خبر حذار الهروب من رمضاء المأزق إلى نار الحرب ..بقلم د.وليد القططي

الساعة 08:51 ص|21 يناير 2016

بقلم د.وليد القططي

مع إشراقة كل يوم جديد من المفترض أن يشرق معه أملاً جديداً لناس بغدٍ أفضل وأن يشع من شمسه البُشرى للشباب بمستقبل أجمل . ولكن الأمر مختلف في غزة فبدل الأمل اليأس وبدل البُشرى النذير ، والغد الأفضل يصبح الغد الأسوأ و المستقبل الأجمل يصبح المستقبل الأقبح . ذلك بأن مأزق غزة يتفاقم يوماً بعد يوم بتزايد معاناة الناس الحياتية كمحصلة للاحتلال والحصار والانقسام ، وكنتيجة لتجمد المصالحة السياسية بتجمّد عقول أولي الأمر منا وعلينا ، وفي خضم هذا المأزق وتلك المعاناة تُدق طبول الحرب مجدداً ، معبرةً عن نفسها بارتفاع صوت المعركة متجلية في التهديدات المتبادلة والتجهيزات المتقابلة ، لنجد أنفسنا أمام سيناريو مكرر للمرة الرابعة ، يحفظه كل مخضرم عاش حروب غزة الثلاثة ، ولم تُكتب له الشهادة في احداها ، ويتذكرهُ كل ضليع بقصص الأفلام العربية القديمة التي تنتهي بطبول الزفة والزواج ، ولكنه في قصتنا ينتهي بطبول المعركة والحرب ، والحرب تنتهي بالتهدئة ، والتهدئة تعيد انتاج الحصار وتكريس الانقسام وتعميق المعاناة ....حتى إذا ما تفاقم المأزق واستحكمت حلقاته مرة أخرى اندلعت الحرب وهكذا دواليك . 

والحرب لو كانت مفروضة من العدو الصهيوني على غزة –وهي كذلك غالباً-تصبح مواجهتها قدرٌ لا مناص منه  ، وحينئذٍ لا مفر من الصمود والمقاومة مهما عظمت التضحيات حتى يتحقق النصر على العدو ، أو على الأقل منعه من تحقيق النصر بإحباط أهدافه العسكرية والسياسية للحرب ، ومُراكمة عناصر القوة للشعب ومقاومته وعناصر الضعف للعدو جيشاً ومستوطنين ، وهذا نوعٌ من النصر الذي يقدمنا خطوة إلى الأمام على طريق تحرير فلسطين الطويلة والشاقة ، كي لا تذهب تضحيات الشعب ومعاناته بدون ثمن يُقربنا من لحظة النصر .

والعدو الصهيوني يُعد للحرب على غزة بدون شك ، كما يخوض حرباً الآن على الضفة لقمع انتفاضة القدس ، وأخرى على فلسطيني الداخل المحتل عام 1984 ، ويمنع فلسطيني الشتات من العودة إلى الديار كأشكال مختلفة  للحرب والعدوان .......وسيبدأ العدوان على غزة لا محالة ولن تعوذه الذرائع وتنقصه المبررات حين يقرر ذلك ، كونه لم يستطع حسم الحروب السابقة عسكريا  لصالحه رغم نجاحه الكبير في القتل والتدمير ، ولم يتمكن من تحقيق انجازات سياسية من وراء حروبه السابقة ، ولذلك يتوق إلى الحاق الهزيمة بالمقاومة وتدمير قوتها العسكرية لإزالة التهديد الاستراتيجي للمقاومة عليه وإفساح المجال أمام الحلول السياسية التي تُصفي القضية الفلسطينية وتُنهي الصراع لصالحه .

أما إذا كانت الحرب غير مفروضة في هذا الوقت بالتحديد ، ولم يبدأ العدو بالحرب والعدوان ، فليس من الحكمة استدراج العدو لحربٍ جديدة ، خاصةً وأننا لم نعالج أثار ونتائج الحروب السابقة ، ولم نسد الثغرات التي ظهرت في جبهتنا الداخلية ، ولم نعمل على تعزيز مقومات صمود الشعب في غزة حاضنة المقاومة ، فلا يكفي أن نُعلن أننا نراكم القوة العسكرية فوق الأرض وتحتها ، فلماذا لا نراكم أيضاُ القوة الشعبية بتعزيز مقوّمات صمود الشعب الفلسطيني الذي يحمي المقاومة ، فبقدر ما نًلبّي احتياجات الشعب الاقتصادية ونخفف عنه المعاناة الحياتية ونفتح أمامه آفاق الحياة الحرة الكريمة بقدر ما يصمد الشعب وبالتالي تصمد المقاومة ، وبقدر ما يتماسك المجتمع ويتلاحم الشعب وتتحقق وحدته الوطنية بقدر ما تنجح المقاومة قي القيام بدورها الوطني العظيم .

والخلاصة أن الخروج من مأزق غزة ومعاناة أهلها يتم بالخروج من هذا المأزق وتخفيف معاناة السكان ، وليس بالذهاب إلى الحرب اذا كانت غير مفروضة ويُمكن تأجيلها ،  إن لم نستطع منعها في ظل ظروف محلية وإقليمية ودولية مواتية للعدو. وأي حرب قادمة كشكل من أشكال الصراع مع العدو مثلها مثل الانتفاضة والعمليات العسكرية والمقاومة الشعبية و المقاطعة وغيرها يجب أن تكون في اطار خطة استراتيجية شاملة ضمن المشروع الوطني الفلسطيني لتحقيق الأهداف الوطنية الكُبرى على طريق التحرير والعودة والاستقلال .