خبر في ظل تنوع المخاطر.. إسرائيل تتوق للماضي- حلمي موسى

الساعة 07:28 م|04 يناير 2016

فلسطين اليوم

كعادته طوال وجوده، دأب الجيش الإسرائيلي على عرض سيناريوهات متطرفة تقوم على مبدأ توقع الأسوأ والاستعداد لمواجهته. وكثيرا ما أثارت توقعات الإسرائيليين الضحك لدى العرب لشدة ما بدت مناقضة للواقع القائم. ومع ذلك كثيرا ما تحققت بعض تلك التوقعات بل وفاق الواقع التوقعات في السوء ما دفع كثيرين أيضا لاعتبار ذلك جزءاً من مؤامرة كانت معروفة المعالم سلفا. وفي كل حال من الواضح أن الأحداث تجري وفق سياقات وعلى أساس مصالح وتطورات تنتج مشاهد تكون عواقبها وخيمة على من لم يستعد لها وعظيمة على من استعد لها.

 


وعموما، وحسب ما ينشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية، كثيرا ما فوجئت إسرائيل واستخباراتها بما يجري على الأرض في المنطقة العربية وأحيانا توافقت المجريات مع التوقعات. وهذا حدث في العام 2015 حيث جرى الحديث عن مخاطر متنوعة تحقق القليل منها ولم يتحقق أكثرها. ومر العام 2015 تقريبا من دون وقوع حروب أو عمليات كبرى حملت معها مخاطر التدهور. ونظريا يردد قادة الجيش الإسرائيلي عبارات من قبيل أنهم في كل تاريخ الصراع لم يكونوا في حالة تأهب أكثر مما هم عليه اليوم. وربما أن هذا صحيح نظراً لاختلاف طبيعة المخاطر. كان الخطر الأساس هو اتحاد الجيوش العربية النظامية أو بعضها في خطة واحدة لمواجهة إسرائيل.

 

ويبدو أن آخر الحروب من هذا النوع كانت حرب تشرين في العام 1973 والتي كانت حربا نظامية بكل معنى الكلمة. وبعدها ارتدت الحروب طابعا مختلفا بدأ بحرب لبنان الأولى في العام 1982 والتي جمعت بين الحرب النظامية والحرب ضد ما صار يعرف بقوى «ما دون الدولة» وانتهى بالحرب الأخيرة على غزة. وفي فترة ما بين الحروب كانت تدور حرب من نوع آخر هي التي ظهرت في الانتفاضات الفلسطينية والتي نقلت الحرب إلى داخل كل نفس يهودية، كما جرى في الأيام الأخيرة في عملية تل أبيب.

 


ويشعر الجيش الإسرائيلي أن التغير في طابع الحروب حمل معه إشكاليات غير قليلة أهمها أنه صار عاجزا عن إعطاء وعد بتحقيق انتصارات حاسمة. ففي مواجهة «حرب السكاكين والدهس والطعن» هناك إجماع على أن من المستحيل إلحاق الهزيمة بالطرف الآخر حتى من خلال رفع ثمن إقدامه على أفعال كهذه، كالقتل الفوري وهدم البيوت واحتجاز الجثث. ووجد الجيش، رغم اعتراض ساسة إسرائيليين، أن وسائل القمع المعهودة لا تخدم سوى في تغذية جذوة الصراع وأنها أقرب إلى صب الزيت على النار، فبدأ في محاولة للتراجع عن الخطوات المتشددة. وكانت الحربان الأخيرتان على لبنان وغزة عنوانا واضحا على نوعية الحروب الجديدة التي تنتقل فيها المعركة من الجبهات إلى الداخل باستخدام الصواريخ قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى وتوفر قدرات جديدة للردع المتبادل لا تقوم على أساس التوازن الشامل في موازين القوى.

 

وفي مثل هذا الواقع، ورغم أن لإسرائيل ميزة الدولة الأقوى عسكريا في المنطقة صار بوسع قوى ليست دولة ولكنها تملك قدرات مميزة على إلحاق الضرر أن تقفز على متطلبات التوازن الشامل لتخلق نوعا من الردع المتبادل. وهذا يفسر كثيرا طبيعة العلاقة والتخوفات التي تبديها إسرائيل تجاه صدامات محتملة مع حزب الله في الشمال أو مع حماس في الجنوب وقلقها من تنامي قوى متشددة قرب هضبة الجولان أو من تنظيم داعش في سيناء.

 


ونظرا لأن الحكومة الإسرائيلية الحالية يمينية جدا وعاجزة عن كسر دائرة العداء حتى مع المحيط العربي المعتدل فإنها تبدو غير قادرة على إبداء المرونة المطلوبة لخلق تحالفات جديدة في المنطقة. ورغم إكثار رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالية، بنيامين نتنياهو، من الحديث عن فرص التعاون مع ما يعتبره «المحور السني المعتدل» فإن هذا الحديث لم يحقق كثيرا حتى الآن بسبب المسألة الفلسطينية. تشهد على ذلك طبيعة العلاقة المتوترة بين إسرائيل والنظام الأردني الذي كان أسبق من غيره إلى إنشاء علاقات مصالح مع الدولة العبرية.

 


وفي كل حال من الواضح أن إسرائيل وهي تنظر إلى التغييرات الجوهرية الدائرة في المحيط العربي تتحدث عن مخاطر وفرص. فزوال المخاطر التقليدية أنشأ مخاطر جديدة والفرص التي بدت قبل وقت تتبدد بسبب زيادة انغلاق القيادة الإسرائيلية وعدم استعدادها للتقدم بأي مبادرة. وهناك في إسرائيل من يشدد على أن عدم الميل إلى تقديم تنازلات لـ «المحور المعتدل» يكمن في عدم توفر الثقة بإمكانيات بقائه. ورغم ما تعلنه إسرائيل عن مصلحتها في استقرار المكونات الأساسية لمحور الاعتدال فإنها لا تفعل شيئا لترسيخ ذلك. وتكفي هنا نظرة لعلاقة إسرائيل مع كل من النظام الأردني والسلطة الفلسطينية. إذ تكتفي إسرائيل بالحديث عن مخاطر انهيار السلطة الفلسطينية لأن البديل لوجودها سيكون أسوأ.

 


أما الحديث الإسرائيلي عن استمرار الردع في مواجهة كل من حماس وحزب الله فهو حديث لا يخلو من الهشاشة. ففي نظر الإسرائيليين أنفسهم مثل هذا الردع لا يستند إلى ركائز ثابتة وهو قابل للتغيير في أي لحظة. لذلك نرى القلق الإسرائيلي يتعاظم كلما حدث أمر كمثل اغتيال الشهيد سمير القنطار أو قصف مواقع لحركة حماس في غزة بعد إطلاق صواريخ. فالخيط الفاصل بين وجود الردع وانهياره لا يعتمد على منطق وفضاء واسعين. وهذا ما يقود إسرائيل مرارا إلى الاشتياق لنوعية المواجهات التي كانت تنشأ بينها وبين الجيوش العربية النظامية.