خبر الاتفاق التركي الإسرائيلي بين الجدية والمناورة.. حلمي موسى

الساعة 07:02 ص|21 ديسمبر 2015

فلسطين اليوم

أعلنت مصادر إسرائيلية رسمية حدوث اختراق في الاتصالات لتطبيع العلاقات مع تركيا. ورغم التهليل الكبير وردود الفعل فإن العراقيل التي لا تزال تعترض التوصل لاتفاق بين الدولتين تبدو أكبر من المصالح المشتركة الكثيرة بينهما. ولا ريب أن جانبا من هذه العراقيل يعود أساسا إلى التضارب بين تطلعات كل من الدولتين للعب دور أكبر في المنطقة العربية ولخدمة اتجاهات متنافرة.
ورغم العلاقات والمصالح التاريخـــية المشتركة بين إســــرائيل وتركيا على مدى العقود الأخيرة، وتحديدا منذ إعلان الدولة العبرية وتنامي دور المشروع القـــومي العربي الناصري ونشوء «تحالف الأطـــراف»، فإن إسرائيبل لم تنظر بارتياح إلى تراجع دور العســــكر الأتراك وتنامي دور الإسلاميين. وزاد الطين بلة في نظر إســــرائيل أن الإسلاميين الأتراك، خصوصا في ظل الرفض لانضمامهم للاتحــاد الأوروبي، اندفعوا نحو الشرق بحثا عن حلفاء. وغالبا ما قادت هذه الاندفاعة إلى نزاعات مع إسرائيل بدأت حتى قبل جريمة اقتحام اسطول مرمرة.
ومن المؤكد أن إسرائيل كانت، ولا تزال، تتطلع لتطبــــيع العلاقات مع تركيا التي ظلت تلعب دور شريك تجاري هام لــــها رغم الأزمة. فهي ليست أصلا بحاجة إلى تحول الأتراك إلى عدو واضح لإسرائيل، وهي أيضا لا تستطيع الذهاب بعيدا في عدائها لتركيا التي تعتبر صاحبة قرار في حلف الـــناتو. ومع ذلك من الواضح أن عدم رغبة إسرائيل في تفاقم الأزمة مع تركيا، أيضا بسبب الدور الأمــــيركي، لم يكن كافيا حتى الآن للتوصل إلى اتفاق مصالحة. فالإدارة الأمــــيركية بما تملكه من نفوذ لدى الطرفين عجزت حتى الآن عن إتمام الاتفاق على المصالحة رغم كل ما بذلته من جهد حتى من جانب الرئيس شخصيا. وهذا يوحي بعمق الخلاف الذي ورغم أبعاده الشخصية يشي أيضا باختلافات جوهرية.
ومن الواضح أن الغرب عموما والأميركيين خصوصا كانوا يأملون تعاونا أكبر بين تركيا وإسرائيل في كل ما يتعلق بسوريا خصوصا بعد أن دخل الدب الروسي إلى الحلبة بقوة كبيرة فأحرج الجميع. ورغم كل ما يقال عن تعاون روسي إسرائيلي فإن الدولة العبرية تكاد لا تختلف مع تركيا في الاختلاف مع التدخل الروسي الذي صارت تنظر إليه على أنه داعم لـ «المحور الشيعي» بزعامة إيران. ولذلك فإن مغازلة إسرائيل لروسيا كانت في الأغلب تجنبا لخلاف أكثر ضررا في ضوء ميوعة الموقف الغربي من هذا التدخل. وإذا كان هذا يعني شيئا فإن إســرائيل قد تكون تحاول الاقتراب من تركيا، وبالعكس، بسبب روسيا.
وفي هذا الشأن ثمة أهمية كبــــيرة توليها إســــرائيل لتصدير الغاز إلى تركيا سواء من أجل تلبية احتياجاتها أو لإعادة تصديره إلى أوروبا. وتكاد تركيا تكون السبيل الوحيد لإنقاذ حقل لفيتان من الخسارة بعد أن انهارت أسعار النفـــــط عالميا، وبالتالي أسعار الغاز، وبعد أن تبين لإسرائيل أنها لا يمكنها الركون لاتفاقات مع دول عربية خصوصا مصر. أمــــا عن الطريق اليوناني مرورا بقــــبرص فيبدو أن الــــغاز الإسرائيلي سيضطر للانتظار طويلا. فالأفضلية للأتراك لا تتعلق فقــــط بقصر الأنبوب البحري إليها وإنما بفــــائض الأموال التــــركية التي يمكنها أن تمول المشروع بأسره، وهــو ما لا يتوفر لليونان وقبرص.
على أي حال يبدو أن الإعلان عن الاتفاق قبل أن ينضج وتأكيد من الجانبين رغم إقرارهما أن الطريق طويلة ومعقدة قبل إقراره يظهر السبل الملتوية للسياسة. فتركيا بحاجة لمثل هذا الإعلان للإيحاء للروس أن لديها بدائل مفترضة للغاز المستورد منهم إذا حاولوا الضغط باستخدام هذه الورقة. كما أن تركيا مرتاحة للإعلان لأنه يوجه رسالة قاسية لكل من اليونان وقبرص وحتى مصر بأنها ليست لاعبا هامشيا في المنطقة وأن إسرائيل تأخذها بالحسبان وكثـيرا.
أما على صعيد إسرائيل فكل ما يهم نتنياهو الآن هو تمرير صيغة الغاز وفق البند 52 الذي يمنح الحــــق لوزير الاقتصاد، وهو نتنياهو حاليا، بالالتفاف على قرار المسؤول عن منع الاحتكارات إذا كانت هناك مبررات أمنية أو استراتيجية. وليس مستبعدا أيضا أن نتنـــــياهو يراهن على تحسين شروط التفاوض بشأن الغاز مع كل من اليونان وقبـــــرص وربما مصر عبر عرض الـــــورقة التركية. وهذا ما قاد معلقــــين إسرائيليين للنظر إلى الإعلان على أنه ربما يخدم مصالح مؤقتة لزعيمين متشابهين في نظرتيهما لنفسيهما ولدورهما في التاريخ.
وتبقى مسألة غزة والموقف من حركة حماس وربما من حركة الأخوان المسلمين. وقد حاول مسؤولون إسرائيليون الإيحاء بأن تركيا تراجعت عن شرطها بخصوص رفع الحصار عن غزة. لكن مسؤولون أتراك آخرهم وزير الخارجية أعلن أن إسرائيل لم تلب حتى الآن من الشروط التركية إلا واحدا وهو الاعتذار. كما أن استقبال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في القصر الرئاسي لخالد مشعل يعطي رسالة بأن ليس هناك تغيير على الأقل ظاهريا.
ومع ذلك من المؤكد أن تركيا وافقت على إبعاد نشطاء في الذراع العسكري لحماس وبينهم صالح العاروري ولكن في الغالب هذا تم تحت ضغوط أميركية ترى في نشطاء حماس العسكريين إرهابيين ما يشكل إحراجا لتركيا.


تقديم وترجمة حلمي موسى