اتخذت المبادرة الفرنسية للتوصل إلى تسوية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، أمس، طابعاً أكثر جدية، من خلال عرضها رسمياً على تل أبيب للمرة الأولى. ويبدو أن هذه المبادرة، التي سارع رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى انتقادها وإعلان الحكم عليها بـ «الفشل»، تترافق مع مساعٍ أميركية، وأخرى عربية، لاستئناف المباحثات الفلسطينية - الإسرائيلية بهدف كسر الجمود القائم في عملية السلام.
وكانت القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي قد أشارت إلى جهود مغربية لعقد لقاء غير مشروط بين كل من الرئيس الفلسطيني محمود عباس ونتنياهو.
وصباح أمس، عرضت فرنسا عبر سفيرها في تل أبيب رسمياً مبادرتها لعقد مؤتمر سلام دولي في باريس لتحريك العملية السلمية. والتقى السفير الفرنسي باتريم ميزناف لهذا الغرض مع رئيس الهيئة السياسية في وزارة الخارجية الإسرائيلية ألون أوشفيز، وعرض له تفاصيل المبادرة، التي يبدي فيها الفرنسيون اهتمامهم بعقد المؤتمر الدولي في الصيف المقبل.
وكان وزير الخارجية الفرنسي السابق لوران فابيوس قد عرض المشروع الفرنسي في نهاية شهر كانون الأول الماضي خلال خطاب ألقاه في مقر وزارة الخارجية الفرنسية. وتعاملت إسرائيل بفظاظة مع هذا المشروع، معتبرة أنه «مشروع شخص سائر لترك الخدمة، ولن يتعدى كونه مجرد كلام». لكن مسارعة الخارجية الفرنسية إلى تقديم المشروع رسمياً للحكومة الإسرائيلية يثبت أن توقعات تل أبيب لم تكن في محلها. وكان فابيوس قد أعلن أنه إذا فشلت المساعي الفرنسية في عقد المؤتمر الدولي، فسوف تعترف باريس بفلسطين كدولة.
وفي كل حال، فمن المؤكد أن مشروع فابيوس مثّل السياسة التي تنوي الحكومة الفرنسية انتهاجها في المرحلة القريبة في كل ما يتعلق بالتسوية. وما يؤكد ذلك، أن الخارجية الفرنسية عيّنت الديبلوماسي الفرنسي المخضرم بيير فيمونت مبعوثاً خاصاً لشؤون مؤتمر السلام الدولي.
ونقلت صحيفة «هآرتس» عن ديبلوماسيين فرنسيين قولهم إن اللقاء أمس مع مسؤولي الخارجية الإسرائيلية هو جزء من جولة مشاورات واسعة بدأتها فرنسا بشأن تنفيذ المبادرة مع سلسلة دول في العالم. وبحسب كلام هؤلاء الديبلوماسيين، فإن أكثر من 20 سفيراً فرنسياً في أرجاء العالم تلقوا تعليمات من وزارة الخارجية في باريس بعرض المبادرة على وزارات الخارجية في العواصم المعتمدين لديها، وبينها الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا ودول أوروبية وعربية أخرى.
وسارع رئيس الوزراء الإسرائيلي، أمس، إلى توجيه انتقاد قوي للمبادرة الفرنسية، وذلك خلال مؤتمر صحافي عقده مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال زيارة يقوم بها إلى برلين.
وانتقد رئيس الحكومة الإسرائيلية المبادرة الفرنسية التي وصفها بـ «المقلقة» والتي «مصيرها الفشل». واعتبر أن مجرد تهديد فرنسا بالاعتراف بفلسطين كدولة «يؤكد أن المؤتمر سيفشل، لأن الفلسطينيين سيعلمون أن مطلبهم سيتحقق مسبقاً، ولن يحتاجوا إلى فعل أي شيء».
واعتبر نتنياهو أن المبادرة الفرنسية «لا تأخذ في الاعتبار تعقيدات الصراع. إذ لا يهم (لدى الفرنسيين) إذا كانت هذه الدولة (الفلسطينية) ستتحول إلى ديكتاتورية إسلامية أخرى، تضاف إلى أمثالها في المنطقة. لا يهم إذا لم تعمل بصدق لإنهاء الصراع والاعتراف بدولة لليهود، ولا يهم إذا لم تكن هناك ترتيبات أمنية تمنع استيلاء داعش أو حماس، أو الاثنين معاً، على الأراضي التي ستتركها إسرائيل».
