لم تستطع زوجة المواطن علي زواهرة، ان تجد لأولادها الثلاثة مكانا، غير صخرة تعاكس اتجاه الشمس؛ محاولة بذلك حمايتهم من حرارتها بعد ان هدمت « بلدوزرات » الاحتلال مساكن عائلتها في خربة عين الرشاش جنوب شرق نابلس، مخلفة وراءها ألواحا من الصفيح وبضع من الحاجيات المدمرة.
وفيما كانت الزواهرة تنشغل في حماية رأس رضيعها محمود ابن العدة شهور من شمس « شباط » غير المعتادة، وتحاول ان تجرعه شربة ماء، كان جنود الاحتلال المدججون بالسلاح و« الهراوات » ينشرون الرعب بين سكان المنطقة (111 نسمة).. وكانت أنياب الجرافات تسوي مساكن من صفيح وخيام وأكواخ وعُرش.. تسويها في الأرض!
وخربة عين الرشاش الى الجنوب الشرقي من بلدة دوما التي أحرق مستوطنون إحدى عائلاتها، طريقها غير معبدة كباقي الطرق التي تحيطها والمؤدية الى المستوطنات ومعسكرات الاحتلال، فهي مليئة بالحفر والصخور، غير أن إطلالتها تُبهج القلب بمناظر جبال الأغوار ومشاهد الربيع « البكر »، الذي داسته بساطير العسكر وجنازير الجرافات دونما استئذان، لا لشيء سوى ان سكانها الذين كوّنوا معها عشرة مديدة من العمر، يواصلون الصمود في مواجهة محاولات الاقتلاع الحثيثة التي تزاولها سلطات الاحتلال لتهويد المنطقة ووضع اليد عليها بالقوة لتنفيذ المشاريع الاستيطانية والتوسعية.
وفي عين الرشاش، الخربة الوادعة التي لم تصلها حضارة القرن الـ21، يمكن ان ترى بأم العين تلاميذ مدارس بعمر الورد يستخدمون الحمير كوسائط نقل للوصول الى مدارسهم في طريق طويلة محفوفة بالخوف والمخاطر.
« نحن نعيش هنا في مساكن من الصفيح وخيام دون وجود كهرباء او ماء » يقول المواطن علي زواهرة، ويضيف « .. صامدون هنا رغم الهدم والمضايقات، هم يهدموا ونحن نعمر ونبني من جديد، نحن هنا منذ اكثر من 30 عاما ولن نرحل ».
جهود المواطنين البسطاء من مزارعين ورعاة أغنام وربات بيوت من سكان أم الرشاش، لم تسعفهم هذه المرة من الحفاظ على خيمة واحدة تُؤوي أطفال العائلات أمام وحشية الجنود المتعطشين للقتل.
في الجبل المقابل لخربة عين الرشاش كانت تنتشر المواشي غير آبهة بأصوات الجرافات التي كتنت تحرث حظائرها وتدمر مراعيها.
وتعيش اكثر من ثلاث عشرة عائلة في عين الرشاش، في حوالي 20 مسكنا، تمتهن رعي المواشي، غير أن فيها علامات لمسارات سياحية تدلل على اهميتها ومكانتها الجغرافية والسياحية.
مسؤول ملف الاستيطان شمال الضفة الغربية، غسان دغلس، اكد لـ« وفا » أن قوات الاحتلال تشن هجمة شرسة من خلال سياسة الهدم خاصة في المناطق المصنفة « ج »، حيث هدمت ما يقارب 145 مسكنا منذ بداية العام الحالي.
وأشار الى أن قوات الاحتلال كانت أخطرت بهدم وترحيل أهالي عين الرشاش قبل 18 يوما، مؤكدا أن « هذا هو الوجه الحقيقي للاحتلال، وهناك خطة لتهجير المواطنين ».
ويذكر ان قوات الاحتلال كانت هدمت مساكن وخيام وحظائر أغنام، في الأغوار الوسطى والشمالية وخربة طانا شرق نابلس، كما أخطرت بهدم عدد آخر في مناطق جنوب نابلس.