خبر جميل يوسف يكتب: انتفاضة القدس تجاوز للأزمات الاقليمية

الساعة 05:36 م|06 يناير 2016

الآن تنهي انتفاضة القدس شهرها الثالث وقد أصبحت واقعا يتجذر في الواقع الفلسطيني ويحدث ارتدادات ايجابية على كل المستويات السياسية الفلسطينية. كما تحدث كل يوم عملية كي للوعي الصهيوني المحبط وتآكل لنظرية الأمن الصهيونية.

قبل بضعة أيام تتقدم انتفاضة القدس من منطقة المثلث في فلسطين المغتصبة إلى منطقة المركز لدولة العدو وتسجل دورا متقدما في الشراكة الحقيقية في انتفاضة القدس وقبل اسابيع قليلة كان ضابط الأمن الفلسطيني مازن عربية يتقدم ويعلن أنه ابن انتفاضة القدس وغادر ساحة الأجهزة الأمنية إلى ساحة الجهاد والمقاومة.

نعم ما حدث من ابن وادي عارة وضابط الأجهزة الأمنية لازالت في مرحلة الحوادث الفردية كلها كما انتفاضة القدس والأقصى والحجارة ستواصل طريقها لتشمل قطاعات أكبر وتشكل مكونا رئيسا لهذه الانتفاضة المباركة.

بعد انتهاء شهرها الثالث راكمت الانتفاضة أهدافا وطنية مهمة وتواصل صعودها وهي تدرك موقع اقدامها وادواتها وأهدافها ولم تنطلق من أحلام اليقظة.. عندما أشعل الشهيد مهند الحلبي انتفاضة القدس بإعلانه بيانها الأول « الآن بدأت الانتفاضة الثالثة »، لم يجهل هذا الواقع الفلسطيني والعربي شديد الصعوبة، لكنه تحرك ليدعو كافة مكونات الشعب الفلسطيني السياسية والجغرافية ليلتحقوا بهذه الانتفاضة لأن ما يحدث في المنطقة لا يدع لأحد مجالا للانتظار فالواجب يحتم الآن إما الانتفاضة وهي راس رمح المشروع الوطني الفلسطيني أو أي خيارا آخر وجميعها غير وطنية.. الحديث عن دولة فلسطينية وهم وانحراف، مواصلة الحديث عن التسوية ضلال والإبقاء على علاقة مع الغاصب لفلسطين لن يكون سوى تنكر لفلسطين بكل مكوناتها.

كانت السلطة الوطنية الفلسطينية من وجهة نظر أصحابها أنها ممر ضروري للوصول إلى الدولة الفلسطينية بحدها الادنى وحدث ما حدث من تباينات وصراع في الساحة الفلسطينية كنتيجة لهذه الرؤية ولم ولن نصل إلى الدولة وهذا باعتراف الصهاينة وأصحاب التسوية الفلسطينية، المطلوب الآن هو انحياز كل مكونات السلطة الفلسطينية وعلى رأسها الأجهزة الأمنية إلى مربع الانتفاضة لا يوجد مبرر وطني أو سياسي لتأجيل أو التردد في الوقوف في مربع الانتفاضة.

هذا الانزياح للانتفاضة ينقل السلطة الفلسطينية إلى داخل المشروع الوطني والمحللون يؤكدون أن بقاء السلطة على وضعها الحالي يخرجها من دائرة الانتماء للمشروع الوطني لأن السلطة عاجزة عن الوصول للدولة وغير راغبة في حماية شعبها الذي يقتل بدم بارد في شوارع الضفة وفشلت في جعل القضية الفلسطينية هما عربيا وإسلامية وأيضا ترفض توفير الحد الأدنى من احتياجات شعبها في قطاع غزة والشتات، إن بقاء السلطة الفلسطينية في مربع التسوية هو العمى والانتحار السياسي وافتراق عن شعبها وثوابته.

إن حل السلطة الفلسطينية في ظل هذه الاخفاقات والفشل يجب أن يعود إلى طاولة النقاش داخل المؤسسات والقوى الفلسطينية وأن اشتعال انتفاضة القدس يجعل هذه الدراسة ضرورة ملحة. إن حل السلطة في حال حدوثه يدفع بكل المكونات الفلسطينية والأمنية على وجه الخصوص مربع المواجهة المباشرة وسيدفع الجميع إقليميا وعربيا إلى التعامل مع هذه الانتفاضة بدل أن تكون وجهتهم دوما إلى السلطة الفلسطينية التي لا تستطيع خدمة مشروع الانتفاضة والأفضل الا تنتظر السلطة حصارا جديدا كما حدث في العام 2002 لكن على السلطة أن تحاصر المشروع الصهيوني وترد مكر الصهاينة إلى نحورهم. إن قدرة السلطة عبر دراسة مبررات وجودها وإنجازاتها الآن والوصول إلى قناعة بالحل أو إعادة مشروع السلطة إلى م.ت.ف واعتذار السلطة عن المواصلة حتما سيحاصر إسرائيل وسيحاصر كل الدول والزعامات التي تريد أن تبقى فلسطين غائبة وتبقى إسرائيل هي الحليف المحتمل في ظل التحالفات الإقليمية الجارية الآن ومأسي الصراع داخل الوطن العربي.

