خبر الحوار الفلسطيني وفرص النجاح.. هاني المصري

الساعة 07:18 ص|26 يناير 2016

الحوار الفلسطيني وفرص النجاح.. هاني المصري

 

بتدخل قطري، سيعقد في الدوحة اجتماع «فتحاوي - حمساوي» في الأسبوع الأول من شباط، للبحث مرة أخرى في إمكانية تحقيق المصالحة، وإذا حققت الجولة تقدمًا سيتلوها لقاء على مستوى القمة.

هل ستحقق الجولة القادمة نجاحًا، أم ستكون مناورة اضطرارية سرعان ما تفشل بالاتفاق على خطوات جديدة؟ هل سيكون مصيرها أفضل من «النجاحات» السابقة؟ فقد شهدنا توقيع اتفاقات، وبدء الشروع في تطبيقها ثم انهيارها، فكلنا يذكر ما حصل بعد «اتفاق مكة»، إذ تم تشكيل حكومة وحدة وطنية لم تعمر سوى ثلاثة أشهر، وكذلك مصير حكومة الوفاق الوطني التي شكلت بعد «إعلان الشاطئ» ولم تعد حكومة وفاق منذ فترة طويلة!

ليس خافيًا على أحد أن الاهتمام بالمصالحة بات ضئيلًا، لأن الشعب والقوى والأصدقاء والحلفاء سئموا من أخبار الحوارات والاتفاقات التي لا تطبق، بينما القضية تتراجع، والقدس تضيع، وهو ما أدى إلى تفجير موجة انتفاضية للشهر الرابع على التوالي من دون قيادة ولا أهداف، ما جعلها تستحق تسمية «الانتفاضة اليتيمة» لتكون ضحية جديدة من ضحايا الانقسام.

إذا أخذنا التطورات التي نعيشها والظروف المحيطة بِنَا بالاعتبار، وجدنا أن العوامل التي تدعو إلى إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة تتزايد بصورة ملحوظة. فالكل الفلسطيني في مأزق يتفاقم باستمرار، وهذا أمر بات يعترف به الجميع بصراحة وعلى الملأ من دون تحميل المسؤولية بالكامل للطرف أو الأطراف الأخرى، بل بات كل طرف يحمّل نفسه قدرًا من المسؤولية. كما أن الرهان على انهيار الطرف الآخر بسبب نهاية ما يسمى «عملية السلام» وتكثيف العدوان والاستيطان والعنصرية وانغلاق الأفق السياسي تمامًا لم يتحقق، فعوامل بقاء «فتح» والسلطة التي تقودها، ولو بالاسم، أقوى مما يعتقد البعض برغم التآكل المستمر للأرض والحقوق والمؤسسات ولما تبقى من شرعية.

في المقابل، لم يتحقق الرهان على سقوط «حماس» على أساس أن سقوط «الإخوان المسلمين» في مصر وهبوطهم في المنطقة سيجر معه هذا الانهيار، خصوصًا بعد تردي علاقة الحركة بمصر وإغلاق الأنفاق، واستمرار تردي علاقتها بإيران وسوريا، وعدم نجاح محاولاتها القاضية بإصلاح علاقتها بالسعودية. فعوامل بقاء «حماس» برغم ما سبق قوية، أهمها أنها صمدت في وجه ثلاثة عدوانات إسرائيلية على قطاع غزة. كما أنها تستمد قوتها من فشل اتفاق «أوسلو» والرهان على المفاوضات والولايات المتحدة، وكذلك من دخول منافستها حركة «فتح» في صراع حام على خلافة الرئيس. ولعل كل ما سبق يفسر لماذا تزايدت شعبية «حماس» كما أشارت الاستطلاعات الأخيرة، لدرجة أنها تضمنت مساواة في النسبة التي حصلت عليها «فتح» (35 في المئة لكل منهما)، إضافة إلى تفوق إسماعيل هنيّة على محمود عباس في انتخابات رئاسية قادمة.

ويتوقف نجاح أو فشل الجولة الجديدة من الحوار الثنائي على التالي: هل سيعتمد على الصيغ والأفكار والقواعد نفسها التي حكمت الاتفاقات والتجارب السابقة، أم سيستخلص الدروس والعبر منها؟ وهذا يقتضي التوقف بعجالة عند جذور الانقسام وأسبابه وكيفية السعي سابقًا لحله، وكيفية إنجاح التجربة الجديدة إذا ما كانت لها فرصة في النجاح.

