خبر ذاهبون الى المحكمة -معاريف

الساعة 11:10 ص|22 ديسمبر 2015

فلسطين اليوم

بقلم: مور شمعوني

 (المضمون: الهجوم على رئيس الدولة ريفلين وجمعية « نحطم الصمت » من خلال حملة « مدسوسين » هو جزء بسيط من الاجواء الصاخبة والخطيرة في الشبكات الاجتماعية - المصدر).

قررت النيابة العامة للدولة مؤخرا عدم فتح ملف تحقيق في أعقاب اقوال رئيس الحكومة نتنياهو السيئة في الانتخابات الاخيرة حيث قال « المصوتون العرب يتدفقون بأعداد كبيرة الى صناديق الاقتراع ». هذا رغم طلب فتح تحقيق جنائي ضد رئيس الحكومة بتهمة التحريض على العنصرية. « في حينه قال رئيس الحكومة إنه استدعى في اليوم التالي ممثلو الوسط العربي الى مكتبه »، قال المحامي شلومي افرمازون، رئيس مخالفات التحريض في المكتب الثانوي للنيابة العامة للمهمات الخاصة. « لقد قام عمليا بتصحيح اقواله، لذلك قررنا اغلاق الملف ».

  هذه الحادثة ليست الوحيدة، والاجواء في هذه الاثناء لدى الجمهور الاسرائيلي تستدعي الكثير من الاقوال والحملات والتلميحات التي قد يكون بعضها على حدود التحريض، ومنها حملة « المدسوسين » لحركة « اذا شئتم » التي تصور نشطاء اليسار المتطرف كمعاونين للمخربين، والجنود الغاضبين على رئيس الدولة رؤوبين ريفلين بسبب مشاركته في مؤتمر « هآرتس » في نيويورك الى جانب « نحطم الصمت » والانتقادات الجماهيرية لهذه الجمعية. ومن بين مجموعة الردود في الشبكات على مشاركة الرئيس ريفلين في مؤتمر « هآرتس » كتب مثلا: « الله نفسه لا يحبه »، « المراسيم القادمة لدى الرئيس ستكون على شرف المخربين وهو وأبو مازن سيمنحوهم الأوسمة ».

 « الحديث يدور هنا عن اقوال شديدة »، قال البروفيسور عمانوئيل غروس، المختص بالقانون الجنائي في كلية الحقوق في جامعة حيفا. « يجب فحص كل ما يُقال وهل يوجد تحريض على الرئيس. ولكن يجب الحذر. اذا لم يُقال بشكل واضح إنه يجب قتله بل يكون التحريض غير مباشر، فليس واضحا الى أي حد سيكون هذا تحريضا على العنف. صحيح أن الاقوال مهينة وشديدة، لكن يصعب اعتبارها خرقا للقانون من الناحية القضائية. يجب التأكد من أن تفسير الامور سيكون بشكل حاسم على انها دعوة على العنف ».

 

          في القانون الجنائي هناك عدد من البنود التي تسمح بمحاكمة شخص على التحريض، لكن في النيابة العامة لا يتعجلون استخدامها. مع ذلك فان عدد من لوائح الاتهام تم تقديمها في السنة الماضية بسبب التحريض. لكن ليس القانون الجنائي فقط هو الذي يمكن استخدامه لمكافحة التحريض بل النقاش الجماهيري والتغطية الاعلامية ودعاوى مدنية ايضا تلبي الغرض. على خلفية الاجواء الحالية حيث هناك من يدعي أنها تُذكر بعشية قتل اسحق رابين، كيف يمكن مكافحة ظاهرة التحريض وما دور كل منا في هذا الامر؟.

 

       يقومون بعد اللايكات

 

          المادة 144 في قانون العقوبات تتحدث عن التحريض العنصري والعنف أو الارهاب. حسب هذا القانون « من ينشر دعوة لعمل عنيف أو ارهابي أو مدح أو مؤازرة أو تشجيع للعنف والارهاب أو تأييده أو التعاون معه، وحسب جوهر الاعلان المحرض والظروف التي نشر بها، هناك امكانية فعلية لأن يؤدي ذلك الى عمل عنيف أو ارهاب فان الحكم هو السجن الفعلي مدة خمس سنوات ». لكن كما هو معروف بالنسبة للقانون الجنائي فان الامور لا تكون دائما اسود وابيض، واحيانا يتطلب الامر بعض التفسير.

