خبر « السلطة » الفلسطينية بين الانهيار والاضمحلال ..أحمد جميل عزم

الساعة 09:44 ص|13 يناير 2016

الحماسة الشديدة التي تحدث بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الأسبوع الماضي، عن السلطة الفلسطينية، وقوله: « يجب أن لا يحلموا بانهيار السلطة، فهي إنجاز فلسطيني وسنتمسك به بقوة، وما بعد السلطة هو الدولة ليس إلا. صحيح قد نُطوق هنا ونمنع هناك ويصل الجنود الإسرائيليون إلى أماكن محرمة ومقدسة، ولكن هذا لن يدعنا نخرج من أرضنا أو نستسلم أو نيأس، ولن نسمح أن يبقى الوضع كما هو عليه، فهم لا يلتزمون بأي اتفاقيات. نحن ننفذ ما وقع عليه الطرفان، وهم لا ينفذون ومع ذلك نحن نتمسك بحل الدولتين »؛ تتضمن (هذه الحماسة) نوعاً من المفاجأة، لأنّ ما كان ينتظره الشعب هو الحديث عن خطوات عملية لإعادة تعريف العلاقة مع الإسرائيليين، ولأنّ الرئيس الفلسطيني نفسه قال في مناسبات سابقة عكس هذا تماماً. على أنّ السيناريو الذي يجري على الأرض حالياً وفعلياً، ولم يعد جزءاً من توقعات المستقبل، هو تقلص واضمحلال السلطة الفلسطينية، وليس انهيارها؛ فالاضمحلال سيناريو أقرب من الانهيار.  

بحسب الرئيس الفلسطيني، فإنّ اليومين المقبلين (هذا الأسبوع)، هو أسبوع الحسم باجتماعات للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واللجنة المركزية لحركة « فتح »، والمحافظين والأجهزة الأمنية. وهذه ستقرر تطبيق قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير المتخذة منذ أكثر من ستة أشهر لوقف التنسيق الأمني مع الإسرائيليين. والواقع أنّ معادلة وقف التنسيق الأمني وبقاء السلطة تبدو معادلة صعبة التحقيق جداً.

في الماضي، تكررت المرات التي تحدث فيها الرئيس عباس نفسه عن حل السلطة، فمثلا في نهاية العام 2012، قال: « إذا لم يحصل تقدم بعد الانتخابات (الإسرائيلية)، سأتصل هاتفياً بنتنياهو وأقول له: اجلس مكاني، استلم المفاتيح، وستكون المسؤول عن السلطة الفلسطينية ». والواقع أن الرئيس الفلسطيني قال تصريحات شبيهة في مناسبات عدة، لذا بدا التصريح الحالي مفاجئا في سياق الحديث عن وقف التنسيق الأمني.

ما يحدث حاليا هو اضمحلال السلطة الفلسطينية. ومن مظاهر هذا دولياً تراجع الاهتمام الدولي بالحديث للشعب الفلسطيني وقيادته. فبعد بعض التحركات الشكلية لوزير الخارجية الأميركي جون كيري، نهاية العام الماضي، بالتوازي مع انتفاضة الفلسطينيين الراهنة، خَفَت الصوت الأميركي، وتكيّف العالم مع انتفاضة الاستنزاف الراهنة من دون تحرك يذكر.

على الأرض، تتوالى القرارات الرئاسية والخلافات مع كل أركان السلطة السابقين تقريباً، وتجري تغييرات في المراكز المختلفة؛ السياسية والإعلامية (مع ثبات في الأجهزة الأمنية)، لكن من دون أي تحرك يذكر على صعيد الانتفاضة الراهنة. ويلاحظ أنه مؤخراً تراجعت كثيراً التساؤلات عن دور الفصائل وحركة « فتح » وغيرها في الانتفاضة الراهنة، ما يعني أنّ هناك نوعا من التكيف من قبل السلطة مع تواجد الانتفاضة، من دون فعل الكثير أو شيء يذكر لقيادة وتطوير الحركة الشعبية، أو حتى لوقفها وتوجيهها واحتوائها. ولعل التدقيق في كلمة الرئيس الفلسطيني، الأسبوع الماضي، في بيت لحم، والتي أعلن فيها التمسك بالسلطة، تشير إلى هامش محدود خُصص للانتفاضة الحالية.

في المقابل، هناك أيضاً تكيف شعبي من قبل الشباب المنتفض، والشارع، مع حقيقة عدم توقع الكثير من السلطة الفلسطينية والفصائل، على صعيد الانتفاضة. ولعل أحد مظاهر عدم التوقع هذا، بدء تبلور حراكات جماهيرية منظمة مستقلة، يقوم عليها مناضلون من الأسرى السابقين وأهالي الشهداء وطلبة الجامعات، لتحقيق تضامن اجتماعي، من نوع حملات إعادة بناء منازل أسر الشهداء، وتبلور أذرع إعلامية واجتماعية للانتفاضة، بشكل طوعي ومستقل.

هذا الواقع (السيناريو) يشير إلى أنّ هناك حالة ينشأ فيها نوع من التوازي الصامت؛ بين قطاعات شبابية وشعبية تتبنى المواجهة اليومية، والظاهرة مستمرة، بل ومتسعة منذ نحو مائة يوم، وبين قيادة وسلطة وفصائل تسير بالإيقاع ذاته البطيء والمتأني الذي ميز أداءها في السنوات الأخيرة، بل والتي تعيش أيضاً حالة تراجع اهتمام الأطراف الدولية في الحديث إليها، فضلا عن خلافاتها الداخلية، وعملية التحطيب الذاتي التي تعيشها.

بهذا المعنى، هناك حالة شعبية آخذة في التوسع والتطور، مقابل سلطة تعاني ضعفا في الأداء وخلافات، ودعما دوليا محدودا. ومن هنا قد لا تنهار السلطة، لكن وجودها ينكمش وينحصر بقضايا محدودة وبيروقراطية يتكيف الناس معها، ويجدون حراكهم المقاوم والثوري بعيدا عنها.