . وبالتالي لا مناص من هزيمة الداعشية كفكر قبل هزيمة داعش كدولة .

والداعشية كنمط تفكير لا يقتصر على الفكر الإسلامي بل هو موجود في الكثير من الايديولوجيات الدينية والسياسية الأخرى التي تتبنى نمطاً معيناً من التفكير يتسم بأُحادية الرؤية التي تعني رؤية الأمور من زاوية واحدة فقط هي التي تمتلك الحق المطلق وغيرها يمتلك الباطل المطلق , والثنائية القطعية التي تعني رؤية الأمور صواب أو خطأ ,أبيض أو أسود ولا وسط بينهما , والرؤية الإقصائية التي تعني رفض واستبعاد الآخر المختلف معنوياً ومادياً , والتعصب للحزب والجماعة وضد الاحزاب والجماعات الاخرى , والتطرف في التمسك بالمذهب الذي لديه الصواب المطلق وضد المذاهب الأخرى التي لديها الخطأ المطلق , والتصلب الفكري الذي يشير إلى الجمود في المعتقدات والأفكار وعدم مراجعتها أو تغييرها , والغلو في إظهار الإيمان بالعقيدة وممارسة شعائرها إلى درجة التنطع  فيها , والنزعة التسلطية التي تمجّد القوة والعنف إلى درجة الإرهاب لفرض السيطرة .... إلى غير ذلك من الصفات كنمط تفكير تميز المدرسة الداعشية ومن سار على دربها سواء ينتمي للإسلام أم لغيره من الأديان والفلسفات السياسية الأخرى .

والداعشية كفلسفة تاريخية تتبنى فكرة ( نهاية التاريخ ) التي وضحها الفيلسوف الأمريكي ( فرانسيس فوكوياما ) في كتابة ( نهاية التاريخ والإنسان الأخير ) المنشور عام 1992 , والذي اعتبر فيه أن الديمقراطية الليبرالية وقيمها تشكل مرحلة نهاية التطور الأيديولوجي للإنسان , وان التاريخ الإنساني بكل ما يحويه  من تراكيب وتناقضات وأحداث سيصل في لحظة ما إلى لحظة النهاية , فيصبح ساكناً تماماً وسيجد الإنسان إجاباته الكاملة على كل أسئلته وستُمحى جميع التصورات الأخرى للحياة , وسيسود نموذج واحد لكل شيء ... وهذا النموذج الذي يقصده هو النموذج الرأسمالي الليبرالي . وهذه النظرية موجودة في كثير من الفلسفات الدينية والسياسية المختلفة كالمسيحية الصهيونية التي تنتظر عودة المسيح –عليه السلام – وحكم الألفية السعيدة , واليهودية الصهيونية التي ترى إقامة دولة ( إسرائيل ) هو نهاية التاريخ , والماركسية التي ترى حكم البروليتاريا الاشتراكي ومن ثم الشيوعية هي نهاية التاريخ ... أما في الداعشية فإقامة الدولة الإسلامية – وفق رؤيتهم – ستمهد للمهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت جوراً وهذا هو نهاية التاريخ وفق رؤيتهم . هذه الرؤية التي تعطي صاحبها الحق في ارتكاب الجرائم الوحشية ضد الآخرين معتقدين أنهم يتصرفون وفق إرادة الله ويسيرون بالبشرية وفق مشيئة الله تعالى .

والداعشية كنظرية حكم يقوم على أرضية النظرية الدينية في نشأة الدولة التي ترد نشأة الدولة إلى إرادة الله ومشيئته الذي يُعطي الملك لمن يشاء وبالتالي فالحاكم يعتبر خليفة الله في الأرض ولذلك أضفت نوعاً من القداسة على السلطة والحكم بحيث أصبحت سلطة الحاكم مقدّسة وغير قابلة للنقد , ولقد استغل الحكام المستبدون هذا الفهم للحكم لتبرير سلطة الحكم المطلق ولتثبيت عروشهم باعتبارهم يمثلون ارادة الله ويطبقون شريعته ويحملون رسالة دينية وأخلاقية تبرر لهم ارتكاب الجرائم ضد من يرفض هذه الرسالة بل وتغليف هذه الجرائم بشرعية دينية تخرجها من دائرة الجريمة إلى القداسة ....والحقيقة أن نظرية الحكم في الإسلام ليست قوالب جامدة لا تتغير , بحيث يتم استنساخ صور نمطية من الماضي بطريقة مشوّهة وتطبيقها في الحاضر , والتركيز على شكل نظام الحكم في الإسلام دون جوهرة ومضمونة , بل هي مبادئ عامة يتم العمل بها كالشورى والعدل والمساواة والبيعة وحرية معارضة الحاكم ونقده بل وخلعه إذا أخل بشروط البيعة .

والخلاصة أن هزيمة الداعشية كنمط تفكير وفلسفة تاريخية ونظرية حكم يتطلب  جهداً فكرياً كبيراً يقوم به العلماء والمفكرون والكتاب وغيرهم لدحض هذه الأفكار وتفنيدها وإزالتها من العقول ونشر الفكر الإسلامي الوسطي المعتدل والتركيز على قيم التسامح والرحمة وتقّبل التعددية وقبول الآخر المختلف وغيرها من القيم الإسلامية الحضارية التي بها ساد المسلمون العالم . كما أن هزيمة الداعشية يتطلب ازالة مسبباتها من استبداد الأنظمة الحاكمة وفسادها وارهابها ضد شعوبها .