خبر وهم الاسرائيلية -هآرتس

الساعة 11:58 ص|30 ديسمبر 2015

فلسطين اليوم

بقلم: دمتري شومسكي

 (المضمون: عشية اقامة الدولة اقترح اسحق بن تسفي أن تُسمى دولة يهودا. وأن يُسمى كل مواطنوها يهود دون تمييز في الدين والعرق - المصدر).

 

          تعالوا نُجادل مؤيدي اعادة تعريف اسرائيل كدولة جميع مواطنيها الاسرائيليين. يقول الكسندر يعقوبسون إن مفهوم « اسرائيل » بالتحديد يمكن اعطاءه بسهولة معنى مناقض للديمقراطية. إكليركي وقومي متطرف. فهذا هو الاسم التاريخي الاساسي للشعب اليهودي والاسم المحبب على الديانة التي نسميها يهودية (« هآرتس »، 12 أيلول). اذا كانت هذه هي الحال فيمكن التساؤل لماذا لا يقف نتنياهو ونفتالي بينيت واييلت شكيد في الطابور من اجل الانضمام الى جمعية « أنا اسرائيلي »؟.

 

          الجواب ليس معقدا: العناصر اللاديمقراطية في اسرائيل ترتدع من مفهوم « دولة اسرائيلية ». لأنه اضافة الى اليهودية فان المفهوم يشمل باقي مواطني الدولة دون تمييز في الدين والعرق، كشركاء في السيادة المدنية للدولة.

 

          يعقوبسون على حق حسب الفرضية التي تقول إنه يمكن تفسير مفاهيم مثل « دولة يهودية » و« دولة اسرائيلية » بطرق مختلفة ومتعارضة. لكن يجب الاتفاق على أنه من المفروض تفسير المفاهيم السياسية ليس بعيدا عن الواقع الاجتماعي والمدني والسياسي المحدد للمجالات التي تُستخدم فيها. من الواضح أنه في واقع اجتماعي، مدني وسياسي محدد في اسرائيل في العقد السابع على قيامها، يوجد لمفهوم « يهودي » معنى ضيق. لأنه يعبر عن القومية العرقية الدينية، في الوقت الذي يوجد فيه لمفهوم « اسرائيلي » معنى واسع وشامل، حيث أنه مستمد من اسم الدولة بكل من فيها من مواطنين بغض النظر عن هويتهم العرقية القومية.

 

          صحيح أن هذه العلاقة بين المفاهيم الانتمائية السياسية للواقع الاجتماعي السياسي في اسرائيل ليست قدَراً، بل هي نتاج قرارات انسانية. اسحق بن تسفي، مثلا، تردد في أعقاب قرار الامم المتحدة تقسيم البلاد في عام 1947، في موضوع اسم الدولة اليهودية الجديدة، هل تكون « اسرائيل » أو « يهودا ». وقد كان يميل للاسم الثاني واقترح تسمية الدولة « يهودا » وأن تتم تسمية مواطنيها « أبناء يهودا » أو « يهود دون تمييز في الدين والعرق ».

 

          من المنطقي القول إنه لو تم اعتماد رأي بن تسفي وسُميت الدولة على اسم يهودا، لكان هذا الاسم سيعبر عن الهوية المدنية الجغرافية، ولكان أخذ مع مرور الوقت المغزى الذي يحمله اسم « اسرائيل ». في هذه الحالة كان القوميون المتطرفون سيبحثون عن اسم بديل ليكون شعار في الصراع لضمان الحقوق الزائدة لأبناء اسرائيل داخل مجموع « أبناء يهودا » أو « يهود بدون تمييز في الدين والعرق ». وحينها كانت كلمة « اسرائيلي » ستتحول الى تعبير عن رفض الآخر.

