خبر إسرائيل: صراعات اليمين تحتدم وتهدد الائتلاف

الساعة 07:10 ص|26 يناير 2016

فلسطين اليوم

فيما كان بنيامين نتنياهو منشغلاً بترسيخ مكانته داخل حزب «الليكود»، انفجرت في وجهه مشكلات عدة باتت تهدد استقرار حكومته. فقد استمرت الهَبَّة الشعبية الفلسطينية، ولم تتوقف رغم كل المساعي التي بذلها لإخمادها، وتعالى الغضب الأوروبي، بل والأميركي، من استمرار سياسة التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية وانسداد أفق التسوية. ولكن المستوطنين يزدادون أيضاً غضباً ضد ما يعتبرونه إبطاءً للوتيرة الاستيطانية، وتساهلاً مع الجيش الذي لا يقمع الهبة ويبطئ الاستيطان.

وتجاهل نتنياهو كلام رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال غادي آيزنكوت الذي أظهر اختلاف الجيش مع الحكومة بشأن العلاقة مع السلطة الفلسطينية والأفق السياسي، كما ناور مع الموقف الأوروبي ضد المستوطنات، وحتى مع الموقف الأميركي الذي أفصح عنه السفير دان شابيرو. ولكن كل ذلك كان شيئاً، والصراع على المكانة في قيادة «الليكود» واليمين عموماً كان شيئاً آخر. واستغل أنصار المستوطنين قرار وزير الدفاع موشي يعلون بإخراج مستوطنين من بيتَين احتلوهما في الخليل، لتتطور حملةٌ ضد نتنياهو ويعلون على حد سواء. ورغم أن الحملة لم تتوقف منذ شهور طويلة، وربما منذ الحرب الأخيرة على غزة، إلا أنها هذه المرة صارت تهدد الحكومة ورئيسها.

فزعيم «البيت اليهودي»، نفتالي بينت، يجد هامشاً كبيراً من الحرية في التنكيل بنتنياهو وتوجيه اتهامات قاسية ضده، لأنه يعلم أن الائتلاف الحكومي يستند إلى أغلبية صوت واحد فقط. إلى جانب ذلك، يعلم أن نتنياهو في وضع مشلول داخل «الليكود» واليمين يحول دونه ومحاولة التحرك في أي اتجاه من دون أن يعرض استقرار حكومته للخطر؛ بل إن أعضاءً في الكنيست من «البيت اليهودي» أعلنوا جهاراً أنهم لن يشاركوا في التصويت إلى جانب الحكومة إلا بعد عودة المستوطنين للبيتَين في الخليل.

وأمام هذا الواقع، وجد زعيم «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، فرصةً للعودة إلى الواجهة، بإعلان وجوب «الذهاب إلى انتخابات مبكرة» لإخراج الحكم وإسرائيل من دائرة الشلل الحالي. صحيح أن نتنياهو بادر إلى عقد اتفاق مع نفتالي بينت يقضي بإحالة كل نقاط الخلاف بينهما إلى لجنة مشتركة، لكن من الواضح أن الصدام لن يتوقف. فبينت يسعى لإظهار نفسه وحزبه وكأنهم يقودون الحكومة لتحقيق غايات اليمين القصوى. والمحيطون بنتنياهو، وكذلك بيعلون، يؤمنون أن استمرار الشراكة مع «البيت اليهودي» تنطوي على مواصلة الشلل في الحياة العامة. ولكن البدائل الأخرى، كتوسيع الحكومة عبر ضم ليبرمان وحزبه يميناً، أو المعسكر الصهيوني يساراً، تحمل في ثناياها مخاطر انهيار معسكر اليمين ووحدته.

وجاء مطلب ليبرمان بانتخابات مبكرة بعدما بدأت الجهود تتكثف في دوائر المعارضة الإسرائيلية لاستغلال الشروخ القائمة في الائتلاف الحكومي وتقديم مشاريع قوانين لحل الكنيست. وقال ليبرمان في اجتماع كتلته يوم أمس إنه لا مفر من التوجه نحو انتخابات مبكرة: «في الماضي، كان لدينا مواطن قلق (المقصود نتنياهو)، واليوم صار كل المواطنين قلقين. هذه الحكومة لا تملك سياسة: لا سياسة داخلية ولا سياسة خارجية، ولا سياسة أمنية، كل شيء فوضى، ولذلك لا مناص من التوجه لانتخابات مبكرة. ونحن سندعم أي قانون لحل الكنيست، لأن هذه الحكومة تقود شعب إسرائيل إلى الهاوية».

وهكذا، فإن كتلة «المعسكر الصهيوني» برئاسة حاييم هرتسوغ قررت أن تعرض على الكنيست يوم غد (الأربعاء) مشروع قانون لحل الكنيست. وقالت عضو الكتلة، ميراف ميخائيلي، إن «أعضاء الائتلاف أنفسهم فقدوا الثقة برئيس معسكرهم. وإذا كان نتنياهو عاجزا عن السيطرة على أعضاء حزبه، رغم أن الأصابع هناك معدودة، فهذه مشكلته».

وكانت الصحف الإسرائيلية حفلت بأخبار الخلاف المحتدم بين نتنياهو ووزير المواصلات من حزبه، إسرائيل كاتس. ويشكل خلاف نتنياهو مع كاتس الحلقة الأخيرة في سلسلة خلافات نتنياهو مع كل من يعتبر شخصية قوية وذات نفوذ داخل «الليكود» بسبب خشية نتنياهو المرضية من احتمالات التمرد عليه. وقد سبق ومر بهذه المسألة مؤخراً أشخاصٌ مثل موشي كحلون الذي أنشأ حزباً خاصاً، وجدعون ساعر الذي لا يزال يعتزل الحياة السياسية لكنه قريب من العودة إليها.

وانفجر خلاف نتنياهو مع كاتس إثر رفض الأخير تمرير مشروع يقضي بفتح سوق السيارات العمومية أمام المنافسة من جانب أصحاب السيارات الخاصة. فقد طالب نتنياهو بفتح السوق أمام ما يعرف بخدمة «أوبير» (Uber) التي تملكها شركة أميركية، وتعتمد على تشغيل السيارات الخاصة لنقل المسافرين مقابل مبالغ. ورفض كاتس الفكرة مطالباً باعتماد ثمانية مليارات شيكل لتعويض أصحاب السيارات العمومية قبل التفكير بخطوة من هذا القبيل. وعمد إلى لذع نتنياهو بانتقادات، ليس أقلها أنه كوزير يعمل في إسرائيل من أجل «مصلحة عموم المواطنين»، وليس من أجل «مصالح رجال أعمال أجانب». ولكن المعلقين الإسرائيليين يعتقدون أن السبب الحقيقي للخلاف هو اعتراض كاتس في حينه على محاولة نتنياهو إجراء انتخابات تمهيدية مبكرة لزعامة «الليكود». ورغم أن كاتس كان لفترة طويلة محسوباً على معسكر نتنياهو، إلا أنه أفلح في السنوات الماضية في اكتساب شعبية داخل «الليكود» يمكن أن تهدد زعامة نتنياهو.

ومن الواضح أن كل الخلافات القائمة في الائتلاف وعلى هوامشه اليمينية تتمحور في نتنياهو وزعامته التي باتت موضع خلاف متزايد. ومع ذلك فإن سخونة الحلبة السياسية حالياً لا تعني أن التغيير سريع ومؤكد، ولكن هناك أزمة تحتدم داخل معسكر اليمين بسبب عدم توفر عدو داخلي ظاهر يهدد حكمه.