عجز الرقابة على واقع الغذاء .. هل المبررات مقبولة؟!

بالصور غزة غير قادرة على فحص نسب الإشعاعات في المواد الغذائية!

الساعة 08:34 ص|22 ديسمبر 2015

فلسطين اليوم

في الآونةِ الأخيرةِ، صَدَرت عدة تقارير تتهمُ الأجهزة الرقابية الحكومية على الغذاء والمستهلكات الأخرى بـ« التقصير »، وهو الأمر الذي يحاول المسؤولون في الأجهزة الرقابية نفيه، معتبرين أن قلة الموجود من الإمكانيات المادية والمختصين والفنيين سببٌ كافيٌ لجعل الرقابة ـ« عاجزة وضعيفة » من وجهة نظرهم.

غيرَ أن حقوقيين وذوي اختصاص طالبوا الجهات المعنية -حكومية وأهلية ودولية- بضرورة العمل على تأمين غذاء ومستهلكات صحية ومناسبة للمواطنين في قطاع غزة.

ويحوي الجسم الحكومي ثلاثة أجهزة رقابية على الغذاء والمستهلكات الأخرى وهي؛ دائرة صحة البيئة التي تنضوي تحت وزارة الصحة، ودائرة حماية المستهلك المتفرعة من وزارة الاقتصاد الوطني، ودائرة المبيدات والمختبرات في وزارة الزراعة.

تقارير تتهمُ الأجهزة الرقابية الحكومية على الغذاء والمستهلكات الأخرى بـ« التقصير »

وقد خرجت تقارير حقوقية وصحفية استقصائية عدة تنادي بضرورة تكثيف الدور الرقابي على الغذاء والمستهلكات الآدمية الأُخرى، ومخالفة المتجاوزين، بعد كشفها لمصائب في الأغذية والمستهلكات الأخرى، غير أن الأجهزة الحكومية بررت خلال يوم علمي نظمته جامعة الإسراء بغزة تحت عنوان (الحق في الغذاء المناسب في قطاع غزة .. تحديات وآفاق) تلك الاتهامات بعجزها وليس بتقصيرها.

 

مدير دائرة الصحة والبيئة في وزارة الصحة م. محمود حميد أوضح أن الهدفَ المناط في دائرته يتمثل في حماية المستهلك من المخاطر الناتجة عن الغذاء، إلى جانب ضمان جودة وسلامة الغذاء، وتقليل حالات التلوث، ووضع معايير وإرشادات الجودة.

وأشار حميد إلى أن البنيةَ الأساسية للرقابة على الأغذية لتحقيق هدف سلامة الغذاء يتمثل في خمسة عناصر؛ أولها سن القوانين والتشريعات المختصة بالغذاء، تتضمن قوانين أساسية وأنظمة وتشريعات ومواصفات ومقاييس، ثاني تلك العناصر يتمثل في الإدارة المحلية والمركزية للرقابة، والثالث التفتيش على الأغذية واخذ العينات، والرابع مختبرات تحليل الأغذية، والأخير خطوة التقييم والتدريب.

ولفت إلى أن المهام الموكلة لدائرة تتمثل في جمع العينات، والفحص المخبري، والفحص الطبي للعاملين في مجال إنتاج وتداول الغذاء، وإصدار الموافقات الصحية لاستيراد مواد غذائية، وإصدار الشهادات الصحية لتصدير الأغذية، وإعطاء الموافقات الصحية لترخيص سيارات نقل الأغذية، وإجراء معاينة على الأغذية بمراحلها الأخيرة، واتلاف الغير صالحة، ومعاجلة شكاوى الجمهور، وتقديم الارشاد والنصح للعامة، وإعطاء الشروط الصحية الخاصة بمصانع ومرافق تداول الأغذية، ومتابعة حالات التسمم في المشافي الحكومية، والإشراف على الأغذية الموردة للمستشفيات الحكومية، والإشراف على صحة الاغذية المستوردة للمؤسسات الرسمية، وتحرير المخالفات بحق المخالفين في كل ما سبق.

وزارة الصحة: تحديات ومعوقات جمة تحول دون عمل الدائرة على الوجه المطلوب

وبين أن مصادر جمع العينات التي يقوموا بفحصها، المصانع، والأسواق، والأغذية المستوردة، وأغراض خاصة (ترخيص المصانع، وحالات اشتباه تسمم).

وأوضح أن الإجراءات المتبعة مع الأغذية الفاسدة والمنتهية الصلاحية، تكون بثلاثة خطواتٍ هي، فصل المادة الغذائية بمكانٍ مستقل، وتمييز تلك المواد بعلامة مميزة داخل المستودع، ومن ثم إتلافها بالطرق الصحيحة.

