خبر أوجه الشبه بين دولتي : نتنياهو اليهودية والبغدادي ( الإسلامية ).. د. وليد القططي

الساعة 08:38 ص|03 ديسمبر 2015

بقلم د. وليد القططي

ما انفك نتنياهو يُطالب الفلسطينيين بالاعتراف بـ ( اسرائيل ) كدولة يهودية جاعلاً هذا الاعتراف شرطاً لأي تسوية سياسية مع الفلسطينيين , وهذه الدولة اليهودية تختلف في المضمون عن كون  ( إسرائيل ) وطن قومي لليهود كما ود في وعد بلفور وصك الانتداب . وهذه المطالبة المتكررة لنتنياهو تزامنت مع قيام ما يُغرف بالدولة الإسلامية في العراق والشام بزعامة البغدادي , وكأن الهدف من هذا التزامن إيجاد دولة يهودية صهيونية نقية مقابل وجود دولة إسلامية سنية نقية تختلفان في المضمون وتتفقان في المنهج . وفي السطور التالية سنحاول البحث عن أوجه الشبه بين الدولتين : اليهودية بالمواصفات الصهيونية , والإسلامية بالمواصفات الداعشية .

دولة نتنياهو اليهودية تقوم على فكرة الاختيار الإلهي للشعب اليهودي باعتباره شعب الله المختار المستمدة من التوراة المزّيفة « لأنك شعب مقدّس للرب إلهك وقد اختارك الرب لتكون شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب على وجه الأرض » وهذه الفكرة ترّسخ مفهوم التفوّق العرقي والأخلاقي لليهود وتؤدي إلى انعزالهم وتميزهم واستعلائهم على الآخرين غير اليهود بغض النظر عن امتلاكهم لمعايير التفضيل والخيرية أو عدم امتلاكهم وسواء أحسنوا وأساءوا ومهما قالوا أو فعلوا , ففكرة الاختيار لا تسقط عن الشعب اليهودي وذاتهم مقدّسة وما دونهم الأغيار ( الجوييم ) محتقرون وهم في مرتبة أقل من الإنسان كما ينظرون للشعب الفلسطيني .

ودولة البغدادي ( الإسلامية ) تقوم على فكرة الفرقة الناجية التي هي بمثابة شعب الله المختار عند من يؤمنون بها , فهم الفرقة الناجية الوحيدة التي تستحق الحياة في الدنيا والخلود في الجنة في الآخرة , وهذا الاعتقاد يستند إلى قراءة خاطئة وفهم مغلوط لحديث الفرقة الناجية المروّى في إحدى طرقه عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن الرسول – صلى الله عليه وسلم - الذي آخره « ... وتفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلاّ واحدة » والقراءة الخاطئة للحديث بغض النظر عن مناقشة صحة سنده أو معنى متنه تقود إلى نفس النتيجة التي توصل إليها اليهود وهي تقديس الذات واحتقار الآخر الذي يتم نزع الصفة الإنسانية عنه تحت مسميات مختلفة مثل : كافر ومشرك ومرتد وضال وفاسق ومبتدع ورافضي ونصيري وغيرها من المسميات التي تبيح القتل وانتهاك حُرمة الدم والعرض والمال ...

