خبر ريم بنا والشهيد القنطار.. صوت كسر جدران الزنزانة

الساعة 01:52 م|22 ديسمبر 2015

فلسطين اليوم

ريم بنا والشهيد القنطار.. صوت كسر جدران الزنزانة

نقلا عن صفحتها في « فيسبوك »

تم التنسيق لهذه المكالمة الهاتفية في موسم شتائي ماطر .. بلّغوني أن أكون حاضرة في تمام الساعة 23:00 .. تلبّكتُ كثيراً .. ولم أعد أعرف كيف ستمضي ساعات مُبعثرة إلى أن أسمع صوته القادم من أقبية السجن .. يا ترى كيف سيكون؟ خشناً؟ أم رقيقاً .. أم هادئاً فيه بحّة عاشق؟ لا لا .. لا يجوز هذا.. أكيد له صوت قوي ككل الفدائيين ..

يا ترى عن ماذا سيُحدّثني؟ عن الأسر؟ عن المُقاومة؟ عن الصمود؟ عن السجن؟ عن أمه الفلسطينية التي لم تتوقف عن زيارته يوماً؟ عن ماذا؟

يا إلهي .. هذه الأسئلة التي تضجّ في رأسي ستُصيبتي بدوار .. يا الله أنا لست قادرة على حِمل كهذا ..

لعنة الانتظار نقمة شرسة .. فكلما تحرّكت الساعة .. كانت تتحرّك معها ضربات قلبي التي كانت تعلو وتكاد تنفلت من صدري ..

الساعة 23:07 .. سبع دقائق قاتلة كادت تودي بأنفاسي .. إلى أن رنّ هاتفي النقّال .. هرعتُ إلى غرفة نائية في البيت .. أردت أن أسمع نبرة صوته جيداً .. أردت أن أحفظها عميقاً .. أن لا يفلت مني حرفاً قاله ولا حتى نَفَساً من أنفاسه .. أردت أن أتخيله وحدي كيف يمسك الهاتف النقال المُسرّب إلى سجنه .. أين يجلس؟ على حافة سرير خشبي بارد أم على الأرض؟؟ أم يقف ملاصقاً لجدار مُهشّم؟

لا يهم لا يهم الآن ..

ضغطت متوترة على زر تلقّي المكالمة .. جاء صوته عبر الهاتف:

- « مسا الخير ريم » .....

تلعثمت .. أنفاسي صارت مبتورة .. كان الموقف صعباً علي .. تمالكت نفسي وأجبت بسؤال كي ألقي عن نفسي عبء لبكة الكلام .. كان صوتي خافتاً مُتقطّعاً:

- « كيفك؟ »

ودون أن نشعر .. انساب الحوار بيننا دون أن نُعد الدقائق المحسوبة مما جعلني أتنفّس بارتياح أكثر .. تحدثنا عن كل شيء .. حتى عن الموسيقى .. كان مُتابعاً لما يحدث خلف القضبان .. يعرف بتفاصيل دقيقة أذهلتني .. لحظتها كنت أرتجف .. تمنيتُ لو رأيت عينيه وكفّيه وزندٍ مُقاتل ..

غابت السياسة والحرب والدمار من الحوار .. وغابت كل التفاصيل المُشوّهة .. إلا أن « فلسطين » كانت حاضرة فيه .. في روحه وقلبه ووجدانه.. فلسطينه .. فلسطيننا التي كانت تكبر معه وبه ..

جسّدها في كلّ مرة لفظها .. كنت أتخيلها معه .. في عينيه .. في أحلامه .. في انتماءاته ..

فلسطين سمير القنطار .. في ليلة ماطرة من العام 2006 .. كانت تترفّع أعلى من جدران الزنزانة .. وأعلى من الأسلاك الشائكة والأبراج وكاميرات المُراقبة .. وأعلى من خوذات الجنود التي لا تصلح أن تكون طبولاً قابلة للعزف .. وأعلى من أسوار السجن والسجّان ... أعلى من المتاريس والحواجز والجدار .. أعلى من الحصار والأسلحة الفتّاكة .. أعلى من صمت العالم .. وأعلى من فجر الانتصارات المُزيّفة كلها ..

فلسطينه .. كانت مقاومة حتى الرمق الأخير.