 حسب اقوال المحامي افرمازون « حينما نريد اصدار لائحة اتهام بسبب التحريض يكون امامنا امتحانين. الاول، المضمون – هل توجد دعوة للقيام بعمل عنيف، واحيانا يكون هناك انتقاد واهانة – لكن ليس عنفا. ايضا الكلمة المنتشرة – خائن – قابلة للتحليل. لا يكون المقصود دائما خائن يجب شنقه، واحيانا يكون القصد هو خيانة القيم والفكرة. لكن اذا نشرت بجانب كلمة خائن صورة مسدس فان المغزى أكثر وضوحا. امتحان ثان هو هل توجد امكانية فعلية لأن تؤدي هذه الاقوال بالآخرين الى القيام بعمل عنيف أو ارهابي. اذا جلست مع صديق أو اثنين وقلت لهما يجب قتل هذا وهذا، فعلى الاغلب لن يتم فتح ملف جنائي. لكن اذا كان الشيخ رائد صلاح هو المتحدث وخطبته منشورة، فيبدو أن هناك امكانية حقيقية لأن تفسر اقواله كدعوة للعنف ».   في تشرين الاول هذه السنة قالت محكمة العدل العليا إن الشيخ رائد صلاح رئيس الجناح الشمالي للحركة الاسلامية يجب أن يدخل السجن مدة 11 شهرا بسبب خطبة له في 2007 قال فيها إن « اللحظات الاجمل بالنسبة لنا هي عندما نلتقي مع الله كشهداء في الاقصى ». في 2014 تمت ادانته بالتحريض على العنف وتمت تبرئته من تهمة التحريض على العنصرية. وقد اعتمدت النيابة على حقيقة أن صلاح يعتبر رئيس له مؤيدين كثيرين في اوساط الجمهور العربي، لذلك فان اقواله تحظى بالتأييد والانتشار.

 

   لكن في عصر الشبكات الاجتماعية تحولنا الى اصحاب خطب، وافكارنا تحولت الى ملك للمجموع. منذ عملية الجرف الصامد تم تقديم عشرات لوائح الاتهام بسبب التحريض على العنف أو العنصرية في الفيس بوك. وفي كل لائحة اتهام كهذه تقوم النيابة بتفصيل وذكر عدد اللايكات التي حصل عليها كل محرض كاشارة الى أن الاقوال قد وصلت للجمهور الواسع.

   يتذكر المحامي افرمازون حالة واحدة حيث قالت فيها عضوة الكنيست حنان الزعبي (القائمة المشتركة) فيما يتعلق بالفتيان الثلاثة المخطوفين الذين قتلوا بعد ذلك. في اثناء الاجواء المتوترة وعملية البحث عنهم، قالت الزعبي في مقابلة مع الراديو إن الخاطفين « ليسوا ارهابيين، بل هم اشخاص لا يجدون أي ثغرة لتغيير الواقع الخاص بهم، لذلك فانهم يضطرون الى استخدام هذه الوسائل ». وبعد فحص هذا الامر في النيابة قرروا أنه لا مكان للتحقيق الجنائي ضد الزعبي. « إن قرار عدم فتح التحقيق لم يكن قرارا سهلا بل مؤلما »، قال المحامي افرمازون، « إن الاقوال لا تعني تأييد الافعال بل تفهم المكان الذي جاءت منه هذه الافعال. مبدأ حرية التعبير يقول إنه يمكن قول اشياء مستفزة، وهذا مسموح حسب القانون ».

رغم أن الحديث لا يدور عن مخالفة جنائية فقد تحدث كثير من الشخصيات العامة في السنة الماضية بشكل مختلف عليه. حيث كان هناك من اعتبر ذلك تحريضا. مثلا عضو الكنيست موتي يوغف من البيت اليهودي دعا الى « الصعود على المحكمة العليا بالجرافات ». وأضاف أن القاضي عوزي فوغلمان « يضع نفسه في طرف العدو ». في تقرير جمعية حقوق المواطن الذي نشر قبل اسبوعين تم التطرق الى مساهمة منتخبي الجمهور في التحريض. « اقوال الشخصيات العامة ومنتخبي الجمهور ساهمت احيانا في اشعال النار بدل اطفائها، بل شجعت بشكل علني التجاوزات القانونية. إن تأجيج الغرائز الطبيعية في فترة كهذه أعد الارضية للفتك المزعزع الذي حدث في المحطة المركزية في بئر السبع ».

  سبب للخجل 

تدرس النيابة في هذه الاثناء اذا ما كانت هناك جوانب جنائية لفيلم « المدسوسين » الذي بثته حركة « اذا شئتم ». « الحديث يدور عن تحريض خطير ومسمم يبيح دم النشطاء الاجتماعيين »، قال المحامي افنير بنتشوك، مدير وحدة حقوق المواطن في الجمعية. « في الظروف الحالية الحملة تخلق تخوف من اعمال عنيفة ضد من يقف في مركز الحملة. ويُذكر الفيلم بالدعاية في الانظمة الفاشية. رسالة الحملة بحد ذاتها والمطالبة باخراج هذه المنظمات خارج القانون هي رسالة شرعية. لكن المغزى منها لا يقبل تفسيرين: الموسيقى المخيفة والشخصيات والاخراج وتقديمها على أنها مؤيدة للارهاب. ومن يفعل ذلك يجب وقفه بطريقة واحدة هي العنف. هذا ما يتم فهمه من هذه الدعاية ».

   في الجمعية لا يعتبرون أن حملة « مدسوسين » هي تحريض على العنف بالمعنى الجنائي. ومع ذلك فان القانون الجنائي ليس هو كل شيء. « يصعب القول هنا إن هناك سبب للادانة، لكن يوجد سبب للخجل والاستنكار الجماهيري »، قال المحامي بنتشوك. « لحسن حظنا أننا نرى ردود حادة من جميع المرافق السياسية ضد الحملة. كنت أرغب في رؤية وسيلة اعلام اساسية ترفض نشر هذه الحملة. من حق الناس التعبير عن رأيهم وعدم تقييدهم لكن من المهم أن تكون الردود المعاكسة قوية بما يكفي لوقف الاضرار المحتملة والمخاطر الكامنة في التحريض ».