يعود الانقسام إلى الخلافات البرامجية والأيديولوجية والتدخلات الإقليمية والعربية والدولية، وإلى أن القضية الفلسطينية ولدت ولا زالت قضية دولية، بحيث وضع العالم إسرائيل على خريطة المنطقة ويستمر بحمايتها برغم كل ما تشكله من أخطار على الأمن والاستقرار الدوليين، وفرض على الفلسطينيين إذا أرادوا الوحدة الالتزام بشروط اللجنة الرباعية المجحفة من دون أن يفرض شيئًا على إسرائيل. وبحكم أن السلطة تعتمد على المنح والمساعدات الخارجية، كان وسيكون للدول المانحة، وخصوصًا الولايات المتحدة وأوروبا، دور مهم في إفشال جهود المصالحة. كما تلعب إسرائيل دورًا بارزاً في تعميق الانقسام، لأن الاحتلال صاحب السيادة ومتحكم بأعناق السلطة وأرزاقها.

إن إهمال المضمون السياسي للمصالحة هو الخلل الرئيسي في الاتفاقات، إذ تم الفصل بين الوحدة المنشودة وبين أهدافها، وما إذا كانت لتكريس الأمر الواقع (سلطة حكم ذاتي تحت الاحتلال، أم سلطة كأداة للمنظمة وضمن منظومة كاملة وإستراتيجية ترمي إلى إنهاء الاحتلال وتحقيق بقية أهداف الشعب). فقد تم تجاهل أمر الاتفاق على برنامج سياسي ونضالي، بحجة وجود خلافات تارة، أو لأنه من اختصاص «منظمة التحرير» تارة أخرى، أو لأن الاتفاق عليه سيؤدي إلى مقاطعة وعقوبات إسرائيلية وأميركية، وربما أوروبية ودولية، تارة ثالثة.

كما تم تأجيل ملف «منظمة التحرير» برغم أنه المدخل الطبيعي لإعادة بناء الحركة الوطنية والتمثيل وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، لأن الحديث يجب أن يدور عن الشعب الفلسطيني بأسره كون المنظمة هي الممثل الشرعي الوحيد؛ وحتى تكون كذلك قولًا وفعلًا، تجب إعادة بناء مؤسساتها في ضوء المعارف والخبرات المكتسبة والمتغيرات والحقائق الجديدة، لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي.

ومن أسباب الانقسام الأخرى عدم إدراك الخصائص والظروف الخاصة التي تميز الضفة عن غزة وبالعكس، بعد أكثر من 25 عامًا من الفصل الإسرائيلي ما بين الضفة والقطاع، الذي بدأ قبل اتفاق «أوسلو» وتكثف بعده، ووصل إلى الذروة إثر تطبيق خطة فك الارتباط التي أرادت تحقيق جملة أهداف، أهمها قطع الطريق على إقامة دولة فلسطينية، وإحداث انقسام سياسي وجغرافي، والتخلص من العبء الديمغرافي، ورمي قطاع غزة في حضن مصر، والتقدم خطوات نحو تهويد واستيطان الضفة.

إن نجاح الجولة القادمة يستدعي أخذ ما سبق بالحسبان، بحيث يجري الحوار من أجل تحقيق رزمة شاملة وضمن رؤية جديدة تناسب المرحلة الجديدة التي بدأت تطل برأسها ولم تولد بعد، ووضع خريطة كاملة وليس الاتفاق على خطوات مجتزأة جُرّبت وفشلت.

وتأسيسًا على ما سبق، لا بد من الانطلاق من القناعة بأن أي خطوة نحو الوحدة بسبب ظروف اضطرارية للطرفين، أو جراء خلافات داخلية على خلفية الصراع على الخلافة ستنهار بتغير الظروف، وثانيًا بأن إنهاء الانقسام عملية تحتاج إلى وقت ولا تتحقق بضربة واحدة، وثالثاً بضرورة الخروج باتفاق كامل يحدد نقاط الاتفاق والخلاف وأشكال العمل المشترك، وبصيغة يخرج منها الجميع منتصرًا على قاعدة «لا غالب أو مغلوب»، وعدم الاستجابة للضغوط الخارجية أو الداخلية من جماعات مصالح الانقسام، مع مراعاة أن يكون الاتفاق قابلاً للتسويق دوليًا من دون الخضوع للإملاءات وشروط اللجنة الرباعية، وتوسيع مساحة المشاركين لتشمل الشباب والمرأة وممثلين لشعبنا في الشتات.

الاتفاق على البرنامج السياسي والنضالي هو نقطة البداية، على أن نعرف سلفًا بقية الخطوات والمراحل والجداول الزمنية التي يجب خلق حاضنة سياسية وشعبية لضمان تطبيقها، وضمن رؤية تحدد أين نقف، وإلى أين نريد أن نصل، وكيف نحقق ما نريد.