من جهته، أشار المتحدث باسمه الخارجية الإسرائيلية عمانويل نحشون إلى أن رئيس الهيئة السياسية في وزارة الخارجية ألون أوشفيز أكد أمام السفير الفرنسي أثناء اللقاء لتقديم المبادرة رسمياً أن إسرائيل تؤيد المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين، ولكنها ترفض تحديد نتائج المفاوضات سلفاً. وأضاف نحشون أن «هذا المبدأ، الذي يرافق العملية منذ بدايتها، يحظى بدعم الأسرة الدولية على طول السنين، وهو شكّل أيضاً قاعدة المفاوضات مع الأردن ومصر. وأن هذا يخالف المقاربة الفلسطينية التي أفصح عنها وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي أثناء زيارته لليابان، حين قال إن الفلسطينيين لن يديروا أبداً مفاوضات مباشرة مع إسرائيل». ولفت نحشون إلى أن أوشفيز أثار مع السفير الفرنسي «موجة الإرهاب الفلسطيني المستمرة والتحريض على الكراهية والعنف المرافق لها، وإلى وجوب محاربة ذلك على الدوام».
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن نحشون تأكيده أمس لـ «معارضة إسرائيل أي محاولة لتحديد نتائج المفاوضات مسبقاً»، قبل أن يضيف مع ذلك، أن المبادرة الفرنسية «ليست مقبولة، كما أنها ليست مرفوضة».
وخففت مصادر فرنسية للوكالة من حدة التصريحات الاسرائيلية، مؤكدة أن الإسرائيليين «لم يرفضوا بعد رفضاً نهائياً المبادرة».
تجدر الإشارة إلى أنه سبق للفرنسيين أن عرضوا مشروعهم هذا على الفلسطينيين قبل أيام. وقال ديبلوماسيون فرنسيون إن الرد الفلسطيني كان إيجابياً جداً. كما أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أعرب أثناء لقائه رئيس الحكومة اليابانية شينزو آبي في طوكيو عن تأييده للمبادرة الفرنسية، ومطالبته بتشكيل آلية دولية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وفق جدول زمني محدد. وأيد عباس التئام مجموعة الدعم الدولية للعملية السلمية، لتضم الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن ودولاً عربية وأوروبية وآسيوية. وقال إن الفلسطينيين يعملون مع الدول العربية لاستصدار قرار في مجلس الأمن يدين الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية المحتلتين.
في كل حال، فإن المبادرة الفرنسية تشمل ثلاث مراحل. وتتضمن المرحلة الأولى إجراء مشاورات في شهري شباط وآذار مع إسرائيل والفلسطينيين ودول أخرى بشأن فكرة عقد المؤتمر ومحتواه. وفي المرحلة الثانية، يعقد لقاء في باريس لمجموعة الدعم الدولية للمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، والتي تضم العشرات من الدول. ويريد الفرنسيون عقد هذا اللقاء في شهري آذار ونيسان المقبلين، ومن دون حضور الإسرائيليين والفلسطينيين. أما المرحلة الثالثة، فيعقد فيها المؤتمر الدولي في باريس في شهر حزيران أو تموز لتحريك المفاوضات بين الطرفين.
وليست المحاولة الفرنسية لتحريك المفاوضات الخطوة الوحيدة الدائرة هذه الأيام. فإلى جانب المساعي الأميركية، تحدث المراسل السياسي للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي، أودي سيغال، عن وجود مبادرة مغربية لكسر الجمود بين نتنياهو وعباس. وأشار المراسل إلى أنه في الأسبوع المقبل ستلتقي للمرة الأولى منذ سنوات شخصيات عامة إسرائيلية مع 20 وزيراً فلسطينياً ضمن مبادرة جديدة وقف خلفها رئيس «الفدرالية العالمية ليهود المغرب»، سام بن شطريت، الذي يعمل أيضاً مستشاراً لدى الملك المغربي محمد السادس.
وقال التلفزيون الإسرائيلي إن بن شطريت «نال مباركة نتنياهو، والتقى في رام الله مع عباس، والهدف عقد لقاء بين الرجلين من دون شروط مسبقة. ونال بن شطريت الذي يعمل بالتنسيق مع الملك المغربي مباركة نتنياهو وعباس لعقد مؤتمر في القدس يدعو لحل الدولتين. وتحضيراً لهذا اللقاء، اجتمع بن شطريت مع عباس بمعرفة نتنياهو، ونال منه استعداداً للقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية من دون شروط مسبقة».
وبعد لقاء بن شطريت بعباس، أرسل رسالة إلى نتنياهو كتب فيها مقتبساً عن رئيس السلطة الفلسطينية قوله إنه «في مطلع الشهر المقبل سوف أتوجه برسالة شخصية إلى نتنياهو عارضاً اللقاء به». ورد نتنياهو على بن شطريت بأن هذه «فرصة» لاستئناف المفاوضات. وهكذا، فإنه عدا عقد المؤتمر في القدس المحتلة، يسعى الملك المغربي لترتيب لقاء بين عباس ونتنياهو في المغرب، بحضور ممثلين عن دول عربية.