وأكد م. حميد أن دائرته تتطلع لتطبيق القوانين بشكل عام، والارتقاء بالمصانع ووحدات الانتاج، والاتصال الجيد والبناء بين مؤسسات ذات العلاقة، وتتطلع لإنشاء جسم مهني متخصص على مستوى الوطن تحت مسمى « المجلس الوطني للغذاء والتغذية »، مطالباً السلطة التشريعية باستصدار قانون للغذاء؛ أسوة بما هو قائم في بعض دول العالم.

وحول التقارير التي صدرت حول تلوث الأغذية والتهم الموجهة لدائرته بـ« التقصير »، أشار م. حميد إلى أن الدائرة تعرضت إلى غبنٍ كبير في هذا الإطار، وأن إدارته تقوم بالمهام المطلوبة منها في حدود صلاحياتها، وقدراتها.

وأكد في رده على تساؤل مراسل « وكالة فلسطين اليوم الإخبارية » حول التحديات التي تواجه الدائرة، أن تحديات ومعوقات جمة تحول دون عمل الدائرة على الوجه المطلوب، مشيراً إلى أن الإدارة « غير مقصرة »، وإنما عاجزة لنقص الإمكانيات بشتى أنواعها.

وقال: هناك قصور في أداء بعض الفحوصات داخل المختبر لنقص الإمكانيات، ونحن على تواصل مع منظمة الأغذية والزارعة للأمم المتحدة (الفاو)، وهناك استراتيجية لتلافي السلبيات وحلها داخل مختبراتنا.

وأضاف: كما أننا كمفتشين متواجدين على مستوى محافظات القطاع، ولكن على مستوى المعابر للتفتيش على الأغذية غير متواجدين، على الرغم من أن قانون الصحة العامة حفظ لنا حقنا في التواجد على المعابر، ولكن الجهات السيادية على المعابر تمنع تواجدنا.

كما، وقال في تعقيبه على تساؤل أحد الحضور، حول انتشار مرض السرطان في غزة هل هو بسبب ضعف الرقابة، « السرطان ممكن أن يكون من البيئة والهواء والماء، ولا يمكن قصر أسبابه على نوعٍ محدد، لا نستطيع ربط السرطان بسببٍ واحد ».

كما، واتفق مدير دائرة المبيدات والحشرات في وزارة الزراعة م. أحمد أبو مسامح مع سابقه، أن جملة من التحديات تحول دون الرقابة المطلوبة على المزارع في القطاع، مبيناً أن نقص الإمكانيات البشرية والمادية العائق الأكبر في وجه تطبيق القانون في هذه الناحية.

وأوضح أن أكثر من 300 مبيد حشري من مختلف انواع المبيدات الحشرية والفطرية والأعشاب وغيرها يستخدم في هذه البقعة المحدودة من الزراعة، مشيراً إلى أن ما يتم استعماله خلال العام من المبيدات حوالي 468 طن في السنة، أي حوالي 3 كم لكل دونم.

وزارة الزراعة: 300 مبيد يستخدم المزارعون وغير قادرين على الحد من استخدامها ومختبراتنا لا تعمل ولا يوجد لدينا كادر

وأوضح أبو مسامح أن المبيدات الحشرية وترخيص استخدامها يخضع إلى نظام خاص في التسجيل يحتاج إلى إمكانيات وتجارب دقيقة، مشيراً إلى أن دائرته عاجزة عن تلك التجارب وفحص تلك المبيدات بالإمكانيات الحالية، لافتاً ان دائرته تعتمد في هذا الإطار على تسجيل الاحتلال الإسرائيلي للمبيدات، وهي فقط ما يسمح بدخولها واستعمالها في غزة.

وبين أن من بين المعوقات التي تقف أمام دائرته عدم وجود كادر بشري حيث لا يعمل في الدائرة غيره إلى جانب موظف آخر، ويتناوبان عمليات التفتيش على تجار المبيدات واخذ عينات من المبيدات، تمهيداً لفحصها، مشيراً إلى أن المختبر المركزي الدائرة الذي يحوي قسم فحص جودة المبيدات، وقسم تقدير متبقيات المبيدات في الطعام، (متعثر وغير صالح للعمل)، موضحاً أن الدائرة لم تمنع أية مبيدات بعد احداث عام 2007.

