خبر عُذراً سيدي الرئيس ... السلطة ليست انجازاً وطنياً ..بقلم د. وليد القططي

الساعة 08:09 ص|14 يناير 2016

 

في خطابه الأخير بتاريخ الخامس من يناير من العام الجديد قال السيد الرئيس محمود عباس « إن السلطة باقية ولا يوجد أي سيناريو لحلها وهي إنجاز وطني كبير ولن نتخلى عنها ولن نسمح بانهيارها » وهذا الخطاب يخالف ما كان قد أعلنه السيد الرئيس في السابق من تهديده بتسليم مفاتيح السلطة للاحتلال ليتحمل عبئها بعد أكثر من عشرين عاماً من الاحتلال المُريح  ، فهل السلطة إنجاز وطني كبير فعلاً ؟ أم هي عبء على المشروع الوطني الفلسطيني ؟ وهل هي وسيلة للوصول إلى التحرير والدولة ؟ أم هي وسيلة لإطالة عُمر الاحتلال وغطاء له ؟

فمن المعروف أن السلطة الفلسطينية قد تأسست بناءً على قرار من المجلس المركزي الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية  في دورته المنعقدة في تونس في أكتوبر عام 1993 ، وعلى أساس إعلان المبادئ بين المنظمة والكيان الصهيوني في إطار اتفاقية أوسلو في سبتمبر من العام نفسه كحل مؤقت لمدة خمس سنوات تمهيداً للحل النهائي ، وبناءً على مرجعية أوسلو القانونية ومرجعية المنظمة السياسية انبثقت وظائف السلطة الأمنية والمدنية والسياسية ، وهذه الوظائف هي المحددات لحجم الدعم الاسرائيلي والاقليمي والدولي للسلطة صعوداً وهبوطاً .

فالوظيفة الأمنية للسلطة تتم عبر آلية التنسيق الأمني الموّجه أساساً ضد المقاومة الفلسطينية للاحتلال ، والذي اعتبره أبو مازن في خطاب سابق مقّدس إدراكاً منه بأنّ التخلي عنه سيعود في نهاية المطاف إلى التخلّي عن السلطة نفسها . والوظيفة المدنية للسلطة أراحت الاحتلال من عبء إدارة شؤون السكان المدنية ، وإلقاء هذا العبء على السلطة الفلسطينية ، بينما يحتفظ الاحتلال بمعظم الأراضي ليقيم عليها المستوطنات التي تتمدد يومياً ، إضافة باحتفاظه بالسيطرة الاستراتيجية على الضفة والقطاع ، فيكون بذلك قد حقق حلمه في التخلّص من السكان والاحتفاظ بالأرض . أما الوظيفة السياسية للسلطة فهي الأخطر في مشروع أوسلو التي تتمثل في إعطاء غطاء سياسي للاحتلال والاستيطان طوال المرحلة الانتقالية التي تحولت إلى دائمة ، وهذا ما استطاع العدو تحقيقه من الوظيفة السياسية, وما لم يستطع تحقيقه أخطر والمتمثل في إنهاء الصراع لصالحه ليدخل بعدها إلى كل العواصم العربية والإسلامية .

كان من الواضح أن الكيان الصهيوني أراد من السلطة غير ما أردناه – نحن الفلسطينيين – فقد أراد منها ان تكون غطاءً للاحتلال يستطيع من خلالها أن يواصل السيطرة على الأرض بعد التخلّص من السكان ليواصل التهامها بالتقسيط لإقامة المستوطنات عليها ، وإيجاد شريك فلسطيني يقمع المقاومة  ، ويتخذها جسراً سياسياً إلى كل العواصم العربية وتحقيق حلم إسرائيل الكبرى . أما ما أردناه نحن الفلسطينيين ممثلين في منظمة التحرير الفلسطينية فهوأن تكون السلطة جسراً نعبر فوقه إلى الدولة الفلسطينية المستقلة على جزء من أرض فلسطين ، وأن تكون موطئ قدم داخل فلسطين يُمكن من خلاله تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني، وإنشاء مؤسسات الدولة المستقبلية عبر مؤسسات السلطة .

وبعد أكثر من عشرين عاماً على إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة والقطاع ، فمن الذي نجح في تحقيق مشروعه من السلطة ؟ الكيان الصهيوني أم المنظمة ؟ بمقياس النتائج من الواضح أن الكيان الصهيوني هو الأكثر نجاحاً في تحقيق مشروعه من إقامة السلطة ، وبدلاً من أن تصبح السلطة جسراً للمشروع الوطني الفلسطيني أصبحت مقبرة له ، بل أصبح مجرد وجودها غاية في حد ذاته وليست وسيلة إلى غاية ، حتى تحولّت إلى إنجاز وطني كبير يجب الحفاظ عليه بكل ثمن ، ولو كان هذا الثمن هو التضحية بحلم التحرير والعودة والاستقلال ، وككيان سياسي من المفترض أن يوّحد الشعب الفلسطيني في الداخل إلا أنه ساهم في تقسيمه بين سلطتين واقليمين ومشروعين .

وختاماً فقد حان الوقت بعد أكثر من عشرين عاماً ، وفي ظل انتفاضة القدس لإعادة النظر في مشروع أوسلو و السلطة الفلسطينية والفكر السياسي الذي قاد إليهما ، أما بالتخلّي عن هذا المشروع لتعود الأمور إلى نصابها الطبيعي شعب مُحتل يقاوم عدو مغتصب لوطنه بدون حواجز تقف بينه وبين الاحتلال . أو على الأقل تغيير فلسفة السلطة ووظائفها السياسية والمدنية والأمنية على أساس الثوابت الوطنية ونهج المقاومة الشاملة وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني لوضع عجلات القطار الوطني الفلسطيني على مسار المشروع الوطني الفلسطيني مجدداُ .