بالصور الاستشهادي أنس حماد ... صاحب الإنتقام الهادئ

الساعة 06:48 م|06 ديسمبر 2015

فلسطين اليوم

لم يخطر ببال والدته أن ما يقوم به أنس هو وداع أعده بدقة وهدوء، سلم عليها بحرارة وقبلها وقال لها سامحيني وأرضي علي... وأرسل لشقيقته الأصغر والأقرب إلى قلبه « تقوى » بكل صوره، وحينما طلب شقيقه المال لشراء الملابس أعطاه ما تبقى له من « تحويشة » وأبتسم وهو يقول له « أنتظر ليوم غد وخذ كل ملابسي ».

الشهيد أنس حماد، 21 عاما، والذي أستشهد يوم الجمعة الفائت بعد تنفيذه عملية دهس لمجموعة من الجنود على مدخل قريته سلواد شرقي رام الله، كان قد أعد كل شئ لعمليته قام قبل أيام بشراء سيارة وكتب وصيته وتركها لوالده في « صالون » الحلاقة الذي كان يعمل معه فيه.

وفي منزل العائلة أصرت والدة الشهيد على توزيع الحلوى في بيت عزاء الشهيد أبنها، قالت أنه حلوى شهادته وهي تبكيه بكل حرقة:« منذ أسبوع وتصرفاته ليست طبيعية كلما دخل وخرج من المنزل يقبلني ويقول لي أنه يحبني وكأنه »يودعني« ، ويردد » أرضي علي« .

والدة أنس لم تتوقع أن يكون أبنها الهادئ يعد العدة للرحيل، قالت أنه أشترى سيارة التي نفذ بها العملية قبل أيام، بحجة أنه يريد أن يذهب وخاصة في موسم الشتاء »، وحين أعطى لشقيقه الأصغر ما تبقى معه من مال، لم تشك أيضا وهو المعتاد على الإعتناء بأشقائه الخمسة.

وعن يوم الجمعة الأخير لأنس في المنزل تقول الوالدة إنه كما كل جمعة خرج من المنزل بعد أن أرتدى ملابسه وتوجه للصلاه في المسجد، وتابعت:« ودعني وطلب مني أن أرضى عليه ».

أنس كان قد قضى ليله الخميس مع عائلته، أتصل على شقيقته « تقوى » وطلب منها العودة إلى المنزل لتناول « الأفطار » معا حيث كان كل أفراد العائلة صائمين، تقول تقوى:« كنت عند خالتي وعندما أتصل علي قلت له أنني سأبقى عندها، إلا أنه أصر أن أعود معه إلى البيت وقام بتوصيلي بسيارته الجديدة وقال لي أنت الوحيدة اللي ركبت السيارة ».

وعلى غير عادته، تناول أنس والعائلة « طبخه الفول » التي لا يحبها، وشكر والدته وقبلها وقال لها « تسلم إيديك »، وهو الذي لم يعتد تناول طعام لا يحبه، وخلال المساء أرسل ل« تقوى » كل صوره عبر هاتفها المحمول، وعندما سألته مازحة « ماذا أفعل بكل هذه الصور » رد عليها « عشان لما تشتاقيلي ».

لم يكن أنس كما شبان البلدة يخرج إلى المواجهات التي تندلع أسبوعيا على مدخلها الشمالي، وكان يستهزء من شقيقه الأصغر ويقول له:« الحجر ما بعمل أشي بدك تحارب اليهود أعمل أشي أكبر... أشتغل على ثقيل »، فلم تكن الوالدة تخشى عليه أذا تأخر خارج المنزل على عكس أخيه عبد الرحيم.

وصيته لشقيقه طبقها أنس على نفسه حينما قام بما فاق عمل الشبان بضرب الحجارة في المواجهات لسنوات، ودهس الجنود بعملية بطولية يقول شهود عيان أنه دهسهم أول مرة وعاد مرة أخرة وقام بدهسهم قبل أن يتكم إطلاق النار عليه.

ورغم الهدوء الذي عرف أنس به من القريب والبعيد، إلا أن الحياه التي عاشها أنس جعل حقده على الإحتلال كبيرا، فالعائلة تعودت على أقتحام منزلها وأعتقال الوالد، والذي قضى في سجون الأحتلال أكثر مما قضى بينهم، ولكن كما يقول الجميع فالأقتحام الأخير كان الأقسى.

أنس خلال هذا الأقتحام، قبل عشرة أيام، تعرض للضرب والتعذيب والشبح، ولربما هي القشة التي كسرت ظهر البعير، وجعلت أنس يخرج عن هدوءه، كما يقول والده بسام حماد.

ويتابع الوالد:« قاموا باقتحام المنزل بطريقه همجية، ودخلوا غرفة نوم والدته وشقيقاته، وهو ما جعله يعترض بالصراخ والشتم للجنود فقاموا بشبحه وضربه بقوه ».ويتابع الوالد:« عاش أنس كما كل أبنائي حياه غير مستقرة وكان يتحمل مسؤوليه البيت في غيابي والمحل ويقوم مقامي في كل شئ ». والد أنس يعمل حلاقا في البلدة، وكذلك أنس تعلم الحلاقة وأتقنها وكان « بديل » والده بعد أعتقاله.

وعن يوم استشهاده يقول الوالد:« تلقيت أتصالا إن أنس هو من قام بتنفيذ عملية الدهس وإن اقوات الإحتلال قامت بإحتجازه، دون أن أعرف هل هو مصاب أم أستشهد، توجهت مع شقيقتي على الفور إلى نقطة الجيش على مدخل القرية، وطلبت من الجندي أن نراه أو على الأقل نعرف هل هو مصاب أم استشهد، ولكنهم لم يسمحوا لنا بذلك وقاموا بإطلاق النار بإتجاهي ». ولم يمض القليل حتى وصله تأكيد من الأرتباط العسكري بإن أنس أستشهد.

ترك أنس لوالده في محل الحلاقه وصيه أستذكرها روسها ب« بسم الله الرحمن الرحيم... من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ومنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا... »، وفي الوصية خاطب أنس والده قائلا:« والله يا والدي قلبي لم يحتمل أن أرى أخت المرجلة تستشهد على حواجز الإحتلال، ولم أحتمل تدنيس المستوطنين للمسجد الأقصى، ولم يهن علي أن أرى كل يوم قوافل الشهداء، فأردت أن أقدم نفسي شهيدا في سبيل الله... فسامحني يا والدي وسامحيني يا أمي الحنونه... ».

وختم أنس وصيته بالآية:« ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموتا بل آحياء عند ربهم يرزقون ».

والدة أنس والتي بكت بِكرها أنس بحرقة، وهي التي ربته وحيدة في غياب والده في السجن لأكثر من عشر سنوات متفرقة، كان يواسيها ما خلفه أنس من طيب الذكر وسيرة تفتخر بها، وخلال حديثها معنا سجدت شكرا لله وقالت:« الحمد لله ربي ما ضيعلي تعب وكان أنس شهيدا عند الله ».



انس حماد

انس حماد

انس حماد

انس حماد

انس حماد