بقلم: آري شبيط
(المضمون: بدلا من التفكير فقط في المواجهة القادمة بين اسرائيل والفلسطينيين في غزة، يجب التفكير في كيفية منعها عن طريق ايجاد الحلول لمشاكل القطاع ورفع مستوى المعيشة هناك بالقدر المعقول مثل توفير الماء والكهرباء - المصدر).
هناك شيء تقشعر له الأبدان من الطريقة التي تسير فيها دولة اسرائيل ودولة حماس باتجاه المواجهة العسكرية بينهما. مثلما كان في الماضي، اليوم ايضا لا يريدون سفك الدماء في اسرائيل. ومثلما في الماضي اليوم ايضا لا يريدون سفك الدماء في قطاع غزة. لكن مثلما في الماضي، اليوم ايضا فان عدم القدرة على المبادرة الى عملية ايجابية لمنع المواجهة قد يحول المواجهة القادمة بين اسرائيل والفلسطينيين في قطاع غزة الى أمر لا يمكن منعه.
لا يمكن معرفة متى ستندلع المواجهة أو معرفة سبب ذلك. لكن ضربات المطارق في الانفاق التي تحفر مثلها مثل الطبول لجولة العنف القادمة والتي ستؤدي الى سفك الدماء الفظيع والمعاناة الانسانية الفظيعة.
تلخيص للفصول السابقة: قبل نحو عامين سقطت مبادرة السلام الطموحة لوزير الخارجية الامريكي جون كيري. كان واضحا للجميع أنه محظور ترك الفراغ السياسي بين اسرائيل والفلسطينيين، وأنه يجب استبدال العملية السياسية التي انهارت بعملية سياسية بديلة. ولكن لم يكن في واشنطن أو في القدس أو في رام الله شخص قادر على فعل ذلك.
بعد مرور نصف عام على ذلك اندلعت حرب غزة 2014، التي قتل فيها 2200 فلسطيني و75 اسرائيلي. لكن ايضا بعد تراجيديا عملية الجرف الصامد لم تحدث الصحوة. الفراغ السياسي الخطير بقي على حاله، وجزء صغير فقط من الاموال التي خصصت لاعمار القطاع وصلت الى العنوان حيث أن ساعة العودة الى الوراء تتكتك في الجنوب منذ عامين.
إلا أن المشكلة ليست فقط في المواجهة القادمة. يعيش في قطاع غزة 1.8 مليون فلسطيني. هؤلاء الناس ليس اخوتنا لكنهم جيراننا. جزء كبير منهم هم لاجئين، ايضا لاسباب اخلاقية وسياسية لا يمكننا أن نكون لامبالين بمصيرهم. لا نستطيع تجاهل حقيقة أن البلاد الضيقة والقريبة تعيش في حالة مواجهة. ولا نستطيع أن نكون عميان أمام حقيقة أنه ليس عندهم ماء ملائم للشرب ولا كهرباء ولا يوجد لهم أمل.
حماس هي منظمة مطلقة واصولية ومعادية. لكن الناس الذين يعيشون تحت سيطرتها هم بشر. اذا لم نسمح لهم بالعيش مثل بني البشر فسندفعهم باتجاه الحائط وباتجاه اعمال اليأس التي ستعود عليهم بالكارثة والتعاسة علينا ايضا.
ما العمل؟ يجب اعمار غزة. يجب استغلال تكنولوجيا المياه في اسرائيل – التي هي من الافضل في العالم – من اجل اقامة مصانع تحلية في شاطيء غزة لتوفر لسكان القطاع مياه الشرب. واستغلال مصادر الغاز الجديدة في اسرائيل كي نعطي جيراننا الطاقة الرخيصة والغير محدودة. واقامة محطات توليد والمبادرة الى مصانع البناء والعمل بتعاون مع الولايات المتحدة واوروبا والسعودية ودول الخليج من اجل خطة مارشال شاملة. وأن نحاول اقناع المصريين لاقامة ميناء بحري في شمال سيناء، يخدمهم ايضا ويخدم سكان غزة. وقلب كل حجر والخروج من كل صندوق في البحث عن طرق تُمكن من تغيير مستوى الحياة للناس الذين يعيشون وراء معبر ايرز وحاجز كيسوفيم.
إن نظرية غزة أولا وغزة فورا وغزة قدر الامكان، لها أهمية ثلاثية. من جهة سيمنع ذلك الحرب. ومن جهة اخرى سيسمح ذلك بتعايش مستقر وانساني في ظل غياب السلام. ومن جهة ثالثة سيجيب هذا على المخاوف الاسرائيلية المبررة التي اعتبرت أن الانفصال عن غزة تحول الى كابوس اسمه حماس وصواريخ.
عندما يشعرون فقط في اسدود وعسقلان وسدروت أن الناس في جباليا وخانيونس ورفح يعيشون حياة شرق اوسطية معقولة – ستُفتح ابواب القلب ويُشق الطريق مرة اخرى للحوار والتعاون وتقسيم البلاد.