 

          إلا أن هذا لم يحدث. والدولة اليهودية بكل مواطنيها سُميت « اسرائيل ». لذلك تحول مفهوم « اسرائيلي » مع مرور الوقت الى مفهوم معناه الديمقراطية والمساواة. أما مفهوم « يهودي » الذي يخص مجموعة لها انتماء قومي ديني وهي جزء من مواطني الدولة فقد تحول بالمعنى السياسي الى مفهوم معناه اثنوقراطي، وهو مناقض للمساواة.

 

          يضاف الى ذلك أن مغزى مفهوم « اسرائيلي » لا يقتصر فقط على التفسير المدني، بل يحمل في داخله بُعدا يهوديا أعمق كثيرا من مفهوم « يهودي » مركزي. حيث أن العلاقة المزدوجة لـ « الاسرائيلي » في الارث الماضي القومي الديني لشعب اسرائيل، والحاضر متعدد الثقافات في دولة اسرائيل، ترمز الى التوتر الداخلي بين الاساس البطريركي وبين الاساس الانساني الكوني، الذي كان في جوهر اليهودية على مر التاريخ. وهذا هو التوجه الدائم في الجسر بين هذه الأسس، التي هي من طابع الدين والايمان اليهودي الخاص.

 

          اضافة الى ذلك، فانه لـ « اسرائيلي » لا يوجد فقط مغزى ديمقراطي أكثر ويهودي أكثر من المفاهيم البديلة السائدة في النقاش في اسرائيل، بل ايضا مغزى صهيوني واضح: « نحن نريد أن نكون الأكثر تطورا بين الشعوب ». هكذا صاغ ثيودور هرتسل في كتابه « دولة اليهود »، الطموح الاجتماعي السياسي للصهيونية كقومية عصرية. ولا أحد يختلف على أن مغزى الشعب العصري هو ايضا تطوير لهوية سياسية مفتوحة ونقية من الاصولية العرقية الدينية، تكون قادرة على أن تستوعب جماعات دينية وعرقية وثقافية مختلفة داخل الدولة. هكذا هي الهوية المدنية الاسرائيلية التي تتبلور ببطء ولكن بشكل مستمر على أساس مباديء الواقع الاجتماعي المدني الاسرائيلي المشترك، وهي تتغلب على الحدود الدينية والعرقية الكثيرة داخل المجتمع الاسرائيلي.

 

          مفهوم « اسرائيلي » يعكس التوازن الهش بين الديمقراطي، اليهودي والصهيوني. لذلك يمكننا القول إنه لو كانت دولة اسرائيل مُعرّفة من جديد بشكل تشريعي كدولة كل الاسرائيليين « دون تمييز في الدين والعرق »، لكانت دولة أكثر ديمقراطية وأكثر يهودية وأكثر صهيونية بالمعنى العميق لهذه المفاهيم.

 

          والسؤال هو لماذا لا يقف الذين يعلنون عن أنفسهم كمؤيدي « الدولة اليهودية والديمقراطية » وكمعارضي الاصولية الدينية، لا يقفون من وراء فكرة الدولة الاسرائيلية المدنية. بل هم على عكس ذلك لا يتوقفون عن التهجم على هذه الفكرة. واحيانا يجندون الادعاءات من مجموع مفاهيم ما بعد الحداثة.

 

          هكذا هو الادعاء الذي لا أساس له والذي يقول إن « الاسرائيلية » هي معيار قمعي يتجاهل الحقوق الثقافية « للعرب » و« الروس » و« الشرقيين » و« المتدينين » وايضا « اليهود » – رغم أنه لا يوجد لكم معيار يشمل في داخله جميع الهويات بشكل شامل وليّن أكثر من « الاسرائيليين ». كثير من اولئك الذين يعتبرون أنفسهم صهيونيون ليبراليون وانسانيون ويديرون صراعا خاطئا لا أمل له ضد « الدولة الاسرائيلية »، يبدو أنهم يفعلون ذلك بسبب القلق على الامتيازات التي تحظى بها القومية العرقية الدينية اليهودية. لكنهم لا يعترفون بذلك علناً حتى لا تتشوه صورتهم.