باتت حصيلة اجتماعات الدوحة التي احتضنت ممثلي حركتي « فتح » و« حماس » الفلسطينيتين« طيلة الأيام الماضية، للتوصل إلى »تصوُّر« تنفيذي لاتفاقات المصالحة الفلسطينية المتعثرة، معروضة على طاولة قادة التنظيمين الذين سيحسمون إقرارها من عدمه، للانتقال إلى مرحلة التنفيذ من عدمه.
ويحرص القيمون على الاجتماعات من الطرفين، على التزام الصمت إلى أقصى الدرجات، على قاعدة أن مفتاح النجاح يكمن في الابتعاد عن التسريبات الإعلامية التي غالباً ما يُساء تفسيرها، وهو ما يؤدي أحياناً إلى إفساد اتفاقات سياسية دقيقة كالملف الفلسطيني الداخلي.
وعلمت »العربي الجديد« أن الاتفاق بين »حماس« و »فتح« بات جاهزاً، وصار في عهدة القيادات من التنظيمين. وفي حال إقراره من قبل الأطر القيادية تلك، من المقرر أن يلتقي الرئيس محمود عباس برئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية »حماس« خالد مشعل، لتكريس الاتفاق الذي بات يصطلح على تسميته بـ »التصوُّر التنفيذي لاتفاقات المصالحة الفلسطينية« .
وبعدها، إن سارت الأمور بالشكل المرسوم، يلتقي عباس مع قادة الفصائل لعرض ما تم الاتفاق عليه أمامهم، ولإعطائه بُعداً وطنياً فلسطينياً، يتعدى الإطار الثنائي بين »حماس« و »فتح« ، وبناءً على ذلك يتم تشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل الفصائل وليس حكومة وفاق بين التنظيمين. فضلاً عن ذلك، ينصّ الاتفاق (التصوُّر) على عقد اجتماع المجلس التشريعي لإقرار موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية، وهو ما قد يكون من العناوين الأصعب في الملف الداخلي.
من هذه النقطة الأخيرة، ينبع تفاؤل مصدر تابع اجتماعات الدوحة عن قرب، أوضح لـ »العربي الجديد« أن طرفي الانقسام توصلا بالفعل إلى نقطة بداية ينطلقان منها للمصالحة، تتجسد في تشكيل حكومة وحدة وطنية وتحديد موعد لعقد الانتخابات التشريعية والرئاسية. ومن المؤشرات حول ترجيح كفة احتمال التقدم إلى الأمام، إعراب الناطق باسم الحكومة الفلسطينية يوسف المحمود في تصريحات لـ »العربي الجديد« عن استعداد رئيس الوزراء في الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله، تقديم استقالة حكومته »لدعم جهود المصالحة الفلسطينية وتشكيل حكومة وحدة وطنية« .
وحول ما تردّد عن معوقات في البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الذي لا تتفق معه »حماس« ، أكد المصدر أن الطرفين اتفقا على عقد جلسة للإطار القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية لحل هذه المشكلة بالتحديد. وكان عباس قد أكد في تصريحات له مساء الإثنين أن »حوارات الدوحة تهدف إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية من الفصائل الفلسطينية وعقد الانتخابات التشريعية والرئاسية« ، موضحاً أنه »إذا لم يتم تحقيق هذين الأمرين، فلا تصدقوا أن هناك مصالحة فلسطينية« .
لكن حتى أشد المتفائلين بحصول اتفاق في الدوحة أوحى البيان الصادر عن الحركتين بوجوده بالفعل، يتفقون على أن ما حصل، حتى ولو وافقت عليه قيادتا »حماس« وغزة »، يبقى مجرد خطوة أولى، نظراً لحجم الخلافات التي لم تستطع جولات القاهرة والدوحة ومخيم الشاطئ والرياض حلها، منها ما يتعلق بتسليم معبر رفح لحرس الرئاسة الفلسطينية، ورواتب موظفي قطاع غزة.
وقد نشر الطرفان بياناً مشتركاً، بتوقيتين مختلفين، وباختلافين طفيفين في الصياغة، بشأن المشاركين في الحوار من حركة « حماس »، حيث ذكر بيان وكالة الأنباء الفلسطينية مشاركة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، في الحوار، فيما اكتفى بيان « حماس » بالحديث عن « المجتمعين »، من دون تحديد هوياتهم. أما الاتفاق الذي تم التوصل إليه، فبقيت بنوده غير معلنة، و« سيجري تداوله والتوافق عليه في المؤسسات القيادية للحركتين، وفي إطار الوطن الفلسطيني مع الفصائل والشخصيات الوطنية، ليأخذ مساره إلى التطبيق العملي على الأرض ». وكان حوار الدوحة قد بحث، وفق مصادر فلسطينية، تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، ووضع اتفاق القاهرة وإعلان الدوحة ومخيم الشاطئ موضع التنفيذ.
الملفت أن البيان الذي أصدرته الحركتان، يتحدث عن « بحث آليات تطبيق المصالحة ومعالجة العقبات التي حالت دون تحقيقها في الفترة الماضية »، لكنه يبين أنه لم يجر بعد الاتفاق على جدول زمني لتطبيقه، ما يؤكد بقاء نقاط عديدة عالقة. وعلى الرغم من أن البيان يؤكد أنه جرى « التوصل إلى تصور عملي محدد، سيتم تداوله والتوافق عليه في المؤسسات القيادية للحركتين، وفي الإطار الوطني الفلسطيني مع الفصائل والشخصيات الوطنية، ليأخذ مساره إلى التطبيق العملي على الأرض »، إلا أن لغة البيان الحذرة، وربط التطبيق على الأرض بموافقة أطراف فلسطينية مختلفة، يؤكد أن الأمر لم يُحسم نهائياً بعد، وخصوصاً في ظل الرغبة بمشاركة جميع الفصائل، المنتمية لمنظمة التحرير وغير المنتمية، في تصوّر تطبيق اتفاقات المصالحة.
عن هذا الموضوع، يقول القيادي في الجهاد الإسلامي أحمد العوري لـ« العربي الجديد » إن « المعطيات التي وصلتنا من غرف اجتماعات الدوحة، تفيد بأن اتفاق المصالحة حتى الآن يبقى مجهولاً، ونسبياً بعيد المنال ». وأضاف « نتمنى أن يتم الجلوس والحديث بشكل موسع مع الكل الفلسطيني، حتى نخرج من الثنائية ومن توزيع الحصص، ونتفق على استراتيجية وطنية لدحر الاحتلال ».
بدوره، يشير المحلل السياسي هاني المصري الذي واكب جولات المصالحة منذ بداياتها إلى أن « المتحاورين خرجوا عن الصلاحيات التي تم تفويضهم لأجلها من قبل حركاتهم، لذلك يريدون مصادقة قادة الحركتين على ما توصلوا إليه ». وتابع « هناك على الأقل ملفان ينتظر قادة حماس مصادقة مسؤولي الحركة في قطاع غزة عليهما ». ويضيف المصري: « أعتقد أن لدينا اليوم إتفاقاً مؤجلاً، حيث تجنب الطرفان القضايا الجوهرية وركزا على قضائية إجرائية وشكلية، ما سيعيد المشكلة إلى المربع الأول ».