مطلوب من ابو مازن الآن قرار جرئ ووطني ينهي به حياته بالإعلان أن السلطة لم تعد قادرة على تحقيق أي شيء وانها جهاز عاجز وان التسوية هي وهم وتم اختراعه لخدمة المشروع الصهيوني وأن الانتفاضة ومشروع الجهاد والمقاومة هي المعادل الموضوعي والوحيد للظاهرة الصهيونية في فلسطين.

الشعب الفلسطيني وصل إلى قناعات مطلقة أن السلطة وهم والانتفاضة واقع ملموس الأول لم يحقق أيا من مبررات وجوده والثاني راكم انجازات وأوراق قوة مهمة على ساحة المشروع الوطني.

إن وحدة كل مكونات الخارطة السياسية الفلسطينية ابتداءا من م.ت.ف ومؤسساتها القوى المجاهدة في فلسطين وشباب الانتفاضة في إطار واحد يكون بديلا لكافة إفرازات التسوية بحث تصبح كلها غير شرعية، والشرعي الواحد هو نظام سياسي فلسطيني باسم م.ت.ف لكن مكونات وأدوات جديدة والعودة إلى ميثاق التأسيس عام 1964، هذه الوحدة وحدها القادرة على إشعال الأرض تحت اقدام المشروع الصهيوني ووحدها الكفيلة بالعمل على توجيه كل الطاقات العربية والفلسطينية نحو الحق الفلسطيني.

إن توحيد كل الطاقات الفلسطينية هو وحده الكفيل لمواجهة هذا الانشغال العالمي بقضايا الثورات العربية وترك « إسرائيل » طليقة اليد في قتل وتدمير الفلسطينيين بل أكثر من ذلك إن إعادة إشعال المشروع الوطني الفلسطيني ورفد الانتفاضة بقوى جديدة وعلى رأسها أجهزة الامن الفلسطيني وكذلك الفلسطينيون في الداخل المحتل (أراضي 48) سيشكل خطوة مهمة لحماية الواقع العربي الذي يتعرض للتفتيت. ولعل استدراج القوى التي تبدو اليوم أنها آلة هدم للدول والشعوب في المنطقة وأغرقت المنطقة في شلال من الدماء والانقسام والتحالفات الدموية، تعتبر خطوة يجب أن تبذل من أجلها كل الطاقات وتستنفر لتحقيقها كل القوى وهذا الأمر ليس مستحيلا لأن الأزمة التي تمر بها هذه القوى والدول كذلك تجعل من المهم جدا استدارة الطرفين نحو فلسطين ليحقق كلا منهما هدف الأمة المشتركة بالوحدة والتماسك وهزيمة مشروع الفوضى الهدامة وإنهاء عملية استدعاء الأجنبي ليشكل احتلالا جديدا للمنطقة.

إن شعار الحرية والكرامة والذي صرخت به الجماهير في العواصم العربية وأفسح المجال للمتربصين بالأمة والمنطقة قد أحدث شروخا غائرة في جسد الأمة شروخا سياسية واجتماعية ومذهبية وعرقية هذه الجماهير التي كانت تحلم في الأيام الأولى لثوراتها أصبحت اليوم هائمة على وجودها في عواصم الأجنبي المتآمر يحتم على جميع الفرقاء المتناحرين في الساحة العربيةة أن يعيدوا لملمة المنطقة العربية سياسيا ومذهبيا واجتماعيا عبر طريق واحد فقط وهو فلسطين.

وهذا يفسر القلق الشديد لأحد أركان التحالفات في المنطقة من توجيه داعش ضربات عسكرية لإسرائيل لأن ذلك يسحب شرعية التحالف لكن من جهة الانتفاضة ستجد أن توجيه الطاقات لكافة الأطراف ضد العدو الصهيوني هو أكبر انتصار لفلسطين والانتفاضة كما هو انتصار لوحدة الأمة واستعادة دورها وقوتها  وإرباك شديد للقوى الغربية التي تتآمر على المنطقة العربية وتدعم هذا الكيان الصهيوني بكافة أدوات القتل لإطالة وجوده في فلسطين.

إن الانتفاضة بعد 90 يوما على انطلاقتها المباركة لم تعد حالمة أو هبة كما يحلو للبعض وصفها لكنها كرم إلهي لحماية الأمة من كل ابواب الشر التي تحيط بها وحماية فلسطين وانتفاضتها ونأمل من الجميع أن ينجو بنفسه وبدولته أو حزبه من خلال بوابة القدس وفلسطين وما دون ذلك هو الانتحار والعمى.