وأوضح أبو مسامح أن دائرته غير قادرة على الحد من المبيدات الحشرية، التي تنتشر بشكلٍ كبير في قطاع غزة، في ظل توقف المختبر لعدم وجود كادر وظيفي متكامل، عازياً ترهل مختبرات الدائرة بشكله الحالي للمناكفات السياسية القائمة.

أما مدير دائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني م. زياد أبو شقرة فأوضح ان مهام دائرته تتمثل في متابعة الشكاوى التي يقدمها المواطنين، وحماية المستهلك، ومتابعة عمليات الرقابة والتفتيش على المواد الاستهلاكية، ومراقبة الأسعار، ومحاربة الغش، وحالات الاحتكار، والاستغلال، القيام بدور إشرافي على سلسلة عمليات الإمداد الغذائي، بما في ذلك الإنتاج والشحن والتوزيع والتخزين ومبيعات التجزئة.

حماية المستهلك: خلال العام حررنا1500  محضر ضبط، ونفذنا 3000 جولة تفتيشية  ونعاني من نقص الإمكانيات

كما أن من مهام الدائرة العمل على نشر الوعي بثقافة حماية المستهلك، والتنسيق والتعاون مع الدوائر المختلفة في الوزارة وخاصة دائرة المختبرات.

كما أن من مهام قسم المختبرات في الدائرة إجراء عمليات الفحص والاختبار للسلع والمنتجات في الأسواق ومناطق البيع، وإصدار التقارير الفنية، والتأكد من مطابقة المنتجات والسلع للمواصفات الفلسطينية.

اما بالنسبة لدائرة الموازين والمكاييل والمقاييس التابعة لحماية المستهلك فمهامها مراقبة المكاييل والموازين والمقاييس والتأكد من مطابقتها للمواصفات الفلسطينية من خلال تنظيم الجولات التفتيشية الميدانية، إجراء عمليات معايرة ودمغ الموازين والمكاييل المختلفة في المحلات وأماكن البيع ومحطات الوقود، وكذلك الحال بالنسبة للمقاييس (الأطوال)، وإجراء عمليات الصيانة الممكنة للموازين والمقاييس والمكاييل، والتأكد من الالتزام بالقوانين والتشريعات الفلسطينية في مجال الموازين والمكاييل والمقاييس.

وبين ان دائرته حررت خلال عام 2015 أكثر من 1500 محضر ضبط، ونفذت 3000 جولة تفتيشية في السوق، وإتلاف 1000 طن مواد غذائية فاسدة، وفحص 200 عينة من السوق، مشيراً إلى أن مفتشي الهيئة منتشرين في المحافظات الخمس، وينفذون جولات ميدانية بشكلٍ دوري ومفاجئ للتجار واصاحب المحال.

واشار ابو شقرة أن مختبرات الوزارة تعاني من نقص الامكانيات، لافتاً أنه لا يوجد أجهزة فحص الاشعاع في الاغذية (Radiation)؛ الامر الذي يفاقم من حالة المختبرات المترهلة، ويزيد من نسب امراض السرطان والفشل الكلوي والامراض المعدية والفيروسية المزمنة إن وجدت في غذائنا، وفقاً لتقارير صحية.

حماية المستهلك: أقل عُطُل في المختبرات لا يمكن إصلاحه لنقص الموارد الفنية والمالية

أدى تطور استخدامات التكنولوجيا العسكرية والمدنية، والتزايد المطرد في تطبيقات النظائر المشعة إلى ظهور أمراض خطيرة، مثل الأورام السرطانية وتلف أجهزة المناعة وتشوهات الأجنة والعقم وغيرها من الأمراض التي تنتج عن انتقال الإشعاعات إلى الإنسان بطرق مختلفة، على رأسها الغذاء الملوث بهذه الإشعاعات، في حالات تساقط الغبار الذري على النباتات والتربة الزراعية، يشار في هذا الإطار ان قوات الاحتلال استهدفت في حروبها الثلاثة على قطاع غزة شتى انواع الاسلحة المحرمة دولياً.

تقارير: الغذاء الملوث بالإشعاعات يؤدي إلى ظهور أمراض خطيرة مثل الاورام السرطانية وتلف أجهزة المناعة وتشوهات الأجنة والعقم وغيرها من الأمراض

وبين في حديثه لـ« وكالة فلسطين اليوم الإخبارية » أن أقل عُطُل في المختبرات لا يمكن إصلاحه لنقص الموارد الفنية والمالية، موضحاً إلى أن السبب الرئيسي بالحالة التي وصلت لها المختبرات في غزة الانقسام، لافتاً إلى أن دائرة حماية المستهلك بحاجة إلى تشريعات جديدة تتماشى مع الواقع الغذائي الحالي.