ودولة نتنياهو اليهودية تستخدم العنف والإرهاب استناداً على عقيدة دينية تدعو إلى إبادة الآخر غير اليهودي , ففي التوراة المزيفّة يقول لهم الإله الذي يؤمنون به « فاضرب جميع ذكورها بحد السيف وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة فهي غنيمة لك » كما تحرّض على الإبادة الجماعية « وحللنا لك في كل مدينة قتل جميع الرجال والنساء والأطفال » , فهذه الدولة طبقت ما ورد في التوراة المزيفّة والتلمود الذي ألفه حاخاماتهم وبروتوكولات حكماء صهيون السرّية إضافة لما ورثوه من مفاهيم عنصرية للاستعمار الغربي . أما دولة البغدادي ( الإسلامية ) فهي تستخدم العنف والإرهاب استناداً على فهمهم الديني الخاص الذي يقدّس العنف والقتل والإبادة لكل من يخالفهم , وهم يستندون على قراءة متطرفة لإحدى المدارس الفقهية والعقيدية الإسلامية المتمسكة بالنصوص بطريقة حرفية جامدة , لاسيما الإمام أحمد بن تيمية الذي توّسع في فتاوى التكفير والقتل والمشهور بعبارته « يُستتاب فإن تاب وإلاّ قُتل » , ولم يترددوا في الاستشهاد بفتاويه لتبرير كل المجازر الوحشية التي ارتكبوها بعد أن نزعوها من سياقها الزماني و المكاني  حتى أصبحت هذه الفتاوى مقدّمة لديهم على القرآن والسنة .

ومن أوجه الشبه بين الدولتين أن كليهما اعتمد على استراتيجية الرعب في نشأته وتوّسعه , فاستراتيجية الرعب كانت ولا زالت جزءاً من فلسفة الحرب الصهيونية ونظرية الأمن الإسرائيلية , اتبعتها العصابات المسلحة الصهيونية قبل قيام الدولة لتفريغ فلسطين من سكانها العرب لإحلال  المستوطنين اليهود الصهاينة مكانهم , واتبعها الجيش الإسرائيلي بعد قيام الدولة لتثبيت أركان الدولة وتوسيع حدودها وبث العرب والخوف في صفوف العرب والفلسطينيين لإحداث الهزيمة النفسية التي تمهد للهزيمة العسكرية وفرض إرادتهم على العرب والفلسطينيين . أما داعش فقد استخدمت هذه الاستراتيجية لتحقيق نفس الهدف , وهو إقامة دولتهم ثم تثبيت أركانها ثم توّسعها وتمددها من خلال استخدام أقصى درجات العنف الدامي والإرهاب الوحشي ضد الآخرين لبث الرعب والخوف في صفوف أعدائهم , وما تصوير المذابح الجماعية والإعدامات بالجملة وعمليات التعذيب والتهجير والسبي ونشرها إلاّ تأكيداً لهذه الاستراتيجية .

ومن أوجه الشبه بين الدولتين – اليهودية والداعشية – أنه لا يوجد حدود سياسية رسمية لهما , فدولة الكيان الصهيوني لا يوجد لها حدود سياسية رسمية منذ إنشائها عام 1948 م , ومن غير المعروف إن كانت حدودها الرسمية هي حدود قرار التقسيم 1947 أم خطوط الهدنة 1948 م , أم حدود 1967 م , وما هي حدود اسرائيل التوراتية إن كانت بين نهر الأردن والبحر المتوسط . أم بين النهرين النيل والفرات . أم من العريش إلى جبل حرمون ( الشيخ ) . وبالنسبة لدولة داعش فقد رفعت شعار ( باقية وتتمدد ) أي أن حدودها ستمتد بقدر قدرتها على التوّسع , واعلنت أن حدود سايكس بيكو مجرد صنم يجب إزالته , ونشرت خريطة الخلافة التي تطمح إليها وهي تضم أجزاء كبيرة من قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا , وبذلك فإن دولتهم ليست لها حدود واضحة محددة وهي تخضع لمدى قدرتها على التوّسع تماماً كدولة نتنياهو اليهودية .

وباختصار فإن أوجه الشبه بين الدولتين – الصهيونية والداعشية – هي فكرة الاختيار الإلهي سواء عن طريق عقيدة شعب الله المختار أو عقيدة الفرقة الناجية , وممارسة العنف والإرهاب بالاستناد إلى مفاهيم دينية تقدّس الذات وتحتقر الآخر , والاعتماد على استراتيجية الرعب في النشأة والتوّسع , وعدم وجود حدود سياسية رسمية محددة . هي عناصر مشتركة بينهما ستقودهما إلى الغرق في مستنقع من الدماء لن يجف قبل أن يغرقا به .