وأوضح أن مؤسسة المواصفات والمقاييس مقصرة في عملها، الأمر الذي يفاقم الوضع الغذائي في غزة.

بدوره، أوضح مدير دائرة التخطيط والجودة في جامعة الإسراء م. موسى الأسطل ان مواصفات الغذاء الصحي يجب ان يكون ناضجاً، وخالياً من التلوث الكيميائي، والفزيائي، والبيولوجي.

 

مختص: مطلوب تطبيق أنظمة عالمية في مجال الغذاء في المزرعة والمصنع في قطاع غزة

واوضح ان المتطلبات والمعايير الواجب مراعاتها للوصول لغذاء جيد، فحص المواد الخام، والتحقق من مطابقتها للمواصفات، ومتابعة المنتج اثناء التصنيع، والتأكد من سلامة ودقة الخطوات، والتحقق من سلامة وجودة المنتج النهائي، وذلك عبر التحليل الكيميائي والفزيائي والميكروبولجي، ومراقبة الظروف التخزينية، ومتابعة نظافة العمال داخل المصانع، واتباع اجراءات ضمان الجودة بإعداد استراتيجية كاملة، والمتابعة اليومية لنظافة الماكينات بخطوط الانتاج والارضيات والحوائط ودورات المياه، ومتابعة مكافحة الحشرات والقوارض وتقديم تقارير دوريه عن ادائها، وضمان سلامة وصول المنتجات إلى العملاء بشكلٍ جيد من خلال متابعة سيارات النقل.

واشار إلى أن من اهم المعايير والأنظمة التي تُطبق في مجال الأغذية والمطلوب تطبيقها في غزة، في المزرعة (نظام الجلوبال) وهو يعني نظام الممارسات الزراعية الجيدة، وفي المصانع نظام التصنيع الجيد (GMP) وهو نظام يحدد جوانب الانتاج التي يمكن أن تؤثر على جودة المنتج، ونظام المواصفات الدولية (iso22000) وهي مواصفات دولية تحدد متطلبات نظام سلامة الاغذية في جميع انحاء العالم.

وطالب الاسطل بضرورة العمل على تطبيق معايير الجودة بشكل رئيسي في المؤسسات المختلفة لضمان الحصول على غذاء سليم.

عميد كلية الحقوق في جامعة الاسراء د. علاء مطر، قال: يعتبر الحق في الغذاء من حقوق الانسان التي كفلها القانون الدولي الإنساني؛ وانتهاك هذا الحق يعد انتهاكا صريحاً للحق في الحياة.

اكاديمي: المجتمع الدولي وسلطة الاحتلال والجهات الحاكمة في غزة ملزمون بحماية الحق في الغذاء المناسب والكافي

واوضح ان المعايير الدولية كفلت الحق في الغذاء المناسب، حيث تنُص المادة 25/1 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان على هذا الحق، كما نصت المادة 11/1 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على ان تقر الدول والاطراف المعنية « بحق كل شخص في مستوى معيشي كافٍ له ولأسرته ».

واوضح أن العناصر الأساسية للحق في الغذاء الكافي تتمثل، في اربعة عناصر: وهي التوافر، وإمكانية الوصول (اقتصاديا - مادياً)، الكفاية، والاستدامة لجميع الأجيال.

وأقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1985 الاطار العام لمبادئ حقوق المستهلك والمتمثلة في «الثمانية حقوق» وهي حق الأمان، وحق المعرفة، وحق الاختيار، وحق الاستماع لآرائه، وحق اشباع احتياجاته الأساسية، وحق التعويض، وحق التثقيف، وأخيرا تمت اضافة حق الحياة في بيئة صحية… لأن البيئة تمثل وتشمل كل شيء حول المستهلك.

واشار إلى أن على المجتمع الدولي وسلطة الاحتلال والجهات الحاكمة في غزة التزامات عدة تجاه الحق في الغذاء المناسب والكافي، وضرورة حماية الحق في الغذاء أثناء الصراعات.

وامام التقارير التي تتهم الجهات الرقابية في قطاع غزة بالتقصير، وتبريرات الأخيرة بـ« العجز »، يبقي المواطن الفلسطيني في قطاع غزة ضحية لغذاء متعثر من جميع النواحي.

 



cffc4a43-f636-47f1-9a58-834b13ec5a37

bf00fb13-843c-4779-b4f1-2f8fbbe0b5bf

38d717a6-7047-493f-b8bb-068a7cdb2741

8d61a3bf-b7f6-491b-a50b-e941e914b716